في ذكرى تفجير مقر حزب الجمهورية الإسلامية الذي أسفر عن استشهاد ٧٢ من مسؤولي النظام
الجمهورية الإسلامية بمختلف أطيافها ضحيّة الاغتيالات، هل تراجعت عن قيمها؟
تنا
في الذكرى السنويّة لمحاولة اغتيال الإمام الخامنئي الفاشلة عام ١٩٨١ والتي تلاها تفجير مقر حزب الجمهورية الإسلامية الذي أسفر عن استشهاد ٧٢ من مسؤولي النظام وعلى رأسهم آية الله الدكتور السيد محمد بهشتي، ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً يستعرض تاريخ الاغتيالات في الجمهورية الإسلامية التي استهدفت مختلف أطياف الشعب الإيراني ويحلّل المقال مدى تأثير هذه الأداة التي استخدمها الأعداء منذ انتصار الثورة الإسلاميّة من أجل كبح لجام الثورة وإضعافها.
شارک :
الثّورة التي لم يكن من المقرّر لها أن تندلع
لقد كان انتصار الثّورة الإسلاميّة أمراً غير متوقّع للعديد من المحلّلين والسياسيّين في الغرب لدرجة أنّهم عجزوا عن إدراك كافّة جوانبها واستشرافها بشكل صحيح. على سبيل المثال يقول الرّئيس الأمريكيّ السابق جيمي كارتر في مذكّراته:
”لقد سألت رئيس منظّمة السي. آي. اي الذي أزيح عن منصبه حينها بسبب انتصار الثورة الإسلامية: أي أنّكم مع امتلاككم لكلّ هؤلاء الأشخاص حول العالم، ومع كلّ هذه الإمكانات فوق المتطوّرة، ومع كلّ هذه الميزانيّة التي تصرفونها، عجزتم عن توقّع اندلاع ثورة الشعب الإيراني؟ فأجابني: ما وقع في إيران أمرٌ لا يُمكن تعريفه، حواسيبنا لا تفهمه.“(١)
لعلّ أهمّ قضيّة جعلتهم يعجزون عن توقّع وقوع الثورة الإسلامية في إيران كانت ”منشئها الدّيني“. فحسب اعتقاد المحلّلين الغربيّين، حيث أنّه لا وجود أساساً لمقولة تُدعى ”الدّين“ في العصر الحديث، ولكون [هذه المقولة] عاجزة عن القيام بعمليّة إعادة إنتاج ثقافي-اجتماعي، إذاً لا يُمكن للمضمون الدّيني إحداث ثورة في العصر الحديث. لكنّ الثورة الإسلاميّة في إيران نقضت كلّ هذه الفرضيات والأسس الفكريّة وأثبتت أنّ الدين يُعتبر في العصر الحديث كما كان في السابق أهمّ عنصرٍ محرّك لتحرّكات المجتمعات البشريّة.
من هذا المنطلق، انطلقت في غداة انتصار الثورة الإسلامية في إيران موجة ”الاعتراضات“ و“التشويش“ المحليّة والخارجيّة من أجل توجيه ضربة لهذه الثورة. وإحدى الأساليب التي تمّ استغلالها طوال هذه الأعوام الـ٤٠ من عمر الثورة الإسلاميّة من قبل الأعداء في الداخل والخارج كانت ”الاغتيال“.
١٧٠٠٠ ضحيّة للاغتيال
بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، كان الاغتيال أحد الأدوات التي استغلّها الأشخاص والحركات المعادية للثورة الإسلاميّة واستخدموها ضدّ القوى الثوريّة. وإذا ما أردنا تقديم تصنيف عامّ، يمكن تقسيم الحركات المعاندة للثورة الإسلاميّة إلى ثلاثة: الحركات الماركسيّة وأهمّها "حزب توده الإيراني"، الحركات الوطنيّة وأهمّها "حركة حرية ايران" والحركات الالتقاطيّة أهمّها منظّمة المنافقين(ما يسمى بمجاهدي الخلق) وفرقة فرقان. ومع إجراء مراجعة للتاريخ يتبيّن أنّ غالبيّة الاغتيالات التي وقعت في بدايات الثورة الإسلاميّة، جرت على أيدي عصابات المنافقين وفرقان.
اغتيال اللواء وليّ الله قرني، أوّل رئيس لهيئة أركان جيش الجمهورية الإسلامية في إيران العامّة (٢٣/٤/١٩٧٩)، اغتيال آية الله مطهّري، رئيس مجلس شورى الثورة ودماغ الثورة الإسلاميّة المفكّر (١/٥/١٩٧٩)، محاولة اغتيال حجّة الإسلام والمسلمين هاشمي رفسنجاني الفاشلة (٢٥/٥/١٩٧٩)، اغتيال الحاج مهدي عراقي (٢٦/٧/١٩٧٩)، اغتيال آية الله قاضي الطباطبائي (١/١١/١٩٧٩)، اغتيال آية الله مفتّح (١٨/١٢/١٩٧٩)، محاولة اغتيال الإمام الخامنئي الفاشلة (٢٧/٦/١٩٨١)، تفخيخ وتفجير مقرّ الحزب الجمهوري واستشهاد آية الله الشهيد بهشتي و٧٢ من أنصار الإمام الخميني (٢٨/٦/١٩٨١)، اغتيال حجّة الإسلام والمسلمين حقّاني (٢٨/٦/١٩٨١)، تفخيخ وتفجير مكتب رئاسة الوزراء واغتيال الشهيدين رجائي وباهنر (٣٠/٨/١٩٨١)، اغتيال آية الله قدّوسي (٥/٩/١٩٨١)، اغتيال آية الله مدني (١١/٩/١٩٨١)، اغتيال حجّة الإسلام والمسلمين هاشمي نجاد (٢٩/٩/١٩٨١)، اغتيال آية الله دستغيب (١١/١٢/١٩٨١)، اغتيال آية الله صدّوقي (٢/٧/١٩٨٢) واغتيال آية الله أشرفي الأصفهاني (١٥/١٠/١٩٨٢) هي نماذج لأبرز عمليّات الاغتيال التي جرت في الأعوام الأولى بعد انتصار الثورة الإسلاميّة من قبل الجماعتين اللتين سلف ذكرهما.
وإضافة إلى هذه العمليّات تمّ اغتيال أكثر من ١٧ ألفاً من الناس العاديّين ضمن موجة الاغتيالات التي شنّتها هاتين الجماعتين. وبلغت عمليّات الاغتيال ذروتها في صيف العام ١٩٨١ عند وقوع حادثتي تفخيخ مقرّ الحزب الجمهوري ومكتب رئاسة الوزراء، حيث استشهد حينها الكثير من شخصيّات الثورة الإسلاميّة من الطّراز الأوّل. استمرّت هذه الاغتيالات بالطّبع وعلى سبيل المثال وقع ضحيّتها في ١ أيلول عام ١٩٩٨ أسد الله لاجوردي وفي ١٠ نيسان عام ١٩٩٩ الفريق صيّاد الشيرازي.
لن نكون قد بالغنا لو أنّنا قلنا بأنّ ”مستوى“ و“كميّة“ الاغتيالات التي وقعت بعد انتصار الثورة الإسلاميّة لم تقع في أيّ ثورة أخرى حول العالم. فلم تقع كميّة الاغتيالات هذه في أيّ من سائر الثورات حول العالم. اغتيالات لو وقعت في أيّ من الأنظمة السياسيّة الأخرى، لما كان هناك شكّ في أنّها كانت ستمهّد لسقوط ذلك النظام. اغتيال أكبر الأدمغة الايديولوجيّة وأفضل مسؤولي البلاد السياسيّين خلال أشهر قليلة قادرٌ على جعل أيّ نظام سياسيّ يواجه تحدّياً عميقاً وكبيراً؛ لكنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تخطّى كلّ هذه المواضيع وعبر بأمنٍ وسلام.
الاغتيالات زادت من قوّة الجمهوريّة الإسلاميّة
وكانت ردّة الإمام الخميني (قده) على هذه الاغتيالات بأن اعتبرها دليلاً على فقدان ”المنطق“ في مواجهة الثورة الإسلاميّة وأردف سماحته قائلاً: ”هذا دليل عجزكم بأن تبادروا لقتل مفكّرينا في الليالي المظلمة. لأنّكم تفتقدون للمنطق. ولو أنّكم كنتم أصحاب منطق لتكلّمتم وتناقشتم. لكنّكم لا منطق لديكم، منطقكم هو الاغتيال. منطق الإسلام يعتبر الاغتيال باطلاً. الإسلام صاحب منطق. ومع اغتيالكم شخصيّاتنا الكبيرة والبارزة سيزداد التأييد لإسلامنا.“ (2)
وبالطّبع فإنّ الإمام الخميني (قده) كان يحلّل هذه الاغتيالات فيدرجها تحت عدّة عناوين: أوّلاً، لطالما كان هناك معارضون للأهداف المقدّسة والسامية ولذلك فإنّ مثل هذه الأحداث طبيعيّة أثناء السّير نحو هذه الأهداف. ثانياً، خلافاً لما يتصوّره المعاندون، إنّ مثل هذه الاغتيالات تؤدّي إلى إحياء الإسلام من جديد والمزيد من تلاحم وتعاضد الشعب. ثالثاً، مثل هذه الاغتيالات سوف تؤدّي إلى تثبيت وتقوية نظام الجمهوريّة الإسلاميّة: ”هؤلاء لو كان هدفهم هدم الإسلام، فإنّ الإسلام يحيا بهذه الدماء. وإذا كان هدفهم هو القضاء على الجمهورية الإسلاميّة فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة ترتوي بهذه الدّماء.“ (3)
”الاغتيال“ من أجل كبح لجام الثورة
لكنّ السؤال الرئيس هو: لماذا كانت تتمّ هذه الاغتيالات ولأيّ سبب؟ ماذا كانت أهداف وغايات المعاندين والأعداء من الإقدام على مثل هذه الاغتيالات؟ لماذا استفاد ولا زال أعداء إيران يستفيدون من هذه الأداة لتوجيه ضربة إلى الثورة الإسلاميّة؟
يبدو أنّ أهمّ سبب أدّى ويؤدّي إلى ارتكاب هذه الاغتيالات هو ”كبح لجام الثّورة“. لقد كان أعداء الثورة الإسلاميّة يدركون جيّداً أنّهم لو لم يمنعوا نشاط هذه الثورة الإسلاميّة، فلن يطول الأمر حتى ينتشر نموذج الثورة الإسلاميّة في العالم الإسلامي بل وفي بلدان العالم المستقلّة. لذلك كان ينبغي بأيّ وسيلة كانت منع تقدّم هذه الثورة والإخلال بحركتها.
ومن هذا المنطلق صرّح الإمام الخامنئي في كلمته في الرابع من حزيران عام ٢٠١٤:
«ومن ممارساتهم تنشيط جماعات الإرهاب والاغتيالات وإطلاق فرق اغتيالات. قاموا بهذا الشيء في العراق، وقاموا به في أفغانستان، وقاموا به في بعض البلدان العربية في المنطقة، وقاموا به في بلادنا نفسها. يطلقون جماعات إرهابية ويغتالون أشخاصاً معينين. اغتالوا في بلادنا العلماء ومتخصصي الطاقة النووية فاستشهدوا. وقبل ذلك اغتالوا أشخاصاً آخرين من النخبة السياسية والنخبة الثقافية والشخصيات العلمية والشخصيات الدينية ورجال الدين. وقد نمت هذه الجماعات تحت مظلة أمريكا، والبعض منهم حظوا بقبول الأمريكيّين نتيجة هذه الخدمات التي قدّموها لأمريكا. المنافقون اليوم في أحضان أمريكا ويشاركون في اجتماعات متعددة وفي لجان الكونغرس الأمريكي. نفس عناصر المنافقين ونفس هؤلاء الذين قتلوا هنا أبناء الشعب وقتلوا الشخصيات البارزة والعلماء والشخصيات السياسية ونفّذوا التفجيرات، هم اليوم هناك مع الأمريكيّين.»
كانون الثاني عام ٢٠١٠؛ تبدّل مسار الاغتيالات
لكن منذ كانون الثاني عام ٢٠١٠ حتى كانون الثاني عام ٢٠١٢، اتّخذت عمليّات الاغتيال صبغة أخرى وتبدّل مسارها. فالعدوّ الذي كان قبل ذلك يمارس ”الاغتيالات السياسيّة“ من أجل حذف ساسة الصفّ الأوّل في النظام من الساحة، انطلق خلال الفترة المذكورة في تنفيذ ”عمليّات الاغتيال العلميّ“ واغتال أربعة من علماء إيران النوويّين.
وفي خريف العام ٢٠١٠، أي قبل أقلّ من شهرٍ على تنفيذ عملية اغتيال الدكتور مجيد شهرياري والدكتور فريدون عبّاسي، وقف جون سافرز، رئيس جهاز (MI6) الاستخباري التابع لبريطانيا أمام عدسات الكاميرا وأعلن عن تنفيذ عمليّات استخباريّة وأمنيّة ترمي إلى إيقاف برنامج إيران النووي. أعلن حينها بصراحة: ”لا تكفي الدبلوماسيّة من أجل إيقاف برنامج إيران النووي وينبغي مواصلة الأنشطة التجسسيّة والاستخباريّة من أجل التصدّي لإيران.“
بعد اغتيال الدكتور علي محمّدي والدكتور مجيد شهرياري، اغتيل عالمين نوويّين آخرين أي داريوش رضائي نجاد ومصطفى أحمدي روشن من قبل الجماعات الإرهابيّة التابعة للغرب.
ما هو هدف الاغتيالات العلميّة؟
لكنّ السؤال المهمّ هو، لماذا غيّر محور الاغتيال ضدّ إيران توجّهه من اغتيال المسؤولين وساسة البلاد نحو اغتيال العلماء؟ ماذا كان سبب هذه الاستدارة؟
ماذا كان هدف ومنهجيّة فرق الاغتيال من تنفيذهم هذه الاستدارة؟
لماذا تبدّل محور الاغتيالات من الاغتيالات السياسيّة نحو الاغتيالات العلميّة؟
ينبغي البحث عن الإجابة في ما ذُكر أعلاه بشكل عام ومقتضب. هدف الجماعات المعاندة وعلى رأسهم ”نظام الهيمنة“ كان ولا يزال في المرتبة الأولى ”كبح لجام الثورة الإسلاميّة“ بأيّ أسلوب متاح. لذلك ينبغي حذف كلّ ما قد يؤدّي إلى تقدّم الثورة وتحوّلها إلى نموذج يُحتذى به. حسناً، ظنّت الجماعات المعاندة ونظام الهيمنة خلال الأعوام الأولى لانتصار الثورة الإسلاميّة أنّهم قادرون عبر اغتيال وحذف المسؤولي والسياسيّين في النظام على جعل الثورة تواجه ”أزمة سياسيّة“ وبذلك يقومون بقمعها. لكن ومع مرور الوقت وبشكل خاص بعد مطالبة الإمام الخامنئي بإطلاق نهضة إنتاج علميّ وبموازاة ذلك تسريع الحركة العلميّة في البلاد فيما يخصّ إنتاج العلم، أدرك نظام الهيمنة أنّ المولّد الذي يحرّك إيران في العصر الراهن يقع في مجال العلم والتكنولوجيا.
وكما أكّد الإمام الخامنئي مراراً على هذه النقطة وصرّح في إحدى خطاباته كما يلي:
«التقدم المادي للبلاد يتوقف بالدرجة الأولى على عنصرين: العنصر الأول هو العلم، والعنصر الثاني هو الإنتاج. إذا لم يكن ثمة علم تلكأ الإنتاج أيضاً. البلد يتقدم بالعلم. إذا كان هناك علم ولكن لم يحصل إنتاج وتكامل وتطور على أساس هذا العلم سوف يبقى البلد يراوح مكانه. وقد كان العيب والنقص خلال فترة حكم الطواغيت هو أننا لم نكن نمتلك العلم، ولأننا كذلك لم يكن لدينا إنتاج قائم ومتقدم ومتطور على أساس العلم. لذلك حينما دخل العالم حيّز الصناعة وتقدم في هذا المجال تقدمت القارة الآسيوية التي دخلت ساحة الصناعة بعد أوروبا، أما نحن فبقينا متخلفين نتيجة حكم الطواغيت والظروف المختلفة. وإذا أردنا التعويض - ونحن نريد ذلك وقد تحرك شعبنا وحقق تقدماً جيداً - فعلينا الاهتمام بالعلم والإنتاج، ومتابعة ذلك في مراكز العلم والبحث العلمي وبأشكال حديثة جديدة.
منذ سنوات وأنا أشدد على مسألة العلم، والحمد لله فقد تحركت عجلات التقدم العلمي وإنتاج العلم في البلاد، وطبعاً ينبغي زيادة سرعتها فنحن لا نزال في بداية الطريق.» (5)
لذلك فإنّ اغتيال العلماء النوويّين كان بإمكانه من جهة أن يجعل إيران تواجه ”تحدياً علميّاً“ في مسار إنتاج العلم المحلّي، ومن جهة أخرى قد يبثّ الرّعب في قلوب عشرات آلاف الشباب المؤمنين والثوريّين الذين كانوا يعملون من أجل تقدّم إيران العلمي. وهذا ما ارتكبوا فيه كالعادة خطأ في الحسابات؛ بحيث أنّ هذه الاغتيالات زادت من زخم إقبال الشباب الثّوري والمؤمن على تحصيل العلوم في الاختصاصات المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا النوويّة وكانت النتيجة كما أذعنت المؤسسات الدوليّة المعتبرة، ازدياد سرعة تقدّم إيران العلمي ١٣ ضعف معدّل التقدّم العلميّ الدولي.
الهوامش:
1. جريدة كيهان، ٢٣ أيلول ١٩٩٩، نقلاً عن استانفيلد ترنر، رئيس منظّمة السي. آي. اي الاستخباريّة في حكومة جيمي كارتر
2. صحيفة النور؛ ج ۷؛ صص ۵- ۱۸۳ (بقليل من الاختلاف)
3. صحيفة النور؛ ج ۱۵؛ ص ۲۵۸
4. كلمته في لقاء مع العمال النموذجيّين من أنحاء البلاد ٢٨/٤/٢٠١٠