إن خطاب السيد نصر الله الأخير ينبغي تأمله جيدًا بعقل استراتيجي لا بعقل المكايدات التافهة الذي استقبله به البعض في لبنان وخارجها، وينبغي تأمل رسائله الحاسمة والواضحة والتي تشي بحسم المقاومة لخياراتها والرسائل التي وجهت للمعسكرات الثلاثة، الصديقة والعدوة والمتأرجحة.
شارک :
إيهاب شوقي
بنفس المقاربة التي دعا إليها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد نصر الله للتعاطي مع الوضع الراهن ومفادها تحديد المعسكرات بدقة لانتفاء وجود التباسات أو شبهات ولوضوح الحجة والبينة بعد كل هذه العقود، نستطيع أن نتناول بعضًا من الملاحظات ومحاولة وضع النقاط على الحروف لبعض الملفات المطروحة والتي وصلت لمراحل حاسمة.
وقبل الخوض في هذه الملاحظات، تنبغي الإشارة إلى أن الشفافية التي تحدث بها السيد نصر الله تشي بأمرين رئيسيين:
الأول: عدم احتمال الأمور لمزيد من الميوعة والتلاعب بين المعسكرات مما يشي بأنها وصلت لمرحلة حاسمة.
الثاني: فتح الحوار مع الداخل اللبناني على أرضية وطنية دون التماهي مع دعوات الانبطاح والمهانة.
وهنا يمكننا الولوج مباشرة إلى ما نريد قوله:
1- محور المقاومة لا يعرف التردد وخياراته محسومة والكرة دومًا في ملعب الخصوم والأعداء، والمحور جاهز للرد على خيارات خصومه وأعدائه.
وللتوضيح، فإن المحور بكامله دولًا وحركات مقاومة يحسم أمره بالتمسك بالثوابت والحقوق ورفض الذلة والتطاول والتعدي على الكرامة، كما يصبر لتغليب المصلحة العامة ولا يتخطى صبره حدًا تنتفي معه المصلحة أو تهدر به الحقوق أو الكرامة.
وهنا يقف المحور بكامله في حالة جهوزية لجميع الخيارات وصولًا لأقصى درجات التصعيد والانزلاقات لو اختارها الأعداء.
وهو ما نجده في جميع الملفات بدءًا من الملف النووي الإيراني والذي ارتبكت به - مع الصمود الإيراني - أروقة وكواليس صنع القرار السياسي والعسكري لدى الخصوم والأعداء، مرورًا بالصمود اليمني والانتصارات الساحقة الأسطورية لأنصار الله والمأزق الكارثي للسعودية والإمارات ورعاتهما في أمريكا و"إسرائيل"، وصولًا لتنامي المقاومة في العراق وسوريا وما يبدو أنه قرار قد اتخذ بتكثيف المقاومة والتعجيل بطرد الاحتلال الأمريكي في العراق وفي شرق سوريا.
بينما على الجانب الآخر نرى التردد والارتباك هو سيد المواقف الأمريكية والصهيونية والخليجية، وهو ما يدفعهم لتصرفات وتصريحات طائشة ومتهافتة حطت من قدرهم وصورتهم وهيبتهم بشكل غير مسبوق.
2- الأطراف التي أشار إليها السيد نصر الله والتي تساوي بين معسكر القاتل ومعسكر الشهيد والتي تعتبر كلا من إيران وأمريكا أصدقاء أو التي "تعكس الآية" وتعتبر إيران هي العدو، هي أكثر الأطراف ارتباكًا وأكثرها تعرضًا لمخاطر السحق والاندثار، لأن أمريكا ومعسكرها لن ترضى بغير تابع كامل على قاعدة "إما معنا أو علينا"، والمقاومة أقامت الحجة وبينت المعسكرات وبالتالي لا محل للمنافقين معها.
وهو ما يعني أن سياسات التلاعب والاحتيال ومسك العصا من المنتصف لم تعد مجدية في المرحلة الراهنة الحاسمة وعلى جميع الأطراف حسم خياراتها وتحديد معسكرها بدقة ووضوح.
3- غياب دور الجماهير والذي أدى إلى هذه الأوضاع وتدهورها وتجرؤ الأنظمة على اتخاذ خيارات كان اتخاذها مستحيلًا مع وجود الحد الأدنى من الوعي والوزن الجماهيري، لا بد وأن ينتهي، ولا بد من عودة واستفاقة الجماهير للدفاع عن مصالحها والإدلاء بمواقفها، وإلا ستكون ضحية صمتها، سواء على المستوى التاريخي والأخلاقي، أو على مستوى المزيد من التجرؤ عليها وسحقها وقمعها والدخول لخيارات خطيرة يمكن تجنبها لو كشرت فقط عن أنيابها وانبرت وأبدت استعدادها للدفاع عن مصالحها وقضاياها.
إن خطاب السيد نصر الله الأخير ينبغي تأمله جيدًا بعقل استراتيجي لا بعقل المكايدات التافهة الذي استقبله به البعض في لبنان وخارجها، وينبغي تأمل رسائله الحاسمة والواضحة والتي تشي بحسم المقاومة لخياراتها والرسائل التي وجهت للمعسكرات الثلاثة، الصديقة والعدوة والمتأرجحة.