تاريخ النشر2022 12 February ساعة 02:00
رقم : 538242
في ذكرى مولد الامام جواد الائمة (ع)

الإمامُ الجوادُ (ع): التميّزُ العلميُّ والرّساليُّ

تنا
و لد الإمام التاسع من أئمّة أهل هذا البيت (ع) في العاشر من شهر رجب الحرام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، وهو الإمام محمد بن علي الجواد (ع).والجواد هو لقب اقترن باسمه الشَّريف، لأنه كان يعطي الكثير، ولا يبقي لنفسه إلا القليل، ولا ينتظر فقيراً حتى يسأله، بل هو من كان يذهب إليه ويبحث عنه.
الإمامُ الجوادُ (ع): التميّزُ العلميُّ والرّساليُّ
العلامة السد علي فضل الله في الخطبة الجمعة
 
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. صدق الله العظيم.
في العاشر من هذا الشَّهر، شهر رجب الحرام، نلتقي بذكرى ولادة الإمام التاسع من أئمّة أهل هذا البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، وهو الإمام محمد بن علي الجواد (ع).
والجواد هو لقب اقترن باسمه الشَّريف، لأنه كان يعطي الكثير، ولا يبقي لنفسه إلا القليل، ولا ينتظر فقيراً حتى يسأله، بل هو من كان يذهب إليه ويبحث عنه.

الإمامةُ المبكرةُ
وقد حظي هذا الإمام بتربية أبيه الإمام الرّضا (ع) وبرعايته، وقد أشار إلى موقعه عندما سأله أحد أصحابه عنه، فقال: لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركةً على شيعتنا منه. وقد تسلّم الإمام الجواد (ع) زمام الإمامة بعد وفاة أبيه، وكان آنذاك في حداثة سنّه، وهذا الأمر من الطبيعي أن يطرح تساؤلات وشكوكاً، ويثير علامات استفهام حول كيفيّة تولي هذا المنصب الخطير لمن هو بهذه السّن.

وقد جاء الردّ على التّشكيك بما ورد في القرآن الكريم عندما تحدَّث عن النبيّ يحيى (ع): {وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}[مريم: 12]، وما ورد من تولي النبيّ سليمان (ع) الحكم بعد أبيه داود (ع)، وكان بمثل سنّ الإمام الجواد (ع)، وللتميز العلمي الذي عرف عن الإمام الجواد بالرّغم من صغر سنّه، والذي شمل ميادين العقيدة والفقه والتّفسير والحديث، ومختلف ألوان الثقافة الإسلاميَّة، وقد تقدَّم فيه على كلّ العلماء الذين عاشوا في عصره، ما جعله موضع عناية المأمون الخليفة العباسي آنذاك.

فقد ورد عن الشيخ المفيد (ع) قوله إنّ المأمون شغف فيه لما رأى من فضله، رغم صغر سنّه، وبلوغه من العلم والحكمة والأدب وكمال الفضل ما لم يساوه به أحد في زمانه.
وقد عبَّر عن ذلك عندما جاء إليه العباسيّون معترضين على تزويجه الإمام من ابنته أمّ الفضل، وخوفهم من أن يؤدّي ذلك إلى أن يخرج الحكم من بني العباس وينتقل إلى أهل البيت (ع)، عندها قال: إني اخترته لتفوّقه على أهل الفضل في العلم والثقافة كافة مع صغر سنّه، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما عرفته منه، فيعلم الرأي فيه. وعندما قالوا له: ولكنه لا يزال صغيراً، أجاب: وَيْحَكُم، أنا أعرف به منكم، وإنه لأفقه منكم، وأعلم بالله ورسوله وسنَّته وأحكامه، وأقرأه لكتاب الله منكم، إنه من أهل بيت علم من الله.. ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدّين والأدب عن بقية الرعايا.

ورغم قصر المرحلة التي عاشها الإمام الجواد (ع)، حيث تذكر سيرته أنَّه لم يعش سوى خمس وعشرين سنة، وكان من أصغر أهل البيت (ع) سناً، فقد ترك أثره بين النَّاس، وذاع صيته لدى العلماء، وأصبح طالبو العلم يفدون إليه من كلّ فجّ عميق.

من هديِ دروسِهِ (ع)
ونحن اليوم سنستفيد من هذه المناسبة الكريمة، لنتوقَّف عند بعض ما ورد عن الإمام (ع)، بما يظهر عظمة شأنه، ومدى علمه وعمق إيمانه:

النصّ الأوَّل: روى بكر بن صالح أنَّ شابَّاً من الموالين لأهل البيت (ع)، كتب إلى الإمام الجواد (ع) وقال إنَّ أبي شديد العداء لكم، وقد لقيت منه شدّةً وجهداً، فرأيك - جعلت فداك - في الدّعاء لي، وما ترى - جعلت فداك - أفترى أن أكاشفه أم أداريه؟
فكتب (ع): "قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك، ولست أدع الدّعاء لك إن شاء الله، والمداراة خير لك من المكاشفة، ومع العسر يسر، فاصبر، فإنَّ العاقبة للمتَّقين. ثبَّتك الله على ولاية مَنْ تولَّيت، نحن وأنتم في وديعة الله الَّذي لا تضيع ودائعه".

لقد أراد الإمام (ع) بذلك أن يبقى الشابّ بارّاً بأبيه، محسناً إليه، حتى لو كان معادياً لأهل البيت (ع) وشديداً عليهم. وفعلاً، عمل الشابّ بوصية الإمام (ع) له، وراح يحسن إلى والده، ولا يبادل إساءته بإساءة، ما جعل الأب يعيد النَّظر بتصرّفاته تجاه ولده، حتى لم يعد يعارضه، وبعد ذلك، أصبح من الموالين والمحبّين لأهل البيت (ع)، بعدما كان من أعدائهم. وهو بذلك حقَّق ما أمره الله، عندما دعاه إلى الإحسان إلى الوالدين، حتى مع الاختلاف معهم في الدين أو المذهب، وقدَّم بحسن خلقه صورةً تعبِّر عن المنتمين إلى أهل البيت (ع) الَّذين يعملون بوحي ما قاله الإمام الصّادق (ع) لشيعته: "كونوا لنا دعاةً صامتين".

النصّ الثّاني: يروي أحد أصحاب الإمام الجواد (ع)، وهو أبو هاشم الحموي، إنّه قال: سمعت أبا جعفر يقول: إنَّ للجنّة باباً يقال له: باب المعروف، لا يدخله إلّا أهل المعروف، وهم من يبذلون الخير إمَّا مالاً، أو خدمةً، أو كلمة طيّبة، أو نصيحة.. يقول هذا الرَّجل: فحمدت الله تعالى في نفسي، وفرحت مما أتكلَّفه من حوائج الناس، فنظر إليَّ أبو محمد (ع) وقال لي: "نعم، قد علمت ما أنت عليه، يا أبا هاشم، وإنَّ أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، يجودون على أهل المعاصي بحسناتهم، جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك".

النصّ الثالث: جاء إليه أحد الأشخاص ليحدّثه عن أهميّة ما حصل له في أحد الأيّام، فقال: "لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم"، فقال (ع): "يا أبا هاشم! عظمت بركات الله علينا فيه، فلا تنسب البركة إلى اليوم، فإنَّ اليوم لا يملك أن يؤخِّر أو يقدِّم، ولكن إذا جاءتك البركات في أيِّ يومٍ وزمان، فانسبها إلى الله تعالى الَّذي لولاه ما كان كلّ هذا الخير والعطاء، فالله هو يعطي ويمنع. فقال له: "فما نقول في اليوم؟"، قال (ع): "قل فيه خيراً فإنّه يصيبك"، أي عليك أن تتفاءل، وتفاؤلك ينبع من ثقتك بالله.

وهذا هو ما كان يحرص عليه رسول الله (ص)، فقد كان يبدأ يومه قائلاً: "اللَّهمَّ لا يؤتي الخير إلّا أنت، ولا يدفع السيّئات إلّا أنت، ولا حول ولا قوَّة إلا بك".

وهذا ما حرص عليه الإمام الصَّادق (ع)، فهو عندما سمع رجلاً يقول: لولا فلان لهلكت، قال له: لا تقل هذا، بل قل: لولا أنَّ الله منَّ عليّ بفلان لهلكت.

النص الرابع: أشار فيه إلى ضرورة توفّر خصائص ثلاث في شخصيَّة المؤمن، فقال (ع): "توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه".

رفضُ الظّالمين والفاسدين
وأخيراً، حرص الإمام الجواد (ع) على أن تبقى جذوة الرّفض للظالمين والفاسدين، فدعا إلى الوقوف في وجههم، وعدم مدِّ يد العون إليهم، وبأيّ شكل من أشكاله، فقال (ع): "من استحسن قبيحاً - أي أيَّده في ظلمه - كان شريكا له".
وقال: "كفى بالمرء خيانةً أن يكون أمينا للخونة".
واعتبر الراضي بالظّلم والسّاكت عليه شريكاً فيه، فقال: "العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به شركاء".

أيها الأحبة: هذا هو الإمام الجواد (ع)، في عظمة علمه وجوده وهديه، في وصاياه ومواعظه ونصائحه، ونحن أمام ذكراه، علينا أن ننهل من سيرته وكلماته ومواعظه ما نستعين به في حياتنا، لنكون أطهر وأنقى وأصفى وأفضل، والذي به نكون مخلصين له أوفياء ومحبّين وموالين، وزيناً له لا شيناً عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.


/110
https://taghribnews.com/vdcdoj0kxyt0sx6.422y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز