الفقیه والفیلسوف الإیراني "آیة الله السید مصطفی محقق داماد" :
الأنبياء يعتبرون الوحدة وتجنب الفتنة والفرقة طريق الخلاص من الشرك والظلم
تنا
يعد السلام من أهم المبادئ التي قد أكدت عليها الأديان السماوية والأنبياء حيث كان الأنبياء يعتبرون الوحدة وتجنب الفتنة والفرقة طريق الخلاص من الشرك والظلم. كما قد أكد الإسلام على هذه القضية المهمة حيث تحتوي العديد من الآيات القرآنية على مفاهيم حول طريقة الحياة الاجتماعية للانسان في ظل السلام حتى يتمكن الناس في المجتمع من التعايش مع أقل المشاكل.
شارک :
فیما یلي نصّ مقال الفقیه والباحث الديني والأكاديمي الايراني "آية الله السيد مصطفى محقق داماد" حول السلام من منظور القرآن الکریم والسبل التي تؤدي إلی السلام من منظور القرآن:
"إن من یقرأ القرآن والمصادر الإسلامیة الأخری سیجد بوضوح أن الدین الإسلامي یدعو للسلام ویعبر عن السلام بأنه خیر من کل شئ بل إن الدین الإسلامي جاء لیضع أسس السلام من خلال التعلیم آنذاك.
والأساس الأول للسلام هو التوحید. إن الرسالة التوحیدیة بدأها النبي إبراهیم (ع) ولم تبدأ مع محمد (ص) ویقول العالم والفيلسوف والمفكر الإیراني في القرن الثالث عشر للميلاد "الخواجة نصیر الدین الطوسي" في کتابه "أوصاف الأشراف" إن التوحید یعني وحدة القول ووحدة الناس".
لاشك أن هناك أسباباً کثیرةً للحروب ولکن من أهم الأسباب حرب الإلهات ومن أجلها بینما ربنا الکریم من أسماءه السلام ویعتبر العدواة من أهداف الشیطان "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ" (سورة المائدة / 91) فیدعونا ربنا الکریم إلی السلام والمحبة والوداد.
والأساس الآخر الذي أتی به رسول الله (ص) هو الأخوة التي تعتبر من الهبات القرآنیة.
وقال المفکر الإسلامي الشهیر ومؤسس علم الإجتماع في القرن الرابع عشر للميلاد "إبن خلدون" إنه لیس لرسول الله (ص) سوی إعجازین: إعجازه الأول القرآن والثاني علاقة الصداقة والحیاة المسالمة بین القومیات آنذاك.
وقد عبر القرآن الکریم عن الإعجاز الثاني في الآیة الـ103 من سورة آل عمران "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ".
وبحسب الآیة الکریمة فإن التوحید سبیل نحو السلام المستدام.
والنقطة التالیة التی یجب النظر فیها أنه یجب المحافظة علی السلام والتعایش والأخوة وذلك لقوله تعالی حیث أشاد بنعمة الأخوة بعد أن کان الناس علی شفا حفرة.
وأنشأ القرآن الکریم الأخوة الإنسانیة عن طریق وحدة الأسرة البشریة بحسب قوله تعالی "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَی".
إنکم خُلقتم من أب وأم واحدین فإنکم بذلك إخوان مسلمين کنتم أم کفار، سود کنتم أم بیض، عرب کنتم أم عجم، رجال کنتم أم نساء.
إن الأخوة لا تعني علاقة الأخوة بین الرجلين بل تعني إزالة أي نوع من أنواع عدم المساواة.
والأساس الثالث هو العهد والمیعاد. إن العهد هو أساس التعایش في الحیاة الإجتماعیة. بالعهود والعقود تنشئ الأسر کما أن القرآن الکریم وصف العهود الأسریة بالمیثاق "وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا". بالعهد تنشئ الأسرة والحکم کما تنشئ الشعوب وتتعایش بسلام.
والأساس الرابع للوحدة بحسب القرآن الکریم یتمثل في الکرامة البشریة التي ذُکرت في القرآن لأول مرة "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (سورة الإسراء / 70).
إنها من الإبداعات القرآنیة التي تحضّ علی إجتناب النزاع "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الأنفال / 46) أي أنکم إذا ما تنازعتم فستخسرون کرامتکم.
والأساس الخامس هو العفو لقوله تعالی "أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (البقرة / 237).
والأساس السادس لبلوغ الوحدة هو "الصفح". العفو یعنی القبول بأخطاء الآخرین ومسامحتهم ولکن الصفح أکبر من ذلك فإنه یعني تناسي أخطاء الآخرین "فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا"(سورة البقرة / 109).
وأهم من ذلك فإن القرآن في الآیة الـ34 من سورة فصلت یقول "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ".