حظيَ خطاب قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار باهتمام إعلامي مميز، وخصوصاً أنه يأتي بعد فترة من الانقطاع عن الظهور الإعلامي.
شارک :
حسن لافي
وبالتالي، إن ظهور القائد السنوار نفسه يعتبر رسالة مهمة في خضم الأحداث المتوترة في القدس والضفة الغربية، وفي ظل محاولات "إسرائيل" الحثيثة لفرض سيادتها الدينية على المسجد الأقصى، وما سبقها من عمليات فدائية فلسطينية أربكت الأمن الإسرائيلي، وضربت عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وأعادت الروح إلى الذات الفلسطينية والثقة بها، إضافة إلى خصوصية أخرى، تتمثل بكون الخطاب يأتي في ظلال يوم القدس العالمي، وما واكبه هذا العام من مساندة جماهيرية حاشدة للقضية الفلسطينية على امتداد محور القدس، رغم كل مؤامرات التطبيع العربي.
تناول السنوار في خطابه العديد من القضايا على كل المستويات، وأبرق جملة من الرسائل، أهمها:
أولاً، لا تَردُد في اتخاذ قرار المواجهة المفتوحة مع الاحتلال في حال المساس بالأقصى والقدس، بل توقع أن الهجمة الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى ستزداد في الأيام المقبلة، في ظل الأعياد القومية الصهيونية، وخصوصاً يوم النكبة "الاستقلال".
لذا، طالب السنوار بالاستعداد للمعركة، التي من الواضح أنها ستكون أكثر شراسة من قبل المقاومة الفلسطينية، إذ أكد أن المقاومة، وفي الرشقة الأولى، ستطلق 1111 صاروخاً باتجاه "إسرائيل"، إضافة إلى أن ساحة المواجهة ستكون أكثر اتساعاً وامتداداً، فالسنوار أكد ما تحدث عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سابقاً، حين قال "إن المساس بالأقصى والقدس يعني حرباً إقليمية"، بل اعتبر السنوار أن "إسرائيل" تريد تحويل الصراع إلى حرب دينية بكل ما تحمله من مخاطر وتداعيات.
ورغم ذلك، أوضح قائلاً: "إننا، عند مقدساتنا، لن نتردد في اتخاذ أي قرار"، وبالتالي، إن الشعب الفلسطيني ومقاومته جاهزون لخوض أي معركة من أجل المسجد الأقصى ومدينة القدس، مهما كانت طبيعتها وتداعياتها على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
ثانياً، أوضح السنوار دور غزة في معادلة الصراع الجديدة مع الاحتلال، والتي دشنتها معركة "سيف القدس" في أيار/مايو الماضي، تحت شعار "وحدة الجبهات الفلسطينية"؛ فغزة وفصائلها المقاومة، في رؤية السنوار، تشكل الضامن الحقيقي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ومقدساته، بمعنى أن الضفة عليها أن تتحول إلى بؤرة صراع دائم الاشتعال مع الاحتلال، بخلاف ما كانت عليه في السنوات الماضية، وعلى غزة أن تتقن دورها في إطار منع وأد الحالة الشعبية المقاومة في باقي ساحات المواجهة.
لذا، اعتبر السنوار أن "الضفة هي ساحة المعركة الحقيقية في مواجهة الاحتلال، وأن دور ووزن فلسطينيي الداخل هو أكبر الأوزان في المعركة الفلسطينية". وهنا، تبرز أهمية أن تستعيد الضفة الغربية دورها المقاوم وتطوره، لكونها تملك القدرة على تحقيق الفارق في مواجهة غول الاستيطان المتغلغل في أراضي الضفة.
لذلك، خاطب السنوار شباب الضفة قائلاً: "يا شبابنا في الضفة الغربية، تستطيعون، إذا ما قررتم، أن تطردوا المستوطنين من الضفة حتى نهاية العام".
ثالثاً، برز في خطاب السنوار رسالة مبطنة لقيادة السلطة الفلسطينية، ولمن ما زال يراهن على خيار المفاوضات العبثية، ومفادها أن الوحدة الفلسطينية لن تكون إلا من خلال الالتفاف حول خيار المقاومة. وقد اعتبر السنوار أن البيئة الفلسطينية مهيأة للإعلان عن الجبهة الوطنية الفلسطينية المقاومة.
وفي السياق ذاته، أرسل السنوار رسائل طمأنة لحركة فتح، التي وجه إليها دعوة لحضور اللقاء، مراكماً ذلك على دعوته السابقة لها لحضور اجتماعات الفصائل من أجل متابعة ما يحدث في القدس.
أضف إلى ذلك إطلاق السنوار اسم القائد أبو عمار على أول رشقة في معركة القدس المقبلة، ومطابقة عدد صواريخها مع تاريخ استشهاده، كدلالة واضحة على إمكانية إنهاء الانقسام الفلسطيني، من خلال التوافق على برنامج وطني يعيد الحالة الفلسطينية برمتها إلى مربع التحرر الوطني، من خلال انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني من الاحتلال والدفاع عن القدس.
رابعاً، لم تغب قضايا غزة المعيشية عن خطاب السنوار، وفي مقدمتها الحصار. وفي هذا الإطار، قدم الخطوط العامة لمشروع إقليمي لكسر الحصار بالكامل بمساعدة دول محور القدس ومكوناته، الأمر الذي يشبه تجربة البواخر الإيرانية لإمداد لبنان بالمازوت الإيراني.
وقد كشف السنوار أمراً آخر، وقال: "خلال الفترة القريبة القادمة، سيتم البدء بالتنسيق مع محور القدس لتشغيل الخط البحري لقطاع غزة لكسر الحصار بشكل كامل"، الأمر الذي يحمل معه تحدياً نوعياً لغطرسة القوة الإسرائيلية من جهة. ومن جهة ثانية، يصب في تعزيز التعاون المشترك بين مكونات محور القدس على كل الصعد، كردّ موجع على تشكيل "إسرائيل" أحلافاً مع دول التطبيع في المنطقة.
ومن جهة أخرى، يعيد ذلك طرح قضية حصار مليوني فلسطيني في غزة على طاولة المجتمع الدولي الذي هب لمساندة الأوكرانيين، رغم صمته أكثر من 70 عاماً على ما يمر به الفلسطينيون، وبالتالي وضع كل المؤسسات الدولية والإنسانية أمام اختبار حقيقة ازدواجية المعايير العنصرية.