صواريخ فرط صوتية إيرانية..أين موقعها في الاشتباك الإستراتيجي الدولي؟
تنا
بينما كان أعداء إيران يعملون على إيجاد طريقة تنزع منها قدراتها الدفاعية وعوامل صمودها، ضربت طهران ضربتها الصاعقة بالكشف عن صاروخ فرط صوتي يملك كل مواصفات الصواريخ المشابهة التي تمتلكها الدول الكبرى.
شارک :
في متابعةٍ لمسار تطور الأسلحة والقدرات العسكرية الإيرانية منذ انطلاق الثورة الإسلامية في نهاية السبعينيات واستلامها السلطة في إيران، لاحظنا أنَّ هذا التطور حافظ على الوتيرة نفسها من التميّز والفعالية، وكان واضحاً أيضاً أن هذا المسار سوف يحافظ على نسبة التسارع والتقدم نفسها في امتلاك القدرات العسكرية والأسلحة النوعية.
كلّ هذا التسارع اللافت في تطوير إيران قدراتها وموقعها العسكري حصل على الرغم من الكثير من المعوقات والصعوبات المهولة التي تعرضت لها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أولاً في الحرب الطويلة نسبياً (نحو 8 سنوات) في مواجهة العراق، وثانياً في كل مسار الحصار والعقوبات والضغوط الاقتصادية والمالية والسياسية الضخمة. وفي حين جاءت الحرب في مواجهة العراق بدفعٍ وتوجيه ورعاية غربية، وبتواطؤٍ إقليمي أيضاً، بقي الحصار على إيران متواصلاً حتى الآن وكأنه قرار دولي أو شبه دولي دائم وقَدرٌ ثابت.
انطلاقاً من هذا القَدَر الثابت الذي اقتنعت إيران به وتأقلمت معه، فقد أطلقت العنان المركّز لمسار تصنيع الأسلحة والقدرات العسكرية وتطويرها، والّذي رأت فيه وعبره الحل المناسب والضروري لمواجهة الإستراتيجية الغربية (الأميركية في الدرجة الأولى) الهادفة إلى استهداف الثورة، فامتلكت مروحة واسعة من الصواريخ البالستية والمسيرات المميزة، ظهرت فعاليتها في المناورات التجريبية والتدريبية أولاً، ولاحقاً في بعض المعارك، كنماذج حية ظهرت في بعض المواجهات المحدودة ضد الأميركيين في الخليج الفارسي أو في أوكرانيا في الآونة الأخيرة، ففرضت نفسها لاعباً يملك قدرات عسكرية مؤثرة بمستوى عالمي لم يهضمه أعداؤها في المنطقة أو الغرب قط .
وفي الوقت الَّذي كان هؤلاء الأعداء يعملون على إيجاد طريقة أو وسيلة أو مناورة تنزع من إيران هذه القدرات أو على الأقل تحدّ من إمكانيتها وتأثيراتها العسكرية والاستراتيجية في الساحة الإقليمية، وامتداداً في الساحة الدولية، ضربت إيران ضربتها الصاعقة بالكشف عن صاروخ فرط صوتي يملك كامل مواصفات ما تملكه الدول الكبرى من هذا النوع من الصواريخ ومميزاته، والتي تتسابق فيما بينها على امتلاك العدد الأكبر منها، ومن مختلف النماذج.
في الواقع، تفرض المميزات والقدرات التي تمتلكها الصواريخ الفرط صوتية نفسها اليوم بقوة، إذ إنّ أهم نقطة هي السرعة التي تتجاوز سرعة الصوت بعدة أضعاف تبعاً للنماذج المختلفة. ميزة السرعة اليوم في عالم الميدان والمعارك هي نقطة الارتكاز الأساسية في سباق التسلح، والتي تخلق الفارق بين سرعة حركة المسيرات والصواريخ البالستية وصواريخ منظومات الدفاع الجوي وطيرانها وعمل رادارات الرصد والإنذار وتحديد الأهداف ومنظومات توجيه الصواريخ وإطلاقها، لتكون مميزات الصاروخ الفرط صوتي الإيراني الدواء الناجع لتحييد منظومات الدفاع الجوي المعادية أو شلّ إمكانياتها قدر الإمكان، الأمر الذي يطلق العنان لنجاح مناورة الصواريخ البالستية الشديدة التدمير، ولنجاح مناورة المسيرات الشديدة التأثير، وصاحبة الفعالية الصادمة حالياً في ميادين الحرب الحديثة ومعاركها.
الأهم في كشف إيران عن الصواريخ الفرط صوتية، والذي تجاوز المميزات التقنية والإمكانيات العسكرية لهذه الصواريخ، رغم أهميتها المؤثرة في المعارك، هو البعد الإستراتيجي البعيد من خطوط المواجهة الإقليمية المحصورة إجمالاً ضد "إسرائيل" وضد القواعد الأميركية عند محاولتها تنفيذ أيّ اعتداء على إيران.
هذا البعد الإستراتيجي البعيد يمكن وضعه في إطار المواجهات الآتية:
أولاً: في السّاحة الإقليمية المرتبطة حكماً بالساحة الدولية، يكون كشف إيران عن الصاروخ الفرط صوتي، بالتزامن مع إعلان تكليف نتنياهو المتشدد التاريخي في منظومات العدو السياسية تأليف حكومة العدو الإسرائيلي، رسالة حساسة جداً للأخير ولمدرسته العدوانية دائماً ضد إيران وباقي أطراف محور المقاومة، تحمل في طياتها تحذيراً وإنذاراً وتهديداً بمستويات مرتفعة بما يقدمه هذا الصاروخ لمناورة الرد الإيراني على أيِّ اعتداء صهيوني، وبالتحديد قدرته على شلّ أو إضعاف مناورة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، كسلاح وحيد تقريباً قادر على التعامل مع هذه القدرات الإستراتيجية الإيرانية (صواريخ بالستية ومسيّرات).
ثانياً: يأتي امتلاك إيران هذه القدرات الاستراتيجية ذات المستوى الدولي (الصواريخ الفرط صوتية) ليضيف إلى جبهة مواجهة أميركا وحلفائها، المشكّلة من الصين وروسيا كأطراف أساسية، عنصراً أساسياً ومؤثراً في تحقيق توازن الردع الدولي، لكون إيران حُكماً طرفاً مفترضاً أساسياً أيضاً في هذه الجبهة التي أجمعت أطرافُها واجتمعت فيما بينها على خلفية مواجهة الاستهدافات الأميركية المختلفة الموجهة إليها اقتصادياً وسياسياً واستخبارياً وإعلامياً.
يبقى أخيراً العامل الدولي المرتبط بتداعيات عدم العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران، والذي أطلق المدير العام للمنظمة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي صفارة الإنذار الجدي حوله، حين رأى ضرورة العودة السريعة إلى هذا الاتفاق، من خلال استنتاجه المكانة والموقع اللذين يمكن أن تصل إليهما إيران في الساحة الدولية فيما لو قررت امتلاك قدرات غير تقليدية، ونووية تحديداً، بالتوازي مع امتلاكها الحالي هذه النماذج الاستثنائية من الصواريخ البالستية الفرط صوتية، إذ سيفقد أي طرف دولي لاحقاً، مع هذه الصواريخ، الفرصة الأخيرة والوحيدة لتقييد الخطر النووي وحصره، والذي لن يستطيع أحد ربما مستقبلاً فهم كيف سيكون مساره مع هذا الاشتباك الدولي غير المسبوق.