"المستقبل" يواجه "الخطر السلفي"... بالمزايدة أم بالاعتدال؟
تنا - بيروت
ويقول أحد العارفين بأحوال «تيار المستقبل» إن الحدث الطرابلسي أظهر أن «التيار» مأزوم بخروجه من السلطة، ومأزوم أيضا بعدم قدرته على بلورة نفسه في المعارضة، بدليل أنه لم يعد القائد المتقدم لجمهوره وبات يشعر انه يفتقد للجاذبية السياسية.
شارک :
انتهت جولة جديدة من العنف في طرابلس، بدت مجرياتها الميدانية متدحرجة ككل مرة، ببدايتها الفردية وتطورها بين «الجبل» و«التبانة» ونهايتها عند اعادة انتشار الجيش اللبناني، وتبقى المحصلة أمنيا، عبارة عن هدنة، فيما النار تحت رماد وقائع محلية وخارجية، تختلط فيها عناصر السياسة والأمن والاجتماع.
واما النصف الثاني من الصورة الطرابلسية، فتعّبر عنه الخريطة السياسية التي افرزتها وقائع الأيام الأخيرة، والمفاعيل التي قد لا تنحصر ضمن مسرح المدينة فقط، بل قد تكون لها امتداداتها وارتداداتها في طرابلس والشمال وكل لبنان.
في هذا السياق، تحضر الملاحظات التالية:
اولا، لقد بدت طرابلس بصورة جليّة أنها حلبة تنافس سياسي لا قدرة لأي من مرجعياتها السياسية منفردا على ادارة دفّتها في الاتجاه الذي يريد، لا بل ظهرت تلك المرجعيات محرجة لا بل متراجعة الحضور امام الشريك الجديد الذي «تسيّد» الشارع الطرابلسي في الايام الاخيرة والمقصود هنا التيارات السلفية على اختلافها التي اكدت حضورها الفاعل من خلال السلاح والحدث الأمني، استكمالا لصعودها الاعلامي والسياسي المتكئ بالدرجة الاولى على «الثورات العربية».
ثانيا، بدا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (ومعه وزراء المدينة) الاكثر احراجا، لأن الحدث وقع في ساحته مباشرة، ووجد نفسه مضطرا لاعتماد خيار الدفاع الهجومي لتجاوز الافخاخ التي نصبت له، فالمعركة داخل بيته، من جهة، «ويله» على أهله وساحته، ومن جهة ثانية، ترْك الحال على ما هو عليه من التردي الامني والفوضى، أو طلب دخول الجيش بالقوة لسحب المسلحين من دون ايقاع ضحايا، ومن جهة ثالثة، «ويله» ان تكون خلف احداث طرابلس مؤامرة ضده تُكرّر مشهد اسقاط حكومة عمر كرامي تحت ضغط السلاح والرصاص هذه المرة وليس تحت ضغط الدواليب...
الأكيد أن ميقاتي عاش لحظات قاسية، الا أنه نجح في النهاية في الخروج من عنق الزجاجة، وقرّر احتواء ارتدادات الهزّة الطرابلسية قبل حدوثها والنأي بنفسه عن سلبياتها، وليس صدفة هنا اعلان ترشيحه للانتخابات النيابية المقررة صيف العام المقبل فور توقف الرصاص.
ثالثا: منذ ١٤ شباط ٢٠٠٥، يتعامل «تيار المستقبل» مع طرابلس والشمال بوصفه سيد هذه المساحة السياسية (الخزان البشري له) وأنها تشكل «دينامو» معاركه ومحطاته السياسية وغير السياسية. الا ان وقائع الايام الاخيرة، أظهرت أن «التيار الأزرق» ولا سيما بعض غلاته أمثال محمد كبارة، كان أعجز من أن يتحكم بالدفة السياسية، بل ظهر شريكا غير فاعل في المشهد ومعه شركاء جدد، لم يكن يحسب لهم حسابا في السابق.
رابعا، اذا كانت السعودية وسوريا من خلال مواقف من «تمونا» عليهما في طرابلس، قد بينتا أنهما ضد ما يجري، فان هذا الواقع المستجد رسم علامات استفهام حول حضور قوى اقليمية جديدة في الساحة الطرابلسية والمقصود هنا تحديدا دولة قطر الأكثر قدرة على التأثير على بعض المجموعات السلفية.
بديهي القول في ظل هذه الخريطة، إنها تلقي على المرجعيات الطرابلسية مسؤولية اعادة تأكيد حضورها، وهذا ما باشر به الرئيس ميقاتي بمسارعته الى دخول المعركة الانتخابية منذ الآن وترشيح نفسه قاطعا الطريق على اية محاولة لابعاده.
والأرجح أن تلك الخريطة هي التي فرضت البيان الأخير العالي النبرة لكتلة «المستقبل»، وقبله تعديل سعد الحريري خطابه لأكثر من مرة خلال احداث طرابلس، من دون اغفال أبعاد انعقاد «كتلة المستقبل» برئاسة فؤاد السنيورة في طرابلس لمحاولة تعويض ما يمكن تعويضه.
ويقول أحد العارفين بأحوال «تيار المستقبل» إن الحدث الطرابلسي أظهر أن «التيار» مأزوم بخروجه من السلطة، ومأزوم أيضا بعدم قدرته على بلورة نفسه في المعارضة، بدليل أنه لم يعد القائد المتقدم لجمهوره وبات يشعر انه يفتقد للجاذبية السياسية.
ويضيف إن «التيار» مأزوم بعلاقته مع «حزب الله» وحلفائه ورئيس الحكومة، ومأزوم بصراعه الخفي مع التيارات السلفية التي تقضم شارعه وتجد بيئة حاضنة لها في ما كان يعتبره دوما خزانه الجماهيري والسني، اي منطقة الشمال، ومأزوم برهانه «المصيري» على تطورات الحدث السوري.
واذا كان «تيار المستقبل» يريد العودة الى الوراء لاعادة تلميع صورته الطرابلسية والشمالية، ونفض غبار الوقائع الجديدة التي جعلته متساويا مع آخرين، فان تكرار ما حصل سواء في طرابلس أو اية منطقة أخرى، مع تكرار السلوك نفسه، يشي بأن تنسحب الصورة الطرابلسية الأخيرة، على سائر مناطق «النفوذ الازرق» بدءاً من عكار والسلفيات المتكاثرة مرورا بالبقاع الغربي واقليم الخروب وصيدا وصولا الى بيروت.
يقود ذلك الى السؤال الآتي: هل رسم «تيار المستقبل» طريق العودة الى الوراء، وكيف ومن اين يبدأ، هل يكون ذلك بالمزايدة في الخطابات والشعارات أم بانتهاج الانفتاح والاعتدال، وهل يمتلك القدرة على اعادة لملمة الاوراق المتناثرة والمتساقطة من يده، واعادة ترتيبها بما يمكّنه من استعادة بريقه وزخمه السيــاسي والجماهيري و«طليعيته»؟
يجيب احد السياسيين الشماليين، إن عناصر الازمة في طرابلس ومبرراتها ما زالت قائمة، وبالتالي يخشى ان تكون الهدنة مجرّد استراحة محارب في انتظار جولة جديدة من الاشتباكات وفلتان السلاح. السؤال كيف سيتصرف «تيار المستقبل» في المرة المقبلة، بطريقة تتجاوز تكرار معزوفة تحميل ســوريا مسؤولية ما يجري...