تاريخ النشر2012 29 May ساعة 18:11
رقم : 96422

التطهير الديني

تنا - بيروت
الخشية اليوم أن يكون تصور التقسيم قد اصبح سراباً، ولم يعد هناك تفكير سوى بالتصفية الشاملة للآخر، ولكل ما كان يمثله ذلك مجتمع من تعدد وتنوع وتعايش.
التطهير الديني
أفظع ما في مذبحة الحولة المروعة أنها لن تكون الأخيرة التي تشكل الحد الفاصل ما بين بلوغ الحرب الأهلية السورية ذروتها وما بين اقتراب لحظة من نهايتها. ألمفجع أنها بداية جديدة لتلك الحرب التي لا يملك أحد تصوراً عن المدى الذي يمكن ان تبلغه قبل ان يتم إعلان وقف النار وإلقاء السلاح. 

قيل إنها المذبحة الأبشع منذ بدء الحرب، والقياس هنا لم يكن على عدد الضحايا ولا على هويتهم ولا حتى على جغرافيتهم القاتلة، بل على طريقة
القتل، وعلى صور الأطفال والنساء الذين جرى التنكيل بأجسادهم وفتحت لهم القبور الجماعية، ولم يثر استشهادهم أدنى شك في هوية القتلة وأهدافهم، ولم يفتح أي نقاش جدي حول سبل وقف هذا الشلال من الدم السوري، ولو بالقوة التي يبدو انه ليس لها بديل. 

ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قبل يومين عن مسعى أميركي لاستكشاف فرص قبول روسيا بالحل اليمني لسوريا، جاء في سياق البحث السياسي الأكاديمي، الذي لا يؤدي الى أي مكان، والذي يهدف الى إرضاء غرور البلدين وادّعائهما الحرص على الأمن الذي لا يحتمل عمليات إبادة جماعية، لكنه في الجوهر، يعمق التواطؤ الثابت بينهما، على أن تظل الحرب الاهلية السورية هي القاسم المشترك، وهو الاختبار الأوحد. 

وبناء
عليه، يُترك للنظام والمعارضة أن يتدبرا أمورهما التي انحطت من مواجهات سياسية ثم أمنية متبادلة في سياق تلك الحرب الاهلية، الى عمليات التطهير الديني الواسعة النطاق التي تفتح الباب على أخطر النهايات وأشدها هولا. قبل مذبحة الحولة، كان يتردد أن التقسيم هو احد التصورات المفترضة التي تفسر الكثير من الوقائع الميدانية والحملات العسكرية المركزة. الخشية اليوم أن يكون هذا التصور قد اصبح سراباً، ولم يعد هناك تفكير سوى بالتصفية الشاملة للآخر، ولكل ما كان يمثله ذلك المجتمع من تعدد وتنوع وتعايش. 

لم يعد المطلوب هو وقف سفك الدماء، بل التواضع الى حد التمني أن تكون عمليات الإبادة الجماعية الراهنة محكومة بسقف محدد يقع دون طموح الاستئصال التام للآخر. عندها قد تخف وطأة الأخبار والصور التي لا تحتمل، وتظل الحرب الأهلية تدور
في الفراغ السوري الرهيب وتلح في استدعاء الحل المنتظر من الخارج، الذي لا يمكن اختزاله بما يسمى بخطة أنان التي تجاوزها الزمن وبات من المستبعد ان تصمد امام هول المذبحة المقبلة، التي ستشطب نهائياً فكرة الفصل بين المتحاربين تمهيداً لجلبهم الى طاولة مفاوضات ما.
 
وحتى ذلك الحين، لن تسجل مذبحة الحولة بصفتها علامة فارقة، بل باعتبارها إشارة أولية الى ما ينتظر سوريا وشعبها في المرحلة المقبلة من حرب أهلية يبدو انها ستتخطى جميع الحروب الأهلية التي خاضها العرب على مدى العقود الماضية، وأثارت هلعاً في الخارج يفوق بكثير ما يشعر به جميع المتابعين للأخبار المفجعة الواردة من دمشق هذه الايام.

المصدر: "السفير" - ساطع نور الدين
https://taghribnews.com/vdcewe8o.jh8pwibdbj.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز