لا يتوهمن أحد أن جلسات الحوار الموعودة ستنتج حلولا جذرية لأزمات لبنان المزمنة، لكن المأمول منها اذا ما انعقدت، أن تفرمل السير نحو دروب الهاوية التي ينزلق اليها لبنان شيئا فشيئا في ظل الادعاء انه أب الربيع العربي وملهم افكاره وثقافته.
المشكلة في لبنان قائمة قبل ربيع العرب، وسوف تظل مستوطنة فيه الى ما بعد هذا الربيع، لأن أزمة لبنان المزمنة تكاد تكون محصورة في نظامه السياسي الذي لم يفلح اللبنانيون في تطويره ونقله الى مصاف الانظمة المستقرة.
وواهم من يعتقد ان هذا النظام قادر بعد على ضمان استقرار لبنان. ولذلك جاءت دعوة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الى مؤتمر وطني تأسيسي، لتحرّك المياه الراكدة في ساحة هذا النظام منذ اقرار التعديلات الدستورية التي نجمت عن اتفاق الطائف.
كان من الضروري التماس ردود الفعل الوطنية على طرح السيد نصر الله، وقد جاء بعضها مشجعا، والبعض الآخر مخيبا للآمال، خاصة لدى الفريق المخاصم لـ«حزب الله»، باستثناء موقف الكتائب الذي عبّر عنه النائب سامي الجميل.
فالتفسيرات التي اعطيت لهذا الاقتراح كانت متسرّعة وركيكة ومنسوخة وانفعالية وتنم عن نكد سياسي موصوف، اذ كان من البديهي ان يسأل المعترضون عن مشروع «حزب الله» في هذا الإطار قبل رفض الفكرة من اساسها، خاصة أن السيد نصر الله اكتفى بالعنوان وترك التفاصيل للمراحل اللاحقة.
يكاد يجمع الفرقاء اللبنانيون على التمسك باتفاق الطائف، وهم يدركون جيدا ان الزمن توقف بهذا الاتفاق عند حدود معينة، فيما غالبيتهم ترفض المضي في تنفيذ ما تبقى من بنود دستورية في هذا الاتفاق، خاصة ما يتعلق بالغاء الطائفية السياسية التي هي في النتيجة روح الطائف ومنتهاه.وفي ذلك مفارقة غريبة عجيبة يجيد اللبنانيون اللعب على أوتارها.
وعليه يفترض المنطق اعتماد أحد خيارين لا ثالث لهما: إما المضي في استكمال تنفيذ بنود الطائف، أو الدخول في بحث جدي عن نظام جديد يخرج البلد من أزمته المزمنة والمستفحلة، وليس أفضل من مؤتمر وطني تأسيسي لتحقيق هذه الغاية. وخارج هذين الخيارين سوف يستمر لبنان في الدوران في حلقة مفرغة الى ان يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
بعض التفسيرات التي حُمِّلت لاقتراح السيد نصر الله لا تنم عن رغبة في اخراج البلد من دائرة المراوحة الثقيلة، لا سيما الحديث الممل عن رغبة الحزب في السيطرة على لبنان من خلال جمهورية جديدة، في حين اكدت المراحل السابقة ان لبنان لا يحكم بأحادية ولا ثنائية ولا ثلاثية، بل بمواطنة حقيقية من خلال نظام عادل بكل المقاييس، ودولة قوية تضمن الأمن لمواطنيها في الداخل وعلى الحدود. عندها فقط لا يعود للسلاح مطرح خارج هذه الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية.
لقد درج فريق من اللبنانيين في الفترة الاخيرة على ربط كل قضية، صغيرة أو كبيرة، بسلاح «حزب الله». فلا حوار في ظل السلاح، ولا تفاهم ولا انتخابات ولا انفاق ولا كهرباء ولا سياحة ولا اقتصاد ولا حياة ولا استقرار. هذه المعادلة سوف تترك البلد معلقا بحبال الهواء «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، وابشر بطول سلامة يا مربع!.