كان الجميع ينتظر بترقب زيارة وزير الخارجية الروسي الى طهران امس. اختلطت التحليلات حول هدف الزيارة التي لم تكن مفاجئة في المبدأ، خاصة وأن عاصمة الوزير الروسي ستستضيف الاجتماع المقبل لمجموعة (٥ + ١) مع إيران، لمتابعة المناقشات حول الملف النووي التي لم تسفر عن شيء يذكر لا في جولة اسطنبول في نيسان الماضي ولا بعدها في بغداد خلال ايار الذي تلا.
لكن الزيارة التي تطرقت ضمن جدول اعمالها الى بحث هذا الموضوع، ركزت بشكل أولي على بحث الملف السوري والأزمة التي تشهدها سورية منذ أكثر من ١٤ شهراً خاصة في ظل الدعوة الى عقد اجتماع دولي حول سورية اختلف الداعون والمدعوون على ماهية الأطراف الذين سيشاركون فيه، وسط إصرار روسي على وجود ومشاركة إيران في هذا الاجتماع، ورفض الولايات المتحدة والتحالف العربي – الغربي ذلك، على خلفية ما هو مفروض على إيران من حظر وعقوبات حازا على مساحة كبيرة في المحادثات التي أجراها لافروف مع المسؤولين الإيرانيين.
لقد أكد الوزير الروسي على ثوابت كان أعلنها قبيل توجهه إلى طهران حول سورية ومشاركة إيران في الاجتماع الدولي بشأنها، إضافة الى تجديد موقف بلاده الرافض لمسألة العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية، مع التأكيد أن روسيا تعارض مسألة العقوبات بالمطلق، إلا أن الجزء الذي بقي خلف الأبواب من المحادثات هو ما ألقاه الجانب الايراني من عتب على روسيا، مستوضحاً عن تصريحات لافروف حول قبول روسيا بالسيناريو اليمني وتطبيقه على سورية، مع الإعلان عن قبولها بإجراء عملية لنقل السلطة من دون الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي تعتبره طهران «طعناً» بالتفاهمات المعقودة ليس حول مستقبل سورية وحسب، وإنما حول مستقبل المنطقة بأسرها «وأوسع من ذلك بقليل» على حد تعبير مسؤول إيراني قال إن المسألة قد «تتعلق بنصف العالم».
شدد الإيرانيون على أن الإستراتيجيات المرسومة للمنطقة لا تفترض عدم وجود الأسد ولا حتى تلحظ ذلك، وهو ما يوافق عليه الروس والصينيون أيضاً، لعلمهم أن منظومة المصالح التي تعتبر سورية الأسد جزءاً منها لن تكون على الشاكلة نفسها في ظل اي تغيير قد يطرأ على رأس الهرم في ذاك البلد، والذي سيشكل سقوطه مدخلا لتفتيت المنطقة الى أجزاء صغيرة لا تحوز حتى على شكل الدولة، ليرتسم السؤال حول مصلحة من يسعون الى ذلك في حال تحققه، إن على المستوى العربي أو الأوروبي، أو حتى بالنسبة الى الولايات المتحدة التي تعلم أن مصالحها في المنطقة لا يمكن أن تحفظ من خلال التفتيت، وأن إهمال «الأكثرية الثانية» من مكوناتها سيؤدي حكماً إلى عدم إستقرار قد يقضي على كل أمل في إعادة تشكيلها من جديد.
ما حدث خلف الابواب المغلقة في إيران نجم عنه إتهام الولايات المتحدة الأميركية بتسليح الإرهابيين في سورية، وهو اتهام صلب سيتم البناء عليه في حرب تتسم حالياً بالبرودة، لكن سرعان ما قد تتحول الى ألسنة من نار، خاصة إذا ما زيد الضغط على طهران حصاراً، وقد كان للروس وجهة نظر حول طريقة اختراقه بمساعدة الصين التي سيكون لها جولة جديدة من المحادثات مع إيران تتناول هذا الموضوع.
في النتائج أيضاً، أن الموقف الروسي سيزداد صلابة، وهو ما وعد به لافروف الإيرانيين، متخلياً حتى عن مناقشة «السيناريو اليمني» الذي لن يعود إلى مناقشته، ما سينقل الحرب الباردة الدائرة على خلفية الملف السوري خطوة باتجاه التسخين. صحيفة البناء- محمد شمس الدين