خيار "حزب الله" للاستراتيجية الدفاعية: تطوير "تجربة التناغم"
تنا - بيروت
شارک :
يدخل فرقاء الحوار الى جلسة الاثنين المقبل في قصر بعبدا، على وقع انقسام جذري حول تعريف الاستراتيجية الدفاعية التي لا تعني بالنسبة الى «فريق ١٤ آذار» سوى نزع سلاح «حزب الله» ودمجه في الدولة، بينما يملك «فريق ٨ آذار» تفسيرا مغايرا لهذه الاستراتيجية، يقوم على قاعدة تكريس التناغم بين الشعب والجيش والمقاومة، استنادا الى ما حققته هذه المعادلة من انجازات حسية في محطات مفصلية، كتلك التي شهدتها أعوام ١٩٩٣ (تصفية الحساب) و١٩٩٦ (عناقيد الغضب) و٢٠٠٠ (التحرير) و٢٠٠٦ (حرب تموز).
من هنا، تبدو الهوة واسعة جدا بين أطراف الحوار، بحيث سيبدو واهما من يظن ان ردمها ممكن في المدى القريب، لا سيما أن التناقض يطال «البديهيات» والمفاهيم التأسيسية التي يفترض ان تكون خارج النقاش.
إذ إن السلاح المصنف لدى الكثيرين بأنه "مقدس" نظرا الى دوره في التصدي للعدو الاسرائيلي، يستحيل غير شرعي من وجهة نظر المعارضة، وما يراه البعض إنجازات وبطولات في سجل المواجهات مع إسرائيل يتعامل معه البعض الآخر على اساس انه مصائب ونكبات، وحتى مصطلح المقاومة بحد ذاته، شُطب من أدبيات «قوى ١٤ آذار»، علما ان الدعوة الرئاسية الى الحوار تلحظ في أحد بنودها البحث في كيفية «الإفادة من المقاومة إيجابا» للدفاع عن لبنان.
ولعل المفارقة الأشد دويا في التعبير عن «صراع الثقافات» في لبنان، هي ان «رومانسيي ١٤ آذار» يستعدون لخوض معركة المطالبة بنزع سلاح المقاومة على طاولة الحوار، في وقت كان السيد حسن نصر الله يؤكد قبل أيام ان قوتها العسكرية باتت لا تقارن بما كانت عليه قبل سنوات، وأنها اصبحت قادرة على اصابة أي هدف في أي مكان من الكيان الاسرائيلي.
ولئن كان «حزب الله» يبدي انفتاحا لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، الا ان الأوساط الحليفة له، ترى ان المشكلة الجوهرية تكمن في ان الفريق الآخر لا يريد أصل المقاومة ويرفض هذا الخيار من أساسه، بمعزل عن تفاصيل تطبيقاته العملية، وبالتالي لا توجد أرضية مشتركة يمكن البناء عليها، بل لعله يصح القول ان هناك لغتين على طاولة الحوار، تحولان دون ان يفهم الواحد الآخر.
ووفق هذه الاوساط الحليفة، يدخل «حزب الله» الى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية متسلحا بمنطق متكامل، قوامه المرتكزات الآتية:
ـ إن سلاح المقاومة هو شرعي بالكامل، خلافا لمحاولات صبغه باللون الميليشياوي، وشرعيته مستمدة من البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، ومن ثقة مجلس النواب الممنوحة لهذه الحكومات، ومن مواقف رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة، ومن نهج المؤسسة العسكرية..
وقبل هذا كله من اتفاق الطائف الذي ظلت مفاعيله تسري على المقاومة الى حين صدور القرار ١٥٥٩، وبالتالي دخول العامل الخارجي على الخط بشكل مباشر وصارخ، ليصبح نزع السلاح مطلبا غربيا بالدرجة الاولى.
ـ ان البحث في مبدأ دمج المقاومة بالجيش يستوجب، بداية، تأمين الشروط الضرورية لبناء جيش قوي، ليس فقط على مستوى تجهيزه بالاسلحة النوعية بل أيضا على مستوى تحصينه بالقرار السياسي المستند الى خيارات واضحة، وحتى ذلك الحين كيف يمكن ان يُطلب منه مواجهة العدو الاسرائيلي من الند الى الند، في حين انه لا يحظى حتى الآن بغطاء حقيقي للإمساك بالوضع في طرابلس او عكار، بل هو لا يجد في بعض الأحيان ما يحتاجه من وقود لآلياته بسبب الخلافات بين أهل السياسة على الشأن المالي، كما حصل مؤخرا على سبيل المثال لا الحصر.
ـ إن جعل سلاح المقاومة تحت الإمرة السياسية للدولة الراهنة سيكون مغامرة غير محسوبة، ذلك ان الانقسامات العميقة بين اللبنانيين حول الخيارات الكبرى والصغرى، تجعل الدولة مشلولة وعاجزة عن اتخاذ القرارات المناسبة، علما ان قوة المقاومة تكمن أصلا في قرارها المستقل الذي يمنحها سرعة المبادرة. وعليه، سيكون من العبث في حالة التعرض لخطر إسرائيلي داهم انتظار مجلس الوزراء حتى يتخذ قرارا بالتصدي له، لانه لن يصدر على الأغلب إلا بعد فوات الأوان.
والسؤال المطروح هنا: إذا كانت الدولة تتعثر في معالجة أزمة الكهرباء وإقرار الموازنة وتعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى وضبط الوضع الامني في باب التبانة وجبل محسن، فهل يُنتظر منها ان تنجح في حماية لبنان من العدوان الاسرائيلي؟
ـ ان المصلحة العليا تتطلب الحفاظ على التمايز بين المقاومة كحركة شعبية تتمتع بالدينامية والرشاقة في نشاطها الميداني، وبين الجيش كقوة نظامية واضحة المعالم والانتشار ستكون معرضة لضربات إسرائيلية مدمرة، وبالتالي فإن الصيغة الافضل للاستراتيجية الدفاعية الواقعية هي الحفاظ على تجربة التناغم بين الدولة والمقاومة التي أثبتت جدواها عمليا، مع الانفتاح على تطويرها، بما يزيل أي هواجس محتملة.
ـ إن المقاومة ليست نقيضا للدولة، بل ان الاولى هي التي ساهمت في النهوض بالثانية وفتح الأفق امام إعادة بناء مؤسساتها، عبر الدور الذي أدته في تحرير معظم الارض من الاحتلال الاسرائيلي، وصولا الى استعادة السيادة والاستقلال اللذين لا يمكن لاي دولة ان تقوم من دونهما ولذا، لا يجوز وضعهما في مواجهة بعضهما البعض، وخصوصا ان التعايش بين منطقي المقاومة والدولة نجح على مدى سنوات طويلة.