الحج، أي القصد، هو مدرسةٌ عظيمة تبدأ بتغيير السلوك الفردي للعبد فينعكس تأثيره بالتالي على الأمة الإسلامية ككُل لتشعّ أنوار الطهر على العالم وتعمّ السّكينة ويغدو الإسلام مُرفرفاً فوق ربوع الأرض
شارک :
السُّني، الشيعي، الحنبلي، الإسماعيلي، المالكي، الزيدي، الشافعي، الحنفي، على إختلاف مذاهبهم وعقائدهم ومشاربهم، يترك المسلمون الخلافات والتناحر والتعصب المذهبي والطائفي جانباً ويتوجهون بقلوب موحدةٍ مخلصة إلى قبلةٍ واحدة تلبيةً لنداء الله عزوجل فيُأذّنوا في الناس بالحج مردّدين نداء "لبّيك اللهم لبّيك،لبّيك لا شريك لكَ لبّيك".
هناك،في البقعة المقدسة،يجتمع العربي والأعجمي،الأسود والأبيض،الغنيُّ والفقير،الملك والرّعيّة،بلباس أبيضٍ بسيطٍ موحّد، متساوين أمام الباري لا فضل لأحدهم على الآخر إلاّ بالتقوى.
كثيرٌ من العلماء تحدثوا عن الحج، وعرضوا لمناسكه وطقوسه الدينية، لكنَّ القليل منهم تعرّض للإيديولوجية السياسية والإجتماعية والثقافية لمعاني الحج إلى بيت الله الحرام وقصد وجه الله عزوجل من دون شريك ولا مُنازع.
الحج: جسرُ عبورٍ من الفردية إلى فضاء الأمة الإسلامية الواسع هو مؤتمر سياسي جامع يتجدد سنوياً كما يراه مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخمينيّ الراحل (قدس) إذ ينضوي تحت جناحيه ملايين المسلمين حول العالم يجددون الولاء المطلق للباري سبحانه وتعالى.
الحج، أي القصد، هو مدرسةٌ عظيمة تبدأ بتغيير السلوك الفردي للعبد فينعكس تأثيره بالتالي على الأمة الإسلامية ككُل لتشعّ أنوار الطهر على العالم وتعمّ السّكينة ويغدو الإسلام مُرفرفاً فوق ربوع الأرض.
ولمّا كان الإسلام منهج حياة، فإنه يتسم بالشمولية والتكامل وتلبية حاسسجات البشرية في كلّ زمان ومكان،وبما أن له قواعد ومبانٍ يُبنى عليها، ويتكئ عليها، وينهدم دونها، ولا يبقى له بدونها إلاّ الإسم العاري من المسمّى، فإن من تلك المباني الحج، حيث يقول الإمام الباقر عليه السلام "بُني الإسلام على خمس، الصلاة والصوم والزكاة والحج والولاية، فمن ترك الحج متعمداً فقد هدم ركناً من أركان دينه الإلهي فينهدم معه الإسلام الكامل". (ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج١، ص١١٥).
وفي معرض الحديث عن الإيديولوجية السياسيّة للحجّ يرى عضو تجمّع العلماء المسلمين فضيلة الشيخ عبد القادر الترنيني أننا عندما نتحدث عن الحج فلا بد لنا من أن نستذكر دعوة الله جلّ جلاله للّنبي إبراهيم عليه السلام بأن "وأذّن في الناس بالحج" إذ جاءه الوحي ليقول بأن يا إبراهيم ما عليك سوى الأذان وعلى الله البلاغ. ( ٢٧/٢٩ الحج )
في المقابل، يأسف الشيخ الترنني "للصنميّة" التي صبغت أصحاب المذاهب الإسلامية المتعددة والتي جعلت من الناس عُبّاداً للمذاهب وليس لله الواحد فبتنا نتحارب تحت أسماء المذاهب وهي في الأصل واحدة وتعني الطريق إلى الله عزوجل.
من هنا،يشدد فضيلة الشيخ الترنينني على ضرورة أن ننطلق من نداء نبينا إبراهيم عليه السلام فيؤذّن كلّ واحد بالناس في الحج، أما التطبيق العملي لذلك بحسب الشيخ فيكون بالدعوة إلى عبادة الله الواحد، والمطلوب منّا اليوم أن يكون لنا في إبراهيم أسوةٌ حسنة فنجتمع على الحقائق الثابتة التي تجمع بين المذاهب فلا يلعن المسلم المسلم ولا يسبّ مسلمٌ أخاه في الإسلام.
فضيلة الشيخ لكل عبادة هدف ضمن إطار السلوك الفردي والجماعي للإنسان،كيف يساهم الحج في تحقيق هذا الهدف؟ الحج كما نراه جميعاً يعكس الوحدة الإسلامية فكل المسلمون يجتمعون في بقعة واحدة وزمان واحد ويتوجهون إلى القبلة الواحدة بلباس موحّد وطوافٍ واحد.
ونحن لا نركز على الصورة الخارجية وحسب بل على إنعكاس هذه الصورة على أفعالنا فما معنى أن يحج المسلم السني والشيعي في مكان واحد ويصليا ويطوفا ويلبسا اللباس الأبيض ثم بعد تلك العبادة يتخاصمان ويكفّر الواحد منهما الآخر ؟!
إذاَ على هذه العبادة أن تنعكس وحدةً، أنا لا أقول تقريباً بل أقصد وحدة الأمة المسلمة والتقريب هو الطريق إلى وحدة المسلمين كما توحدت على اللباس الواحد.
إذاً ما هو دور فريضة الحج في تقريب وجهات النظر المختلفة للمسلمين؟ فريضة الحج تخُطُّ سياسة الأمة الإسلامية، وإذا بدأنا بتلبية الإحرام "لبيك اللهم لبيك" فهنا نعرف أن المقصود هو الله تعالى وليس المذاهب الطارئة والله هو الحي الباقي، أما المذاهب فلا يجب أن تكون سبباً في شتاتنا وضياعنا.
والله من أسهل القضايا أن يجتمع المسلمون على الوحدة، نحن ننفتح على الله تعالى في اليوم خمس مرات ولكن الله تعالى أراد للأمة أن تنفتح عليه في زمان واحدٍ وفي بقعة واحدةٍ لتنفتح هذه الأمة بالتالي على بعضها وهذا ما جاء في الآية الكريمة من كتاب الله "يا أيها الناس لقد خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". (الحجرات:١٣).
لذلك فعندما يؤدي العبد المؤمن فريضة الحج على هذا الأساس لا ينظر إلى العرق ولا إلى المذهب ولا إلى اللون،ولا ينظر إلى اللغة،إذاً نحن نستطيع تخطي كل هذه الفوارق والعصبيات. فإلام نحتاج حتى تجتمع قلوب هذه الأمة؟
نحتاج إلى الصدق لأن إبراهيم نادى ربّه صادقاً، ونحتاج إلى الإخلاص في دعوة الناس والمسلمين بغض النظر عن مذاهبهم وعندها بكل بساطة سوف تجتمع القلوب.
لذلك قلنا أن الحج هو النموذج الفردي الذي ينعكس على الأمة جمعاء ولكننا للأسف نرى الكثير من يحجّون يذهبون إلى الحج دون معرفة أصول تطبيق هذه الفريضة لتتكرس عندهم الصنمية فلا يتعرف المسلم على المسلم وتبقى الحواجز فنرى الأبيض يهزأ بالأسود مع أن الإثنين ينتمون إلى مذهب واحد، فالقضية ليست قضية مذهب إنما القضية أننا نحتاج إلى ثقافة الإسلام.
إبراهيم ضحّى بولده تلبية لنداء الله عزوجل فهل إستطاع اليوم أحدنا التخلي عن بعض أنانيّته أو نظر في مبحثٍ من مباحث أخاه المسلم في سبيل الله تعالى.
يوضح الشيخ الترنيني نظرته لقضية الذبح والتضحية في الحج فيقول: يضحي اليوم كل المسلمون في الحج فماذا تعني التضحية؟ إبراهيم سلام الله عليه بعد أن رُزق بإسماعيل وبلغ مبلغ الشباب قال لإبنه يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فإنظر ما ترى فقال إسماعيل يا أبت إفعل ما تؤمر!
فهل إستطاع اليوم أحدنا أن يتخلى عن أنانيته أو عن فكرة أو مبحث من المباحث التي يتبناها من أجل الله،أنا مسلم وهو مسلم فلماذا لا أنظر في أفكاره ومباحثه؟!
من هنا نقول أننا لسنا مؤهلين حتى اليوم لأن نفهم عبادات الحج قبل الحديث عن تطبيقها فتكون عبادتنا صُوريّةٌ فقط.
بالتالي الحج هو عرفة، ومن معاني عرفة أن يعرف العبد ربه فكم نحن بحاجة إلى معرفة الله حق معرفته، وكم نحن بحاجة اليوم إلى أن نتعارف على بعضنا ونكرس الوحدة فينا عملياً فكم هي جميلة الصورة التي تجمعني مع أخي المسلم حين أعانقه ويعانقني وأدعو له ويدعو لي.
الحج درسٌ عملي يُترجم فيه المسلم ولاءه للرحمن وعداءه للشيطان،كيف نُترجم هذا الولاء؟
لا بدّ للإجابة عن هذا السؤال طرح إشكالية نحن مبتلون بها في عالمنا الإسلامي،فأنا عندما أقاطع أخي المسلم بحجّة أنه من غير مذهب، وبعدها أمارس التعامل مع السياسة الغربية والسياسة الأميركية فأين أنا من الإسلام؟!
البرهان العملي يقضي بأن اُقر بأحقية الحق وعدوانية الشر والكفر فكيف أمارس هذه العبادة إن لم أُقر بعدوانيّة الصهيونية العالمية والغرب المعادي للإسلام؟! إذاً حتى أكون مسلماً بكل ما للكلمة من معنى عليّ ترجمة العبادات الإسلامية بتغيير الباطل وإزالته من حياتنا العملية.
أما الصورة المقابلة لتنازع المسلمين بين بعضهم،فيعكسها الشيخ الترنيني بالقول: فلنتصور أن نقول نحن مسلمون ونؤدي فريضة الحجّ وبعد ذلك لا يهتز لي طرفٌ ولا جفن وأنا أرى فلسطين محتلة وإخواني في بورما يُقتَلون وبعد كل هذا أمُدُّ يدي للصهاينة والأميركيين وأُقِرُّ بأن سياستهم صحيحة فأيُّ إسلام هو هذا؟!
لشعيرة الحج فوائد كثيرةٌ تعود على المجتمع بالمنافع الجمّة فهناك المنفعة العبادية،التربوية،الإقتصادية،السياسية،الإجتماعية وحتى العسكرية.
من هنا يفنّد فضيلة الشيخ مصطفى يزبك هذه الفوائد كلٌّ على حدة:
هدف الحج من الجهة الفردية تزكية النفس وبلوغ الصفاء والتنزه عن الزخارف المادية والأنس بالله سبحانه وتعالى والتوسل به ليجد هذا الحاج سبيلاً إلى العبودية للحق تعالى عزوجل والتي
هي الصراط المستقيم نحو الكمال.
على الصعيد الإجتماعي إن للحج منافع للناس أي أنه حركة جماعية لتأمين الحاجات والإنماء المتوازن للمجتمع البشري وتطويره وقال تعالى "وأذّن في الناس بالحج يأتونك رجالاً وعلى كل ضامر يأتونك من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا إسم الله في أيامٍ معلومات" (سورة الحج ٢٧ ٢٨ ).
فالمسلمون يشهدون في الحج منافع لهم وهذه المنافع منها الثقافية والتربوية والإقتصادية وحتى منافع جهادية وعسكرية فمنافع الحج تعمّ جميع مراتب الإنسان في حياته.
وفي الجانبٌ إجتماعي للحج يتعرف الحجيج على غيرهم من المسلمين في العالم من العرب والأعاجم السود والبيض الفقراء والأغنياء،ناهيك عن الفوائد الإقتصادية من الحركة البرية والجوية والتنقلات والحركة التجارية التي تنشط في أيام الحج.
على الصعيد التربوي أما المنافع التربوية فالحج يعبر عن العلاقة بين العبد والله عزوجل حيث يتخلى العبد عن كل اللّذائذ الدنيوية ويعاهد الله بالصدق والتوبة والإحسان فيتعلق بالباري قلبُه وهو ما يؤثر على سلوكه الأخلاقي والتربوي.
على الصعيد العسكري فيما يتعلق بالبعد العسكري والجهادي فإن الحجيج يتفقون كلهم على مقاومة العدو الوحيد للمسلمين وهو العدو الصهيوني وبذلك يكون إجتماعهم أشبه بقاعدة عسكرية تجمع كل المسلمين بحيث لا يُستطاع بغير موسم الحج أن يُجمع هذا العدد الهائل من الناس. هنا يوافق الشيخ مصطفى يزبك الشيخ عبد القادر الترنيني في أن الحج واحدٌ لدى كل المسلمين لا إختلاف فيه.
الحج مؤتر تأسيسي جامع يلعب دوراً فاعلاً في الحياة السياسية والإجتماعيّة كما يلفت الشيخ يزبك إلى أن الإمام الخميني(قدس) تميز برأيه في هذه الفريضة عن باقي العلماء إذ أخرجها من الروتين والجمود داعياً إلى تحريكها على الساحة الإسلامية فصار الحج فريضة تلعب دوراً فاعلاً في الحياة السياسية والإجتماعية وبات أقرب إلى مؤتمر سنوي فيه رسالة التوحيد والوحدة والتلاقي بين المسلمين على إختلاف مذاهبهم.
ويضيف الشيخ يزبك بأنّ الحج يعني أن دين المسلمين واحد، كعبتهم واحدة، وأن قرآنهم واحد بعكس ما يدعي البعض بأن بعض الفئات الإسلامية تعبد غير الله سبحانه وتعالى وعندها كتاب غير القرآن بل نستنتج من الحج أن كل المسلمين يتوجهون لإلهٍ واحد هو الله عزوجل.
كذلك يتقاطع رأي الشيخ يزبك برأي الشيخ الترنيني في هذا المجال حيث يقول الشيخ يزبك أن على كل مسلم النظر إلى الصورة المتجلية في الحج ليعلم أن المسلمين أمةٌ واحدة فنحن كلنا مسلمون في العقيدة إنما الإختلاف في بعض التطبيقات العملية لا أكثر، ومن خلال الحج ينبغي علينا أن لا نكفّر بعضنا البعض ولا يتبرأ أحدنا من الآخر.
للإستفادة من المؤتمر السنوي في الحج لا بدّ من إقامة المؤتمرات والإجتماعات بعيداً عن العصبيّة المذهبيّة، وحتى نستفيد من هذا المؤتمر السنوي علينا إقامة الإجتماعات والحوارات بعيداً عن العصبيات المذهبية كما علينا أن حمل في قلوبنا روح المودة والألفة بين جميع الطوائف الإسلامية ونعتصم بحبل الله جميعاً لإغلاق الطريق على المصطادين في الماء العكر ممن يريدون بث الخلافات في الأمّة الإسلامية من العدو الإسرائيلي والأميركي.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الوحدة في فكر الإمام الخميني (قدس) إذ عمل على الوحدة الإسلامية عبر توحيد شؤون المسلمين فقال عند إنتصار الجمهورية الإسلامية "اليوم طهران وغداً فلسطين" ولم ينظر بتاتاً بمذهبية إلى أن إيران دولة إسلامية شيعية فيما فلسطين دولة إسلاميّة سُنّيّة.
بذلك يكون أهمّ منظر للوحدة الإسلامية هو الحج وخاصةً يوم عرفة فعلى ملايين الحجيج فيه الوقوف من زوال شمس الظهيرة حتى الغروب على جبل عرفة.
المطلوب الإنتقال بثقافة الوحدة الإسلامية من الحج إلى بلادنا وأحيائنا ومساجدنا المطلوب منا يوم اأن لا نحصر الوحدة في فريضة الحج إنما أن نستثمر ثقافة الوحدة من الحج وننقلها إلى مجتمعاتنا الإسلامية،نُدخل ثقافة الحج إلى مساجدنا وقرانا وبيوتنا وبذلك يحترم المسلم أخاه المسلم لأن بوحدتنا ننتصر وبتفرقنا نشهد الهزيمة والإنكسار.
شعائر الحج: الإحرام، الطواف،السعي، الرجم، البراءة من المشركين، التضحية،الوقوف في عرفة،حلق الرأس والقصّ يفنّد هنا الشيخ مصطفى يزبك شعائر الحج ويوضح المعاني المعنوية لكلٍّ منها:
إن الحج في اللغة هو القصد وأما الإصطلاح الشرعي فهو قصد بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج، فيه إظهار التذلل لله تعالى، يرفض فيه الحاج أسباب الترف والتزين فينزع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام، وعندما يتجرد من ثيابه كأنه تجرد من مشاغل الدنيا التي شغلته عن الله سبحانه وتعالى لمدة من الزمن.
ومن فوائد الحج التعوّد على مشقة الصبر والطاعة ففيه الطواف والسعي والوقوف في عرفة وفي منى وفي المزدلفة والذبح والرجم وكل هذه هي مناسك فريضة الحج.
الطواف: في الطواف يطوف الحاج حول الكعبة بجسده أما قلبه وروحه فمتعلقة بالله سبحانه وتعالى ولسان حاله يلهج بنداء الله تعالى لبيك اللهم لبيك وكما قال الله تعالى "وجعلنا البيت مثابة للناس وأمناً وإتخذوا من مقام إبراهيم مصلىً".
السعي بين الصفا والمروة: أما السعي فيمثّل حركة الإنسان وكأنه يسعى نحو لقاء الله سبحانه وتعالى من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا كما كانت هاجر تبحث عن الماء لإسماعيل عليه السلام إلى أن وجدت ماء زمزم تحت قدمي طفلها.
فالسعي يعني حركة الإنسان أي أن يكون قوياً في مواجهة التحديات وتحصيل العلوم لتحقيق الأهداف والسعي يهذب النفس ليكون نقطة إنطلاقة للعمل في ساحات الطاعة لله تعالى.
الوقوف في عرفة: الوقوف في عرفة هو وقفةٌ لتأديب الروح والنفس على خلع الدنيا فالجميع بين يدي الله سبحانه وتعالى وعرفة يومٌ مصغرٌ عن يوم القيامة إذ أن الحجيج يطلبون الرحمة والمغفرة من الله عزوجل. الوقوف في مشعر الله الحرام (المزدلفة): بعد أن يكون قد غفر الله للحج ذنوبه وبعد أن يكون قد أفاض في عرفات يذهب الحاجّ للوقوف في المزدلفة وهي مشعر الله الحرام المذكورة في القرآن.
الرجم في منى: بالمعيار المادي الإنسان يرجم حائطاً ولكن بالمعيار المعنوي يمثّل هذا الرجم طاعة لله تعالى والتعالي على وسوسة إبليس. والرجم ثلاث مرات لإبليس له دلالة معينة وهي تعود لقصة النبي إبراهيم،فعندما كان يريد أن يذبح إبنه إسماعيل ترآىء له إبليس على شكلٍ صغير فرجمه النبي وبعدها ترآىء له مجدداً بشكل متوسط فكذلك رجمه إبراهيم حتى ظهر إبليس للنبي للمرة الثالثة على شكل كبير فرجمه مجدداً.
وعندما يرجم الحجيج إبليس فهو يدل معنوياً على مواجهة الإنسان اليومية للشيطان منذ تحمل الإنسان مسؤولية التكليف وحتى وفاته لذلك علينا التذكر دائماً أننا في مواجهة دائمة مع الشيطان.
الذبح: أما الذبح فيمثّل القضاء على الطمع لدى الإنسان وهو يُعلّم الناس درساً في الأخلاق والتضحية والكرم أي أن يقدم كل القرابين في سبيل الله تعالى وهو بالضبط ما حصل مع إبراهيم عليه السلام حين صدق الرؤيا وهمّ بذبح إبنه إذ قرر تقديم أغلى ما لديه لله سبحانه وتعالى.
الحلق: أما حلق الرأس لدى الرجال وقص الشعر لدى النساء فهو عبارة عن الخضوع لله سبحانه وتعالى وتقديم نوع من القربان له،وهو أمرٌ واجب القيام به من قبل الحجيج.
مسيرة البراءة من المشركين: "مفهوم البراءة من المشركين"، إنطلاقاً من الآية المباركة {وأذانٌ من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أنّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله}١٨ ، فإن البراءة هي إحياء ذكرى أهم وأكبر حركة سياسية للرسول الاكرم (صلوات الله عليه وآله) ، أي براءة من كلّ ألوان الشرك ونبذ كلّ أشكال الضلال والدناءة واللاإنسانية .
ولأن الاستكبار العالمي أدرك الدور الأساس والنتائج الطيبة التي ستجنيها الأمة الاسلامية من هذا الاجتماع العظيم في الحرم الآمن بإطلاق صرخة البراءة من المشركين عن وعي وإدراك كاملين، حاول ـ الإستكبار ـ الإخلال بمسيرات البراءة منذ إنطلاقتها الأولى وحتى يومنا هذا بكلّ الطرق والوسائل الشيطانية الماكرة، عن طريق عملائه ومرتزقته; لإخماد صرخة الدفاع عن الشعوب المظلومة والمحرومة ، التي ضاقت ذرعاً بإعتداءات الشرق والغرب.
من هنا كانت مسيرة البراءة صرخةٌ للدفاع عن الكرامات المسحوقة، صرخةٌ للدفاع عن الثروات المنهوبة، صرخة أمة تصدح بشعار الاسلام الخالد هيهات منا الذلة..