حول هذا الموضوع حاورنا الدکتورحسن عبد ربه المصری الخبیر الاستراتیجی من لندن:
س:استاذ حسن ما هی الامور التى تساعد علي التقريب بين المذاهب الإسلامية ؟ ج : هنااتکلم بالتحديد عن المذهبين الكبيرين السني والشيعي الإمامي .. الشفافية والمصداقية ، وعلي رأسها الإستعداد المبدئي لقبول رأي الآخر وإبداء حسن النية حيال ما يطرحه من نقاط خلافية ومشاركته العمل بجدية علي توسيع رقعة نقاط الإتفاق .. الآخر بالنسبة للطرفين ، ليس غريباً ولا عدواً ولا معتدياً .. الآخر هو انا الجالس علي الناحية الأخري من طاولة الحوار .. هو أخي الناطق بالشهادتين المقيم للصلاة الدافع للزكاة الصائم لأيام شهر رمضان والمؤدي لفريضة الحج ان استطاع .. هو الطامع في مغفرة رب العرش الساعي إلي مرضاته بسبل قد أوافقه عليها وقد لا أوافقه ، لكن ذلك لا يعني أنه علي خطأ وأنا علي وصواب ، فأنا لا أملك حقيقة " الإقتاء " بأن ما يؤديه غير مقبول منه .. الآخر باعد بيني وبينه التاريخ والأجنبي ، حتى لم يعد يعرفني وانا من ناحيتى لم اعد اعرفه .. لذلك قام بيننا حائط يزداد صلابة مع مرور الأيام ويزداد تطاولاً مع تعمق عدم المعرفة بيننا والتى دائما ما تفتح أبواب الخلاف فيزداد الحائط صلابة وطولاً .. من هنا يظل الخصام بيننا متوجهاً وقابلاً للإشتعال ، وتتعدد أوجهه كلما إمتد زمن التباعد وووجد الأجنبي فرصته متاحة لكي يصب في الأذن ما يؤجج الخلاف القائم علي عدم المعرفة ورفض الآخر .. الشفافية ، هي الإستعداد الفطري لعرض ما يجول في الفكر وما يضمره القلب بلا نقصان وبدون ألوان وكما يعبر عنه الواقع .. وحتى إن اختلفت الروايات التاريخية حول واقعة أو حادثة بعينها ، فليس من الصعب التوفيق بين الرؤيا المتعددة لإستخلاص الصورة الأقرب للحقيقة خاصة وأنها – أي الحقيقة - لا يملكها احد كاملة .. بل هي موزعة بين جميع الأطراف لحكمة ألهية قصد بها المولي سبحانه وتعالي أن نتعاون علي البر والتقوي .. المصداقية ، تكون مع النفس أولاً .. فإن لم أكن صادقاً مع نفسي فلن أكون صادقاً مع الآخر .. المصداقية تحتم علي كل من يتوسم في نفسه القدرة علي الحوار أن يُلم بأوراق الموضوع الذي يستعد للتحاور فيه إلماماً علميا موثقاً ، وأن لم يتمكن – رغم قدراته التى يتربع فوقها لسبب أو لآخر – فخير له ان يعلن ذلك صراحة فيبني لنفسه مكانة متواضعة بين الآخرين يميزه بها الله في الدنيا وفي الآخرة .. المصداقية ، هي عدم إنكار الجوانب الاخري للقضية .. هي إعتراف بما للآخر من إيجابيات وما تعكسه رؤيته من بعض جوانب الحقيقة .. هي إفساح مجال يسع الآخر بقدر ما بين يديه من حجة وقرينة وبرهان ، طالما هو قادر علي إثبات مشروعيتها وعلميتها .. وإن كانت حجته وقرينته وبرهانه علي غير هذا المستوي ، فليُرَد بالحسني دون إتهام بالكفر والتضليل وما إلي ذلك من إتهامات جاهزة .. أما حرصي الشديد علي تزكية مطلب ضرورة قبول الآخر وإبداء حسن النية تجاهه ، فلأن إنكاره وتهمشيه والتقليل من شأنه هو آفتنا الكبري .. ليس بين أتباع المذهبين الكبيرين ولكن بين إتباع كل واحد منهما .. فترات الإستعمار الطويلة التى رزحت فيها المجتمعات العربية والإسلامية تحت نير الإستعمار والغزو الثقافي الذي أمطرنا به الأجنبي دون أن يكون بأدي شعوبنا مظلة حامية وواقية ، خلقت فينا أنانية مفرطة صورت لكل منا علي حدة أنه وحده الذي يملك القول الفصل .. وحده من يجب الإستماع اليه .. وحده الملم بجوانب كل قضية القادر إن يعلي من شأنها ، أما غيره فإن إقترب منها سيضيعها .. هذه المطالب الثلاث لا ندعو لتوفيرها في حالات الحوار بين أقطاب المذهبين الكبيرين فقط ولا في حالات الإنكباب علي تدارس المشكلات الفقهية العالقة فقط .. لكننا نري أنه من الواجبات الملحة أن يبدأ الأهتمام بها من جانب كافة المرتبطين بالملفات التى تهم الطرفين - اللذان يشكلان النسبة الأكبر من وجهي العملة الإسلامية - والتى يصير تداولها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً وأمنياً ومعلوماتياً فيما بينهما وعلي مستوى علاقتهما بالمستوي الإقليميى ومستوى علاقة كل منهما بإطاره العالمي ..
س:استاذ حسن ماهوالتطبيق العملي لهذا التنظير ، أو بمعني آخر الخطوات العملية التى تجعل من هذا التقارب واقعاً ملموساً ؟
ج :يمكن الإشارة إلي بعضها فيما يلي ، ثقة منا أن هناك الكثيرون ممن يكون لرأيهم في هذا الخصوص أثر أكبر وتأثير أعمق .. ١ – تبادل الزيارات الإنسانية البعيدة عن الإطار السياسي .. التى تساهم في التعرف علي حقائق الحياة في المجتمع الآخر .. وتساهم في توسيع المدارك المتعلقة به والتى تم تحصيلها عن بعد .. وتوسع دائرة التعارف وجها لوجه معه .. ٢ – تبادل الدراسات والبحوث الفقهية التى تلقي الضوء ، وفق ثلاثية الشافية والمصداقية وحسن النية تجاه الآخر ، علي الجهود المبذولة في مجال تعميق الفهم الحقيقي لأصول الشريعة والفقه وكيف أنها قادرة علي تبادل الرأي مع البحوث التى يقوم بها الآخر في نفس السياق أو توسيع دائرة ما يكمله ويضيف إليه .. ٣ – إفساح المجال للقيام ببحوث فقهية وشرعية مشتركة بين فريقين من الباحثين يساند كل منهما الآخر في التعمق كتفاً لكتف ضمن العدد الأكبر من المصادر والمراجع المتفق علي صحتها ومكانتها العلمية وقوتها المرجعية لدي كل منهما ، بهدف التوصل إلي مجموعة من النتائج العلمية المؤكدة بالبرهان والمقارنة والتى تؤسس لنشر وتوسيع وتعميق وجهات النظر التى تجمع بين رؤية الفريقين التكاملية لبناء منهج علمي مؤسساتي يقوم علي فرز الحقيقة وبلورتها بلا تحيز او تهميش .. ٤ – عقد فصول دارسية تبادلية مشتركة لطلاب المعاهد الفقية والشرعية في كلا البلدين تهتم بعرض وجهات نظر المرجعيات الأم في بعض القضايا التى تُشكل خلاف في وجهات النظر ، يتم في نهايتها تمحيص ما جاء فيها وعرضه علي مجموعة من كبار المتخصصين من الطرفين ومناقشته علي مسمع من الجميع ووضع كل رأي في مكانه مقارنة بالآراء الآخري التى تتمتع بوزن وثقل له ما يبرره .. ٥ – تبادل الزيارات الطلابية بين الدراسين في المعاهد الدينية بغرض : أ – التعرف علي المسيرة المنهجية التى يدرسون في ظلها ب – الإقتراب العملي من المرجعيات التى يعتمدون عليها في تحصيلهم العلمي ج – التعايش معهم في إطار العلاقة التى تجمعهم وأساتذتهم ومعلميهم د – تلمس حياتهم الإجتماعية وجهاً لوجه ٦ – تبادل التعليقات والملاحظات بعد انتهاء كل زيارة ، بهدف إبراز إيجابيات التجربة والعمل علي تلافي سلبياتها وتوضيح ما إكتسب من ورائها من معلومات نظرية وعملية وتحديد مستوي المعلومات الاجتماعية والإنسانية التى تم تحصيلها ..
س:لکن لوتتحدث لنا فيما يتعلق بطرح المواضيع الخلافية فقهيا ومناقشتها علي الملأ ؟ ج : الرأي عندى – وقد أكون علي خطأ – أن هذا لا يساعد علي التقارب والتآلف بل يؤدي علي عكس ذلك تماماً .. الملأ غير متفقه بما فيه الكفاية في الأمور الفقيه والشرعية .. الغالبية منهم يؤدون الفرائض الدينية بطبيعة الميلاد والتحصيل السطحي غير المتعمق .. وهم عندما يميلون إلي هذا الفريق أو ذاك حتى داخل المذهب الواحد ، فإنما ينحازن بعاطفتهم وليس بعقولهم .. لذلك يستخدمهم البعض – وهم قلة والحمد لله – كوقود لأهداف علنية وأخري باطنية ..
س:ماهی العوامل التى تؤدي إلي التفرقة والتباغض والتباعد بين المذاهب الإسلامية المختلفة ؟ ج :العوامل کثيرة يأتي علي رأسها اقحام الدين / المذهب في قضايا السياسة ونظم الحكم دون تأسيس أو وضوح رؤيا .. وما يترتب علي ذلك من توظيف لمكونات المذهب في الهجوم غير المبرر علي الآخر وعلي مشتملاته ومكوناته سواء كانت سياسة حكومات أو تحالف او توجهات اقتصادية او ارتباطات أمنية إلخ .. الدين الإسلامي - باعتباره أساس منظومة الحكم – هو الذي يضع الأسس العريضة لتوجهات النظام الحاكم ، أما تفاصيل التعامل اليومي مع مفردات ادارة السياسات داخلياً وخارجيا فهي من صميم عمل القائمين بالأمر .. فإذا ما لجأوا إلي الإستخدام المتكرر للدين لتبرير حجتهم وخطواتهم ومستقبل تعاملاتهم ، نفوا عن قواعدها سموها ونزلوا بها الي معترك التنابذ اللحظي الذي يجعلها مضغة في أفواه هذا وذاك .. ومنها .. إستخدام القواعد الفقهية في وصف مواقف الآخر السياسية سواء في معالجته لقضايا داخلية او خارجية بأنها " كافرة " أو " لا تمت للدين بصلة " .. يلي ذلك إسنتخدام القاعدة الفقهية للتهكم الممجوج علي أداء " الآخر " الذي غالباً ما يوصف بأنه " أداء غير شرعي " وليس فيه إرتكاز علي جوانب ونتائج التجرية الإسلامية العريضة خاصة الميراث الذي تركته " تطبيقات الرسول عليه الصلاة والسلام في إدارة الدولة " أو النماذج التى إستعان بها الصحابة والخلفاء الراشدون في تسيير شئون الدولة من بعده .. ومنها تعمد الإساءة إلي ما يشكل رمزا مبجلاُ أو قاعدة راسخة لدي الآخر .. ومنها الاتهامات سابقة التجهيز المستندة إلي قواعد فقهية وشرعية ، والتى سرعان ما يزاح عنها الستار ويطلق لها العنان عند كل منحني يبدو أنه يفرق ويباعد بين الطرفين .. ومنها إدعاء إمتلاك المعرفة والحقيقة كلها ، والعمل في نفس الوقت علي وازدراء ما لدي الآخر أي كان وزنه أو مرجعيته ..
س: ماهی الامور لمعالجة هذه العوامل بهدف القضاء عليها وازاحتها ؟ ج:يعيدنا هذا المطلب شديدة الأهمية إلي الفقرة الأولي من هذا الحوار ، وأعني بها حرص الطرفين علي الشفافية والمصداقية وإبداء حسن النية النابع من الضمير الديني والقلب المؤمن تجاه الآخر .. كلانا يعرف أن الأجنبي لا يريد بنا معاً خيراً ، فليكن كل منا علي علاقة نوعية به بسبب تعقديات الحياة الانسانية والعلاقات الدولية الحديثة .. لكنه يجب أن يكون علي حذر ، لأن التاريخ لا يشير لنا إلي أجنبي واحد عمل من أجل مصلحة أي مجتمع إسلامي علي حساب مصلحة بلده أو معتقده .. وعليه في المقابل أن يكون علي علاقة موضوعية مع الآخر أخيه ، علاقة يسودها الوفاق والتنسيق المسبق .. الوفاق في الرؤية الواقعية للأمور والتى تكمل بعضها البعض والتنسيق المسبق لتوزيع الادوار وحسن توظيف القدرات والمهارات .. كلانا يعرف أننا نُنهب مادياً ومعنوياً لغير مصلحة شعوبنا ، وكلانا عليه أن يعي تماماً انه غير طامع في أخيه وان صور له البعض ذلك .. من هنا يأتي دور الشفافية و المصداقية التى تلقي الضوء المكثف علي أهداف وتطلعات الآخر كما يحددها هو علانية وبلا وسيط نزيه أو غير نزيه .. كلانا يعرف أن صفحات تجارب تاريخنا المشترك تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان الفرقة ساهمت بأكبر قسط في تفتيت الأمة .. وبعد أن كان التشرذم جغرافياً أصبح فقهياً وشرعياً .. وكلانا يعرف في قرارة نفسه أن الصف المتراص المتماسك كما في صلاة الجماعة يتسم بالقوة المادية والروحية ، ولكننا نتباعد كلما إقتربنا بحجج واهية وأسباب شكلية .. لذلك علينا أن نبدأ فوراً في التأسيس للشفافية في التعامل والمصداقية في طرح القضايا وسبل معلاجتها والتعاهد علي إفساح مكان لأخي الآخر في كل مناسبة لكي يمنحني دفء أفكاره ودعم بنيانه وصدق إحساسه وقوة حجته .. هذه في رأي المتواضع بعض من طرائق المعالجة ، التى تساهم مع الرؤيا التى يملكها من هو أكثر باعاً مني في مثل هذه القضايا ، بهدف العمل معاً لتقريب وحهات النظر وإستعادة مرتكزات الوحدة وسد الطريق أمام أعداء الأمة الإسلامية الذين يستغلون الخلافات لمصالحهم ولتحقيق مآربهم الدنيئة المعادية للإسلام ..