شهدت مصر في الآونة الأخيرة توترا طائفيا بين المسلمين والأقباط وكانت أبرز نماذج هذا التوتر هو الانفجار الكبير الذي وقع فجر السبت أمام كنيسة القديسين في القاهرة وقد حاورت وكالة أنباء التقریب (تنا) حجة الاسلام والمسلمين الدكتور الشيخ محمد حسن زماني المستشار الثقافي الايراني السابق في مصر مساعد الشؤون الدولية في الحوزة العلمية في قم، وسألته حول أبعاد الشد الطائفي الذي تشهده مصر في الوقت الراهن فأعرب عن اعتقاده بأن الأقباط يعيشون منذ زمن قديم في مصر ويشكلون احدى شرائح المجتمع المصري وما عدا التصرفات والممارسات والتصريحات الشاذة لبعض الأقباط فان السلوك العام للأقباط تجاه المسلمين المصريين ودي، ويمكن القول أن العلاقة القائمة بين الأقباط والمسلمين علاقة نموذجية من بين سائر الدول الاسلامية "وقد شهدتُ مشاركة الأقباط في مراسم المسلمين ومشاركة المسلمين في مراسم الأقباط، كما أن الأب الروحي للأقباط البابا شنودة فانه يعتبر نموذجا لكافة قساوسة المسيحيين، وذلك لمواقفه المعادية للصهاينة وكذلك لتعامله الطيب مع المسلمين".
ووصف الدكتور زماني وجود البابا شنودة بأنه نعمة لدوره في تمتين العلاقة بين المسلمين والأقباط منوها الى أن هذا لا يعني عدم ظهور بعض الممارسات والتصريحات المتشددة والمتطرفة لدى بعض القساوسة الأقباط تجاه المسلمين أو تجاه التعاليم الاسلامية، ومن الطبيعي أن يكون لعلماء المسلمين وخاصة الأزهر الشريف موقف ضد هذه الممارسات والتصريحات، ليقطعوا الطريق أمام الذين يريدون الاساءة للاسلام والمسلمين من ناحية وللرد على الشبهات التي يطرحونها ضد الاسلام من ناحية أخرى.
وحول المستفيد الأول من التفجيرات والخلافات الطائفية في مصر رد زماني بالقول: الاستعمار العالمي المستفيد الأول من وقوع الانفجارات والخلافات الدينية والطائفية لأن الاستعمار العالمي المتمثل في أميركا والصهاينة والدول الغربية لا يرغب بأن يسود الأمن والاستقرار والاستقلال في الدول الاسلامية بل يرغب أن تسود فوضى والاضطراب في الدول الاسلامية ليكون المسلمون بحاجة اليهم وكلما ساد الهدوء والاستقرار في الدول الاسلامية انخفضت حاجة المسلمين الى الدول المستعمرة، وبما أن مصر تعد احدى أكبر الدول الاسلامية فان الصهاينة والأميركيين يودون أن تعاني هذه الدولة باستمرار من المشاكل وبالتالي فانهم هم المستفيد الأول من التفجيرات والخلافات.
وتابع زماني: أما المستفيد الثاني من وقوع هذه التفجيرات، وربما لا يمكن القول أنهم مستفيدون من وقوع هذه التفجيرات وانما راضون عنها ولا يعارضونها فهم الوهابيون والمتشددون، فهؤلاء لا يطيقون وجود تعايش سلمي وعلاقات حميمة ليس بين المسلمين والمسيحيين وحسب وانما بين المذاهب الاسلامية أيضا مستدركا بأن هذا لا يعني بالضرورة أن الوهابيين هم الذين نفذوا مثل هذه التفجيرات وانما هناك من الوهابيين المتشددين من يعتقد بوجوب قتل المشركين واذا كان هؤلاء يعتقدون أن بعض المسلمين مشركين ويجب محاربتهم وقتلهم فما بالك بالمسيحيين واليهود، مشيرا الى أن الوهابيين لا يتمتعون بشعبية واسعة في مصر خاصة وأن الأزهر تصدى لهم.
وبخصوص السبيل لوقف الخلافات الطائفية أشار الدكتور زماني الى ضرورة القيام بخطوتين في هذا الشأن، الأولى أن يجتمع علماء المسلمين مع قساوسة الأقباط ويبحثون سبل تعزيز العلاقات بينهم ونبذ الخلافات وما يؤدي الى بروزها، أما الخطوة الثانية فهي أن تقوم الحكومة المصرية بتدابير أمنية واسعة وأن لا تثق بالصهاينة والأميركيين، ونوه الى التجربة الايرانية والخطوات التي تم قطعها في ايران من أجل التعايش السلمي وتعزيز العلاقات بين الطوائف الدينية، مشيرا الى أن أحد وسائل التعايش التي تخطوها ايران في الوقت الراهن هي اجتماع المفكرين والنخبة من الطوائف الدينية فيما بينهم ليتعرفوا على أفكار وتقاليد أحدهم الآخر.
وأستبعد زماني وجود علاقة مباشرة بين تفجير القاهرة والهجوم المسلح ضد احدى الكنائس في بغداد الا أن هناك هدفا مشتركا بين الحادثين وهو أن كليهما يخدمان الأهداف الاستعمارية التي تضع في أولوياتها الخلافات بين المسلمين وبين المسلمين وسائر الأديان معتبرا أن خطوة القس الأميركي جونز في دعوته الى حرق القرآن الكريم أو الرسومات المسيئة للاسلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصب في هذا الاطار وتسعى كل هذه الأساليب والممارسات الى اثارة الخلافات بين المسلمين أنفسهم من جهة وبينهم وبين سائر الاديان من جهة أخرى وذلك من أجل منع المسلمين من الدعوة الى دينهم وسط أتباع سائر الديانات والطوائف.
وأعرب زماني عن اعتقاده بأن الاسلام دين السلام والمحبة ويدعو الى التعايش سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين أتباع سائر الأديان ففي عهد الامام علي عليه السلام لمالك الأشتر يدعو الامام الأشتر الى أن يكون ودودا مع كافة المصريين وحل مشاكلهم فانهم "اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" فالملفت أن الامام عليه السلام كان يقصد المسيحيين المصريين، "ولاشك أن قرار الامام علي عليه السلام هذا نابع من التعاليم الالهية والقرآن الكريم يقول "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم أن الله يحب المقسطين" أي أن الله لا ينهي المؤمنين أن يكون عادلين وودودين مع الذين لم يقاتلوهم ولم يخرجوهم من ديارهم، ومن الطبيعي أن يستثنى الكفار الذين يحاربون المسلمين من هذه القاعدة، غير أن أغلبية الكفار الذين لا يحاربون المسلمين على المسلمين أن يودوهم ويتعايشوا بسلام معهم.
وهناك قوانين وتعاليم اسلامية تتعلق بغير المسلمين الذين يعيشون في كنف الدولة الاسلامية فهذه التعاليم تدعو الحكومة الاسلامية الى الحفاظ عليهم وعلى أموالهم وأعراضهم وحتى معابدهم، وهذه من مفاخر المسلمين وفي هذا الاطار أيضا تصب تعاليم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي وقع اتفاقية مع اليهود وكذلك وصاياه تجاه أهل الذمة، وبشكل عام هناك تعاليم ووصايا اسلامية حول ضرورة الاهتمام بغير المسلمين وتعاليم أخرى تجاه من يسيء اليهم أو يتعرض لحياتهم أو أموالهم أو أعراضهم.