حول رهن ملف داتا البصمات لشركة فرنسية الدكتور جوني لـ"تنا"
أي عقد يتضمن إذعان يعتبر لاغياً بحسب إتفاقية فيينا
خاص "تنا" – مكتب بيروت
ومن الناحية السياسية يفصّل الدكتور جوني أن "هناك خطورة كبيرة لأنه يمس سيادة وأمن الوطن ، خصوصاً أننا في لبنان في حالة حرب مع الكيان الصهيوني و لدينا مقاومة"
شارک :
أن تبادر جهة أجنبية إلى الإستخبار عن "لبنان و اللبنانيين " والتجسس عليهم وزرع عملاء وشبكات تجسس ، أضحى من الأمور الروتينية أما أن تسلم جهة رسمية لبنانية ملف داتا البصمات لنحو اربعة ملايين لبناني عبر بطاقات الهوية، لشركة أجنبية فهذا جوهر القضية .
هي ليست المرة الأولى التي تستباح فيها السيادة الوطنية و الحرية الفردية للمواطن اللبناني . التحقيق الدولي كان قد طلب في العام 2010 ملفات طلاب الجامعات الخاصة في لبنان منذ عام ٢٠٠٣ الى ٢٠٠٦ ، و جميع بيانات الاتصالات في لبنان منذ عام ٢٠٠٣ كلها أعطيت الى التحقيق الدولي . كما قام فريق من المحققين الدوليين التابعين لمكتب المدعي العام بزيارة عيادة نسائية في الضاحية الجنوبية لبيروت والطلب من الطبيبة المختصة الاطلاع على أرشيفها من ملفات مرضاها من عام ٢٠٠٣ .
وكان الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله قد لفت منذ العام ٢٠١٠ وتحديداً يوم الخميس ٢٨ تشرين الأول إلى أن المحققين الدوليين طلبوا آنذاك بصمات من مديرية دائرة الجوازات في الامن العام أي كل البصمات الموجودة على جوازات السفر وحدث جدل في الموضوع ثم وصلت التسوية الى بصمات وبيانات لـ ٨٩٣ شخصا لبنانيا اضافة الى قاعدة بيانات ال دي ان ايه الموجودة في لبنان.
ولم تحل تطمينات وزير الداخلية مروان شربل دون طرح أسئلة كبيرة عن المخالفة في الأصل لجهة العقد الذي رهن هذا المخزون الوطني بيد شركة أجنبية. من هنا كان لـ "تنا" حواراً خاصاً مع الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني للوقوف على مخاطر هذا العقد من الناحية القانونية و السياسية و عن ما إذا كان ثمة إمكانية لعلاج هذه الفضيحة .
" في البلد الذي يصبح فيه التآمر و العمالة وجهة نظر" ، " من يسمح لمحكمة دولية أن تتدخل في شؤونه الداخلية و أن تحل محل القضاء اللبناني لتحقق بجريمة حصلت على أرض لبنان و ضحية الجريمة لبنانية ، لم يعد مستغرباً أن يسلم أمن اللبنانيين وحياتهم الخاصة إلى الأجنبي " بهذه الكلمات عبّر الدكتور في حديثه إلى "تنا" عن إستنكاره لما أقدمت عليه الحكومة اللبنانية من تسليم ملف داتا البصمات لشركة فرنسية مشيراً إلى أنه في ظل هذه الأجواء التي تبرر الجريمة وتستقدم الفصل السابع لم يعد مستبعداً أي تصرف من قبل هذا الفريق.
وأضاف الخبير في القانون الدولي أن "ما سمعناه بالأمس حول هذا الموضوع لا يمكن أن يصدق وهو خارج أي إطار تحليلي سواء أكان قانوني أو سياسي لسبب أنه لا يمكن أن نتصور أن يتم الإستستهار من قبل الدولة و الحكومة اللبنانية بحياة المواطن اللبناني أو أن تصل بعدم إهتمامها بسيادة البلد و بيعها لأمنه لهذه الدرجة".
ولجهة الضرر الذي يخلّفه هذا العقد على الدولة اللبنانية، من النواحي السيادية والأمنية والسياسية أوضح الدكتور جوني أنه من الناحية القانونية "هناك إنتهاك صريح وواضح للدستور اللبناني خصوصاً القانون المتعلق بحماية الحياة الشخصية و المعلومات الشخصية و الأمنية لأي شخص لبناني التي حتى بالدولة اللبنانية هناك حدود يحددها القانون للحصول على معلومات شخصية ".
وشرح الدكتور جوني أن "هناك قواعد دولية يتبع لها لبنان ، في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صوّت لصالحه و في العهد المتعلق بالحقوق المدنية ١٩٦٦ حيث إنضم له لبنان وأدخلهم في مقدمة الدستور" . كما بيّن الخبير في القانون الدولي أن "هناك إنتهاك عام للقانون الدولي وخصوصاً ما يتعلق بحقوق الإنسان و عدم إحترامها " لافتاً إلى أن هذا الأمر" لا يمكن أن نتصور أن يحدث بأي بلد آخر في العالم ".
وعما قاله الوزير شربل أمس أنه لا يستطيع تغيير الاتفاق مع الشركة ولا فض العقد معها، «لكون العقد ينص على انه في حال إلغاء هذا العقد، فإن داتا البصمات تصبح ملكاً للشركة لا للدولة اللبنانية». أوضح الدكتور جوني أن " الساحة اللبنانية تشهد العديد من العقود فيها الكثير من الإذعان لذلك فهي من الناحية القانونية بحسب إتفاقية فيينا تعتبر لاغية ".
وما يتضح في هذه العقود أنها تنطوي على الإذعان يتابع الخبير في القانون الدولي "لأنه لا يمكن لشخص أن يعمل بطريقة مستقلة و يقبل بهذا التخلي عن السيادة و يسلم أمن مواطنيه و حياتهم والخاصة و الشخصية لجهة خارجية ". مشدداً على "أي عقد فيه إذعان بسبب ظرف معيّن يكون يعاني من شائبة كبيرة ممكن العمل على إبطاله أو نقده وتعديله ".
ومن الناحية السياسية يفصّل الدكتور جوني أن "هناك خطورة كبيرة لأنه يمس سيادة وأمن الوطن ، خصوصاً أننا في لبنان في حالة حرب مع الكيان الصهيوني و لدينا مقاومة ، و بالتالي الحرص على الأمن الوطن و المواطن تزداد أهميته في لبنان أكثر من أي بلد آخر " مشدداً على أن "أي بلد لا يمكن أن يتخلى عن هذا الموضوع فكيف الحال في لبنان و هو يتعرض لمعركة طاحنة من قبل العدو و يقتل و يعتقل أهلنا" .
من جهة أخرى، لفت الدكتور جوني إلى أن " السيادة أصبحت نمط و مفهوم عام ، تحول إلى شعار يتحدثون به دون أي معايير و إنتماء لهذا المفهوم ، و هناك محاولة تعميم لهذا المفهموم و تبريره وهذا كلام خطير" مذكراً بأنه منذ سنة "حين أخذت معلومات عن طلاب الجامعات و المدارس تم تبرير ذلك من قبل النائب بطرس حرب حين قال صحيح أنه إنتهاك للدستور و لكن للضرورات الأمنية إستثناء مشيراً هنا إلى صلاحيات المحكمة الدولية " .
وشدد الخبير في القانون الدولي على أن "هذا الكلام غير مسموح قانونياً "، لافتاً إلى أن "التبرير الذي قدموه أقبح من ذنب" . وألمح الدكتور جوني إلى أن "هناك محاولة لإرساء مفهوم عام في البلد تصبح إيديولوجيا ونمط من التفكير ألا وهي تبسيط التنازل عن السيادة لصالح فرنسا أو أمريكا ".
أضاف أن هذه ثقافة عامة طرحت في البلد "الكثير من الحديث عن السيادة و القليل من التطبيق " ، مردفاً إلى أنه "ليس سهلاً مقاومة هذه الموجة و هذه الظاهرة ، خصوصاً أنها أضحت على نطاق عالمي تحت عناوين ومفاهيم جديدة للسيادة تبَين أنها أعدت لإنتهاك الحرية الفردية" .
يشار إلى أن وزير الداخلية مروان شربل كان قد كشف أول أمس ، بدون قصد، عن فضيحة «داتا البصمات» خلال اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، لافتاً إلى مخالفات بشأن عقد موقّع بين وزارة الداخلية وشركة «ساجيم» الفرنسية منذ العام ١٩٩٦ (وكان وقتها ميشيل المر وزيرا للداخلية بحسب موقع الحكومة اللبنانية، ويقضي بإصدار بطاقات الهوية اللبنانية ).
وبحسب ما نُقل عن شربل، تقوم هذه الشركة، منذ توقيع العقد عام ١٩٩٦، بحفظ بصمات المواطنين وإدراجها على الملفات الخاصة ببطاقات الهوية اللبنانية، وهي مهمّة تكلّف الخزينة ٧ ملايين دولار سنوياً.
ولفت شربل إلى أنه اضطر إلى المضي في هذا الاتفاق، مشيراً إلى أنّ كل ما تمكّن من فرضه هو «خفض قيمة العقد إلى مليوني دولار». هذا الملف الذي تناوله الوزير عرضاً خلال جلسة أمس، ترك الكثير من التساؤلات والتعجّب لدى النواب المشاركين، خصوصاً لجهة الضرر الذي يخلّفه على الدولة اللبنانية، من النواحي السيادية والأمنية والسياسية والمالية .
وعن إمكانية السيطرة والتحكم من قبل الدولة اللبنانية، وكذلك عن الخلفيات المحتملة لشركة تتعاطى في مجال تصنيع الأسلحة، مع ما يعنيه ذلك من إرتباطات سياسية وأمنية، بعد ان باتت داتا الإتصالات وحتى الهمسات بحوزة العدو الإسرائيلي ومعه المحكمة الدولية بكل ما تحويه من عيون وآذان إستخبارية.
المفارقة ، أنه في الوقت الذي لا يزال اللبناني مهدداً من قبل العدو الصهيوني يتم التساهل من قبل الدولة اللبنانية في حين أعلن التجمع الأميركي للناجين من المحرقة النازية عن سخطهم لنشر مقتطفات من كتاب هتلر "كفاحي" في ألمانيا للمرة الأولى منذ عام ١٩٤٥ بعد سبعين عاما على موت هتلر.
وكتاب "كفاحي" الذي ألفه هتلر في السجن عام ١٩٢٤ بعد محاولة انقلاب تحرص الوزارة على عدم إعادة نشره لتجنب استغلاله الممكن من قبل مجموعات النازيين الجدد. وكان متحدث باسم الوزارة في المقاطعة قد أعلن الاثنين أنهم يفكرون في اللجوء إلى القضاء لمنع صدور الكتيبات .