تاريخ النشر2012 8 June ساعة 23:53
رقم : 97191
المرأة " بين الجرأة والحياء "

السيِّد فضل الله: مقتضى الحياء أن تجتهد المرأة للظّهور كإنسانة

خاص "تنا" - مكتب بيروت
الشّخصيّة الإعلاميّة هل تتعارض مع الشّخصيّة الإسلاميّة ؟
السيِّد فضل الله: مقتضى الحياء أن تجتهد المرأة للظّهور كإنسانة
تواجه ندى (٢٥ عاماً) أزمة توفيق ما بين الشّخصيّة الإسلاميّة و الشّخصيّة الإعلاميّة ، فهي التي تخرجّت من كلية الإعلام منذ بضعة سنوات ، ترى أن هناك تعارضاً كبيراً ما بين الجرأة التي تتطلبها منها مهنتها كمراسلة لإحدى وسائل الإعلام و ما بين الحياء الذي فطرت عليه النساء المسلمات عموماً و ندى التي ترعرت في البيئة الإسلامية خصوصاً مستبعدة إمكانية التوفيق ما بين هاتين الصفتين . 

بدورها، ترفض سناء (٢٨ عاماً) بان يكون الحياء خصص للمرأة دون الرجل ، مشددة على دور التديّن والايمان في تعزيز هذه الصفة الممدوحة لدى الجنسين مستندة في هذا الحكم إلى حياء الرسول (ص). إلاّ أنها لا تجد أن ثمة تعارض ما بين الجرأة و الحياء مؤكدة بأن لكل منهما مواضعه ، فبعض المواقف تتطلب الخجل والحياء وأخرى تتطلب الجرأة خصوصاً لجهة عدم السكوت عن الحق آو إبداء الرآي في شيئ يمسهآ . 

أما حسام (٣٢ عاماً) يشجّع على ضرورة أن توازن المرأة ما بين هاتين الصفتين(الحياء والجرأة) ، لكنه يرى بالمقابل أن كثرة ثقة المرأة بنفسها و قوتها قد يضعف من أنوثتها . مشيراً إلى أن الاختلاط في مواطن كثيرة بين الجنسين يوّلـد ما يُسمى بكسر الحواجز.

من هنا، لا بد من طرح التساؤلات التالية : هل تتعارض الجرأة مع الحياء ؟ متى يلتقيان و متى يفترقان و كيف يمكن أن تكون الأخيرة مكملة للجرأة ؟ كذلك هل يمكن ان تعتبر جرأة المرأة قلة حياء ؟ للإجابة عن هذه التساؤلات أجرت مجلة "نداء التقريب" حديث مع كل من سماحة السيِّد علي فضل الله والسيدة عفاف الحكيم للإضاءة على هذه الإشكاليات .

الحياء امرأة والجرأة رجل ؟
في البداية، توجهنا لسماحة السيِّد فضل الله، بسؤال يوضح ما إذا كان الحياء امرأة والجرأة رجل، فيبيّن سماحته إلى" أنَّ القيم في الميزان الإسلامي لا تتجزّأ " مشيراً إلى أن مجتمعنا اعتاد "على تصنيف القيم الأخلاقيَّة والإنسانيَّة وتجزئتها وفقاً لعامل الذكورة والأنوثة، وهذا الأمر حصل بشكلٍ واضحٍ في الحياء" مبيّناً أن "الحياء والجرأة قيمتان أساسيَّتان يحتاجهما كلّ من الرجل والمرأة في إدارة نفسه وعلاقاته مع الآخرين".
ويتابع سماحته " إذا كان الحياء يفرض معنى من معاني الانكفاء والتنـزّه عن مقاربة المعاصي والمكروهات، فالأمر مطلوب من الرجل بالقدر نفسه الَّذي يُطلب من المرأة. كذلك فإذا كانت الجرأة تفرض معنى من معاني الشَّجاعة والإقدام في الدِّفاع عن الحقوق ومواجهة المظالم، فهي أمر مطلوب من المرأة بالقدر نفسه الَّذي يطلب من الرّجل ". لافتاً إلى أنه " ربّ موقف يتطلَّب جرأة، وربّ مناسبة تفرض الحياء على الجنسين ". مؤكداً على ضرورة وضع الأمور في مواضعها مستذكراً قول الشاعر: "ووضع النَّدى في موضع السَّيف بالعلى مضرٌّ كوضع السَّيف في موضع النَّدى".

مقتضى الحياء أن تجتهد المرأة للظّهور كإنسانة !
أما في أي المواضع يكون الحياء، فيشدد السيد فضل الله على أنه " بمقتضى الحياء، أن تجتهد المرأة للظّهور كإنسانة، سواء من حيث اللّباس أو النّظرة أو الكلمة، بحيث لا يتحسَّس الرّجل تلك الأنوثة الَّتي تجتذب غريزته، تماماً كما هو مطلوب من الرّجل، حيث تحرم عليه تلك الأمور الَّتي تهيِّئ لأجواء الإثارة والغواية الّتي تؤدِّي إلى السّقوط في الانحراف والفساد" .
وإذ يوضح سماحته على "أنَّ الحياء خلقٌ يبعث على تكريم الذّات وعدم الإقدام على ما يسيء إليها أمام الآخرين، وتنزيهها عن ارتكاب المعاصي والأعمال القبيحة" يؤكّد على أن" أكثر ما يتطلَّب من المرأة استحضار هذه القيمة الأخلاقيَّة، هو في ساحات الاختلاط بين الجنسين".

كيفية التّوفيق بين الحياء .. والجرأة :
في هذا الإطار يؤكّد سماحته أننا " بحاجةٍ إلى جرأة المرأة بقدر ما نحن بحاجةٍ إلى حيائها" لافتاً إلى أنه "ثمة علاقة تفاعل بين المفهومين يتطلَّب منّا إدارة التّوازن بينهما ".
ويسّلط الضوء على أثر الاختلاط في تراجع قيمة الحياء لدى المرأة قائلاً "الانكفاء مثلاً عن الرّجال هو في المبدأ يدخل في معنى الحياء، لكن إذا كان
هذا الأمر يمنع المرأة من أن تتفقّه في دينها، أو أن تتخصَّص في العلوم، أو يمنعها من تحصيل أيّ طاقة من طاقات القدرة والعلم والإدارة، فهنا يكون هذا المعنى مذموماً، لأنَّه يلحق الأذى بشخصيَّة المرأة ".
ويتابع السيّد فضل الله توضحيه للحياء المذموم "وكذا الأمر إذا كان ذلك يؤدّي إلى الانكفاء عن اتخاذ المواقف في مواجهة الَّذين يريدون إضعافها أو إذلالها أو سحق شخصيَّتها على المستوى الفرديّ، فالحياء بهذا المعنى مرفوض، وهنا عليها أن تتحلّى بالجرأة الكافية، ليس فقط في مواجهة المظالم الفرديَّة، بل المظالم الاجتماعيَّة، بل كلّ ظلمٍ تتعرّض له، حيث عليها أن تستخدم كلّ طاقاتها للوقوف مع الحقّ ورفض الباطل، ولو اقتضى الأمر في بعض الأحيان مواجهة الظّالمين مواجهةً مباشرة.. ولنا في الزّهراء(ع) وزينب(ع) قدوة في ذلك" .

الجرأة قوّة والتجرّؤ تجاوز حدود الشّرع والعرف :
يبيّن السيد فضل الله الفارق ما بين الجرأة و الوقاحة بالقول "الجرأة قوّة في الموقف والسّلوك لمواجهة الباطل، أو لتصحيح الواقع، أو لرفع مستوى الذّات والمجتمع، والوقاحة واحدة، سواء من الرّجل أو المرأة، وهي مرفوضة شرعاً وقبيحةٌ عقلاً، وهي الحالة الَّتي يتجاوز فيها الإنسان حدود الشّرع والعرف معاً ".
وبالنّسبة إلى الفتاة، يتابع سماحته " فإنَّ الموضوع يحمل حساسيَّة إضافيَّة، ولا سيَّما حين تتمادى الفتاة في مواطن المزاح والهزل، لتخرج عن طورها الإنساني ـ الأخلاقي، فتقع أسيرةً لمن في قلوبهم مرض من الطّامحين إلى النّيل من كرامتها الإنسانيّة وأخلاقها، أو تفقد شخصيّتها الَّتي ينبغي أن تحرص عليها كما تحرص على سلامة جسدها وجماله ".

المرأة أنثى في بيتها إنسانة في مجتمعها :
يلفت سماحة السيّد في هذا السياق إلى أن " غاية الإسلام في بناء الإنسان هو الشخصيَّة القويَّة المؤثّرة الفاعلة في الأسرة والمجتمع سواء كان رجلاً أو امرأة ". مشدداً أن "على المرأة أن تمثّل مثل هذه الشَّخصية، فتملك عقلاً متبصّراً وإرادةً صلبة، لتحمي نفسها وتؤثّر في مجتمعها توجيهاً وتسديداً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر".
أمّا في ما يتّصل بالأنوثة، لا يرى السيّد فضل الله موقعاً لها في حياة المرأة "إلا في الجانب المتَّصل بالعلاقة مع زوجها؛ المرأة أنثى في بيتها، وعليها أن تعبّر عن أنوثتها بأبرز صورها، لكنَّها في الحياة إنسانة تعيش أعلى درجات الإنسانيَّة والحضور والكفاءة " .

الشخصيَّة الإسلاميَّة هي الَّتي من المفترض أن تقود شخصيَّتها الإعلاميَّة :
للتوفّيق ما بين الشخصيَّة الإسلاميَّة وتلك الإعلامية يرى السيّد فضل الله "إنَّ الشخصيَّة الإسلاميَّة هي الأساس، وهي الَّتي من المفترض أن تقود شخصيَّتها الإعلاميَّة" لافتاً إلى أن "العنوان الإسلاميّ ليس بعائق أمام تطوير هذه الشخصيَّة الإعلاميَّة وإيصالها إلى النَّجاح، لأنَّ المؤهّلات الفكريَّة والروحيَّة والسلوكيَّة، هي السَّبيل وحدها إلى النَّجاح".
ويوضّح أن " العنوان الإسلامي للشخصَّية يشكِّل عوناً كبيراً لها في تقوية شخصيتها الإعلاميَّة، لما تمدّها به من ثقة بالنَّفس واعتزاز بالفكر ومشاعر إنسانيَّة، لكي تساهم إلى جانب الرجل في خدمة المجتمع على هذا الصَّعيد".
بالمقابل، يشدد سماحته أن "المحتوى الداخلي للشَّخصية هو ما يجب أن نسعى إلى بنائه وتطويره، إضافةً إلى فهم كلّ عناصر العمليَّة الإعلاميَّة للإبداع في هذا المجال الَّذي نحن بأمسّ الحاجة إلى النّجاح فيه " مشيراً إلى أن "ما نراه من نجاح لـ"إعلاميّات" استخدموا الشَّكل الخارجي للوصول هو ليس بنجاح إعلامي، إنما هي فقاقيع سرعان ما تختفي في ساحة الإعلام المسؤول". 

وحين يصبح الاختلاط إحدى ضرورات العمل ..
عندما يكون الاختلاط حاجةً للعمل، يرى السيد فضل الله أنه " لا ينبغي أن يؤدّي ذلك إلى إضعاف قيمة الحياء في نفس المرأة، ما يتطلّب منها أن تكون واعيةً لتصرّفاتها، تراقب نفسها جيّداً".
وعندما تكون المرأة حاضرة في الحقل الإعلامي، يتابع سماحته "عليها أن تحرص أكثر على أن تكون نموذجاً للفتاة المسلمة في اللّباس والكلام والأخلاق والتَّعبير، لأنَّ صورتها أمام الآخرين مهمّة، ولا سيَّما أنها في موقع يقتدي بها النّاس ويتطلّعون إليه".
حوار :بتول زين الدين
https://taghribnews.com/vdcizza3.t1ay32csct.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز