قراءة في كتـاب: وجهاء الشيعة الجدد، نقد للمسيرة والرؤية السياسية
تنا - بيروت
جاء في مقدمة الكتاب أنّ "ما يراد طرحه لا يعدو مسائل متداولة منذ زمن بعيد في الدّوائر المغلقة، وفي جلسات المشايخ والنّاشطين في المجتمع، وبين الكتّاب والمثقفين، ربما ولسبب أو آخر لم يكن بمقدور أكثرهم الإفصاح عنها أو الكتابة حولها أو تنوير المجتمع بها، أو مجرد طرحها بشيء من الشّفافيّة والصّراحة"
شارک :
المؤلّف: حمزة الحسن. النّاشر: دار الملتقى. سنة النّشر: ٢٠٠٩ طرح الكاتب في مقدّمة الكتاب تعريفًا سريعًا لمحتواه هو تسليط الضّوء على فضاء الوضع الشّيعيّ الدّاخليّ في المملكة العربيّة السّعوديّة؛ وأدائها على المستوى السّياسيّ، وتحديدًا التّعاطي مع السّلطة، خاصّة الآن مع وجود ما يُسمّيه "شيء من التّحرّر في الحديث، إذ لا يوجد هنالك مشروع سياسيّ بوصفهم يخشى الإضرار به، ولا هنالك منجز أمامنا يُخشى عليه من الطّيران بأجنحة سماوية، ولا الطّريق أمام الشّيعة لتحصيل حقوقهم واضحة؛ فجاء هذا الباحث أو ذاك الكاتب ليلقي عليها الغَبَش والظُلمة، ولا يستطيع أحد أن يقول كما هي العادة بأنّ تصرّفات فلان أو علان كانت سبباً في "تضييع فرص" عظيمة كانت قاب قوسين أو أدنى من اليد فجاء من جعل الطّائفة الكريمة تخسرها".
ويشير في مقدّمة كتابه إلى أنّ "ما يراد طرحه لا يعدو مسائل متداولة منذ زمن بعيد في الدّوائر المغلقة، وفي جلسات المشايخ والنّاشطين في المجتمع، وبين الكتّاب والمثقفين، ربما ولسبب أو آخر لم يكن بمقدور أكثرهم الإفصاح عنها أو الكتابة حولها أو تنوير المجتمع بها، أو مجرد طرحها بشيء من الشّفافيّة والصّراحة"؛ وفي مقدّمتها النقاش الدّائر حول "ماذا أنجزنا وحقّقنا كطائفة وفق توجّه القائلين بـ "التّواصل مع السّلطة"، وإعتماد طريقة الموادعة معها؛ يطرح أصحاب هذا التّوجّه سؤالاً مقابلاً: وماذا أنجزنا وفق توجّه ومنطق القائلين بضرورة المواجهة والمعارضة للسّلطات القائمة؟. ويلقي الضّوء على الأشخاص الّذين قادوا المذهب الشّيعيّ في السّعوديّة خلال القرن الماضي، ورسموا لأبناء الطّائفة هناك نهجًا فاشلًا إصطُلح عليه ب" الموادعة "، لإستعادة حقوقهم كمواطنين يشكّلون أغلبيّة ساحقة في المملكة.
وقد سمّاهم المؤلّف "وجهاء الشّيعة الجدد" وعرض لتجربتهم، وبيّن مكامن الضّعف فيها، وأضاء على أبرز المحطّات الّتي فشلوا فيها من تحقيق أيّ مكسب لشيعة المملكة، فضلاً عن أنّهم تحوّلوا في ما بعد إلى تابعين للسّلطة الحاكمة، وإنصهروا فيها إلى أنّ أصبحوا يشكّلون رأس الحربة في إسكات الشّعب، وتلميع صورة الحكّام الفاسدين والظّالمين. وخلص إلى نتيجة مفادها، أنّ من تزعّم الإنقلاب أو المعارضة أو الموادعة خَذَلوا القاعدة الشّعبيّة الّتي راهنت عليهم في تحصيل الحقوق وتحسين ظروف الحياة؛ والأنكى من هذا أنهم يجهدون لإقناعهم عبر الإستدلالات التّاريخية من سيرة الأئمة الأطهار أنّ سياسة التّواصل والتّقارب مع السّلطة والتّماهي معها، مثلها مثل ثورة الإمام الحسين مع وجود الفارق، إذا إقتضت مصلحة المسلمين العامّة.
وهو ينتقد عدم الإستفادة من تغيّر "الظّروف السّياسيّة بعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١، وكان الأجدر بها أن تحفّز بإتّجاه المعارضة لا الموادعة. فالنّظام كان في حالة ضعف، وقواه السّلفيّة العنفيّة صارت موضع إتّهام في الدّاخل والخارج، وكان الوضع الإقليميّ يمثّل فرصاً تاريخيّة لممارسة المزيد من الضّغط والعمل السّياسيّ المباشر لتحصيل حقوق الشّيعة. ولكن الّذي حدث، هو أنّ تلك الأحداث وما تلاها «سقوط صدام، وإنتصار حزب الله في لبنان وغيرها» لم تجر الإستفادة منها ومثّلت فرصاً ضائعة للشّيعة، بحيث يمكن التّأكيد بأنّ التّسعينيات لم تشهد «تغيّراً في المرحلة» تستدعي تغيير النّهج المقاوم والإنقلاب عليه، وأنّ فترة ما بعد أحداث سبتمبر أكّدت أهمية ذلك النهج المعارض، بينما وجدنا في الفعل عكس ذلك، أو تبين عدم قدرة نهج الموادعة على إستثمار التّطوّرات السّياسيّة لصالح تحسين وضع الشّيعة.. فلما مرّت المحنة عن النّظام، إذا به يستأسد على الجّميع محاولاً إفتراسهم كما هو حاله الآن مع الشّيعة ومع جميع المواطنين".
ويعبّر عن أسفه لوجود "جدل في الأساس حول المفاضلة بين توجهين، أحدهما يقول بضرورة الدّفاع عن النّفس عبر مقاومة الظّالم وظلمه، وآخر يقول بموادعته والإنفتاح عليه تحقيقاً لذات الغاية. مؤسف حقاً أن يكون النقاش في البديهيّات"؛ وسأل: "في أيّ سيرة في التّاريخ تنازل طاغ عن طغيانه بدون مواجهة ومقاومة؟ وفي أيّ عرفٍ أو دينٍ أو شرعة أرضيّة تجد تجاوزاً لبديهية حقّ المظلوم «بل واجبه» في مقارعة جلاديه ومضطهديه؟ وهل وجد في التّاريخ القديم والحديث أن حصل شعب مظلوم على حقّه دون أن يقاوم ويدافع عن نفسه؟ بل هل من المنطقي أن تجد أحداً في الخارج يدافع عن شعبٍ لا يبدأ بالدفاع عن نفسه؟ أو يدافع عن شعب يدين من يضع نفسه موضع قيادته الصرخات التي تنطلق ضد النظام على ما يفعله بشعبه؟! وهل هذا من سيرة المسلم أن يقبل بالجور، ويستبدله بالركوع والإنحناء؟ هل من سيرة الشيعي في بلادنا وفي بلاد غيرنا أن يمتدح ويثني على جلاديه ويرى شرعيتهم وضرورة الولاء لهم؟".
ويصل في قرءاته إلى حدّ القول "الفرد الشّيعيّ اليوم يتحدّث عن جهة ما تمثّله، وتدافع عنه، وتواصل المواجهة والمقاومة لسياسات آل سعود التّمييزيّة ضدّه، دون أن يعني ذلك أنّه مستعد بالضّرورة لأن يأتي في المقدّمة". ويسأل بعدها: "بماذا يختلف القادة عن عامّة الجّمهور؟ أليس في رؤيتهم وشجاعتهم وممارستهم دور القيادة، فلماذا لا يقودونهم في الإتّجاه الصّحيح إن كان الأمر كذلك؟ وهو ليس كذلك؛ لماذا لا يحفّزوهم على النّضال والصّبر في طريق ذات الشّوكة؟".
وفي الفصل الأوّل، وعنوانه " التّمايز عن السّلطة السّعوديّة " يشير المؤلف إلى أنّ الشّيعة بالمعنى السّياسيّ: «أمّة»، والنّظام «أمّة أخرى».. وقد سالت بيننا الدّماء لسنين طويلة، وهناك جثث لضحايانا لم نعرف قبورها حتّى الآن. الفاصلة بيننا كبيرة، حتّى لو جاء هذا أو ذاك وأرادا تمييعها، خاصّة وأنّ ممارسات النّظام لازالت على ما هي عليه، تبقي النّفوس متحفّزة، والحدود والسّدود بيننا وبينه قاطعة.
ويؤكّد المؤلّف نظريته بوجوب الإبتعاد عن السّلطة لأنّه "كفيل بإنهاء قضيّتنا المحقّة؛ وأنّنا فئة مظلومة ومضطهدة بإعتراف حليف النّظام السّعوديّ الولايات المتّحدة الأميركيّة، وهذا ما يعطينا مشروعيّة أكبر لنخلق لأنفسنا حالة تحظى بشرعيّة، ودعم ومقوّمات ملموسة لنَقود الثّورة في وجه الجلّاد ونغيّر الواقع المأساوي".
وفي السّياق نفسه، يستمر د.حمزة الحسن بنقاش واقع الشيّعة المرير في المملكة ليخرج بشعار يفترضه أساس الإنطلاق والعمل وهو "ألف – باء النّضال، مقاطعة النّظام"؛ ويقول" يجب أن نرسل رسالة لآل سعود، ولعلماء الوهابيّة، ورؤوس الحكومة النّجديّة، عبر مقاطعتهم كما كنّا نفعل من قبل، فلا نسلّم عليهم، ولا نزورهم، ولا نشير إليهم كولاة أمر لا من قريب ولا من بعيد... وهذا أضعف الإيمان.."
" التّيه السّياسيّ وتداعيات إغتيال المعارضة " يتحدّث المؤلّف عن أنّه كان "لدينا مشروعًا سياسيًّا به قدر كبير من الوضوح، مع وجود فريق قوّيّ محترف قادر على الإطّلاع به، والسّير نحو أهداف واضحة وكبيرة. هذا المشروع إغتيل، وإستبدل بالّذي هو أدنى، فأصبحت الطّائفة تعيش تيهًا سياسيًّا قلّ نظيره في تاريخها.
الشّيعة وعبث الدّعوة إلى مفاهيم وطنية: هنا قمّة الدّهشة والإستغراب وفق د. الحسن، لأنّ أكثر من كَتَبَ ودعا إلى المواطنة والوطنيّة والوحدة والهويّة وغيرها من المفاهيم الّتي تصبّ بنفس النّتيجة، هم الشّيعة في السّعوديّة، ومع ذلك فهم أكثر من إتّهم في وطنيّته والعمالة للنّصارى أو الفرس أو اليهود؛ مّما جعل الشّيعة يعملون ليل نهار لردّ التّهمة؛ فإنشغلوا عن قضيّتهم وحقوقهمـ في حين أنّ كلّ المراكز في المملكة هي بيد النّجديين الوهابيّين، وهنا يتساوى الشيعة مع غيرهم من المسلمين في المملكة بأنّ اصحاب الحظوظ في الوظائف جميعها من الملك، حتّى المدرّسين في المدارس، والمشايخ في المساجد هم من أهل نجد، الّذين يرفضون الأخر كائناً من كان. من هنا يدعو الكاتب إلى محاربة هذه الهيمنة البشعة، ويقول، لا إندماج وطنيّ من دون مشاركة في صنع القرار السّياسيّ.
المشكل الشّيعي والخلاف على توزيع الثروة: يتساءل د.حمزة في هذا الفصل من الكتاب، "هل هي مصادفة أنّ الطبقة النّجديّة؛ فضلاً عن إدارة الدّولة، تمتلك معظم الثروة وتنتفع منها؟؟ ومن ثمّ يستعرض بالتّفصيل لائحة طويلة من الأشخاص والمناصب وموارد الثّروة، وكيفيّة تقسيمها على الأقليّة الحاكمة في المملكة في عمليّة تكامليّة بين السّلطة الحاكمة والسّلطة الدّينيّة الوهابيّة. وفي ظل هذا الواقع الأسود، يجاهر مؤلّف الكتاب بالدّعوة إلى المواجهة، ويقول: لا بدّ من دفع ثمن كي يصبح الشّيعة أصحاب قرار، وإلّا سنعيش أذلّاء وفقراء، فضلاً عن أنّنا كفّار وعملاء في نظر آل سعود.
أوهام التّعايش مع الوهابيّة. مع هذا العنوان نصل إلى الفصل الأخير من الكتاب ، حيث يؤكّد المؤلّف أن لا أرضيّة للتّعايش مع الحاكمين، لأنّ السّعوديّة بنيت على أيديولوجيا مناقضة لقبول الأخر، والوهابيّة لا تقبل التّعايش حتّى لو سُحق الطرف الأخر، ويُوضّح في الختام نقطة تضليلية، وهي شائعة في الشرق، من أنّ الشيعة في المملكة هم بمقابل السّنّة، بل في الحقيقة أنّ الشّيعة مقابل الوهابيّة، كما هو حال كل السّنّة في الشّرق والغرب يقفون في وجه الوهابيّة.