الشيخ النابلسي يعتبر العامل السياسي والاعلامي من معوقات التقريب والوحدة الاسلامية
تنا - بيروت
في حواره مع وكالة انباء التقريب من بيروت اكد سماحة الشيخ عفيف النابلسي ان المعوقات السياسية تحول دون ترجمة الوحدة الاسلامية الى وحدة حقيقة ، مطالبا الازهر وسائر المؤسسات الدينية العريقة بتكثيف جهودها لمساندة مشروع التقريب وترجمته على ارض الواقع .
شارک :
تعزيزاً لفكرة ومشروع وحدة الأمة من منظور اسلامي، وعلى قاعدة الرحمة الالهية المُنْزَلَة مع دين الله الحنيف، تتابع وكالة أنباء التقریب قيامها بواجبها في هذا الصدد، حيث تجول على عدد من العلماء الربانيين، المخلصين لله في طاعاتهم، لذا نراهم في قلب مشروع وحدة الأمة، لتقف على أرائهم وتستخلص منهم ما ينجّي المسلمين ويعيد البريق للإسلام، بعدما أوغلت يد الغدر فيه تشويها وافتراء.
في هذا الحوار كان من نصيبنا في وكالة أنباء التقریب أن نتشرف بلقاء سماحة العلامة الشيخ عفيف النابلسي ، الذي ما زال يمضي سنين عمره في خدمة الدين الحنيف المحمدي الأصيل، داعيا إلى الوحدة والتعايش والتلاقي، مصرا على العداء للصهاينة حتى زوالهم، مؤمنا أن النصر للمؤمنين. وهنا نورد نص المقابلة حرفيا لما يحتويه من قيمة معرفية ضرورية في سبيل الوحدة الاسلامية.
- هل يمكن التعايش السلمي في ظل الاختلافات المذهبية الموجودة؟ التعايش أصل والخلاف أمر عرضي وطارئ. ما يدوم بين الجماعات والشعوب هو التعايش والسلام. وإذا كانت الخلافات المذهبية ضاغطة اليوم بسبب التآمر على الإسلام وتغلغل اليد الاستعمارية في المنطقة للسيطرة على ثرواتها فهذا لا يعني أن إمكانية التعايش باتت معدومة وأن الحالة الخصامية بين المذاهب ستبقى إلى الأبد. أقول: إن هناك أشياء يجب على المسلمين القيام بها إذ لا يمكن أن يتخلوا عن مسؤولياتهم. فهل سيواصل المسلمون عملية دفن الرؤوس في الرمال ويماطلون إلى ما لا نهاية لتزداد الشروخات والانهيارات. لا شك أن المسؤولية تتوجه إلى المسلمين لفهم الذات التاريخية والسياسية وللبدء بحركة إصلاح لإنهاء التوترات الصراعية أولاً وثانياً لصد الهجمة الخارجية التي تهدف لتدمير الإسلام .
- الرأي العام يتوقع من مؤتمرات الوحدة الاسلامية نتائج ومكاسب ملموسة على ارض الواقع ، هل تحقق شيئ من هذا النوع وعلى اي مستوى ؟ لا شك في ذلك وإن كانت النتائج ليست على قدر الأمال والتطلعات لأن من يقوم بهذه المسؤولية دولة وحيدة هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي وليس كل دول العالم الإسلامي وكل المؤسسات الدينية الموجودة فيها فنحن نحتاج إلى أطراف أخرى غير مؤسسة التقريب ليكتمل المشروع وتتلاقى الجهود.
- كيف تستطيع المؤسسات الدينية الكبرى كالازهر ان تلعب دور في مجال ترسيخ ثقافة التقريب وازالة البغضاء والعدوات بين المذاهب الاسلامية ؟ سبق أن قلت أن على هذه المؤسسات تجاوز بعض الشكليات والبحث عن مشروع إسلامي واسع يجمع المذاهب الإسلامية في مؤسسة تعيد الألق لقضية التقريب . لا تزال هناك معوقات سياسية بالدرجة الأولى تحول دون ترجمة الوحدة الإسلامية إلى وحدة حقيقية . والشيء المؤسف أكثر هو النقاشات الإعلامية التي لا تهتم كثيراً بفتح فضاء جديد للفكر الاسلامي والعمل الجماعي الوحدوي . وأقصد بذلك فتح ممرات ضرورية من أجل إزالة موروث الماضي الثقيل وإزاحته من كل رواسبه الضاغطة على النفوس. إن مطلب الوحدة هو أعظم المطالب التي يجب أن يعمل كل المسلمين على تحقيقه والأزهر وغيره من المؤسسات الدينية العريقة مطالبة بتكثيف الجهود التي تمنح التقريب بعداً عملياً وليس فقط نظرياً.
- هل تجيز المذاهب الاسلامية استخدام العنف والقتل مع المختلفين معهم في فهم الدين والقران ؟ ليس هناك من بين المذاهب الإسلامية الأساسية من يدعو إلى العنف والقتل بالطريقة التي نجدها عند بعض الجماعات التي تبنت المنهج الوهابي حيث تعتبر كل من لا ينتمي إليها كافراً ومرتداً وبالتالي يستحق التعنيف أوالقتل .
إن هذا المنهج ( خوارجي الفكر والممارسة ) ويريد أن يأخذ الأمة الإسلامية إلى الانحلال والانحطاط وهو ينظر إلى الآخرين بعنصرية معرفية وفوقية سلوكية . إذ بحسب ميولهم ورؤيتهم المتعالية يتهمون كل المسلمين بالتقصير والقصور بحيث إن معظم المشاكل الكبرى والآلام الجماعية الجديدة التي تحدث في العالم الإسلامي هي بسببهم. هؤلاء يتحدثون عن وجود إسلام خارج الثوابت والقيم المتعارفة عند كافة المذاهب . هؤلاء يتحدثون عن إسلام يقوم على القمع والتعسف وقطعية التوجهات والأوامر التي تصدر عن أمراء أغلبهم من الجهلة الأميين هؤلاء يتلفعون بعباءة الماضي وثقل القرون الميتة لتحقيق فتوحات وأمجاد وهمية .
الايديولوجيا الطاغية عند هؤلاء هي ايديولوجيا الإقصاء لا السلام. والعنف لا الأمن. والتمايز لا التقارب. فإلى أين سنصل إن لم تجتمع إرداة المسلمين على نبذهم ومحاربتهم والحد من أضرارهم .
- يقال ان الكلام عن الوحدة الاسلامية ليس تكتيكا وانما استراتيجية اتخذتها ايران الاسلامية على عاتقها ضمن استراتيجيتها العامة في تعاملها مع شؤون العالم الاسلامية ، كيف تفسرون هذا الكلام ؟ في الوقت الذي تعيش فيه معظم الدول الإسلامية حالة من الضعف والتفكك ، وقدراً كبيراً من الإحباط واليأس ، وانحساراً خطيراً في المشاعر الوحدوية ، تسير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طريق الأمل والقوة والعلاقات الإسلامية والإنسانية في أرقى وأجلى صورها ومعانيها .
وبينما ترزح معظم هذه الدول في التعقيدات التاريخية والطائفية والقومية بما لها من مرارة ذاتية ، وتداعيات خطيرة على الروابط الأخوية والعواطف الإنسانية والقيم الدينية ، يجسد السلوك الإيراني صورة باهرة عن الثبات والتوحد والالتزام بالقضايا المقدسة. لم تمد إيران ما كرسه الاستعمار عبر سياسات التجزئة والتقسيم والفتن بسند واقعي تاريخي. لم تعطِ الاستكبار صك براءة على جرائمه وإفرازاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية. لم تعترف بدوره ونفوذه ووجوده السرطاني. لم تنخرط في مشاريعه. لم ترتمِ في أحضان ترتيباته الإقليمية.لم تسمح بإغراءته أن تصل إلى حدود الشعب الإيراني الأخلاقية والسياسية والاقتصادية.
الجمهورية الإسلامية الايرانية تنطلق من ضرورة الوحدة لمواجهة التحديات التي يفرضها الاستكبار على المسلمين. الوحدة كفكرة وقيمة ومشروع للمستقبل ، وإطار للعمل على صعيد الأمة كلها .
كحقيقة قرآنية وإنسانية في مواجهة الولاءات القبلية والتقليدية البائسة التي تعود بالمسلمين إلى زمن الجاهلية المرير. الوحدة كتطلع ونهوض يقتضيه واقع التحالفات الدولية على المستويات كافة. إن الموقف الفكري والسياسي للجمهورية الإسلامية الايرانية ينطلق من ضرورة تحويل الدولة الاسلامية إلى الدولة (الأمة) لجهة التعاون والتشارك في لجم الأخطار والانخراط في مشروعات بناء الحضارة الإنسانية على أسس جديدة ، وبالتالي الخروج من دائرة التنظير إلى مستوى التطبيق ومن حالة الأوهام إلى التكامل الفعلي بالتحرك نحو العصر والتاريخ !