الشيخ التسخيري يحث علماء المسلمين على مواكبة العصرنة
ان اهم الاسباب التي سمحت للغرب في بث افكاره العلمانية في العالم ونشرها بين المسلمين، هو دعمه للصحافة والمشاريع الإعلامية، والشواهد تؤكد على ان الشركات الغربية الناشطة في مجال الاعلام تحصل على دعم دائم من قبل حكوماتها.
شارک :
وكالـة أنبـاء التقريـب(تنـا) تتبوأ الصحافة والاعلام مكانة رفيعة في المجمعات البشرية المعاصرة، وهي قادرة على تخطي الحدود والتسلل الى داخل البلدان حيث لاتوجد قدرة تصدها او تمنعها، وكشاهد على ذلك هو الانتشار الواسع لمواقع الانترنت، التي استطاعت ان تدخل المجتمعات الاسلامية والعربية بدعم مباشر او غير مباشر من الغرب، لدس الافكار العلمانية بين الشعوب وذلك في ظل العولمة الحديثة، وبسبب هذه التطورات نرى أن العالم قد تحول الى ساحة حرب اعلامية عنيفة، والطرف الذي يمتلك تقنية اعلامية أكبر وأحدث هو المنتصر فيها.
وحول هذا الموضوع حاورنا سماحة الشيخ الدكتور محمد مهدي التسخيري المستشار الاعلامي للامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية ومدير عام وكالة انباء التقريب، ووجهنا اليه الاسئلة التالية :
س : شهد الاعلام العالمي خلال السنوات الاخيرة هجمة اعلامية شرسة من جانب الغرب ضد المسلمين ومقدساتهم الدينية، ماهي الاسباب التي ادت الى نجاح الاعلام الغربي وانتصاره في غزو البلدان الاسلامية وغيرها من بلدان العالم ثقافيا واعلاميا؟ ان اهم الاسباب التي سمحت للغرب في بث افكاره العلمانية في العالم ونشرها بين المسلمين، هو دعمه للصحافة والمشاريع الإعلامية، والشواهد تؤكد على ان الشركات الغربية الناشطة في مجال الاعلام تحصل على دعم دائم من قبل حكوماتها، كما أن الشركات التجارية الكبرى تخصص قسما كبيرا من مواردها لدعم المشاريع الاعلامية والصحفية التي تسعى وراء نشر الثقافة الغربية في العالم.
كما ان الحكومات الغربية تنظر الى المؤسسات الاعلامية بصفتها شركات استثمارية ذات موارد مالية جديرة، لذلك تقدم لهذه المؤسسات حماية ودعما كبيرا. والأمر الملفت في هذا الشأن هو ان الحكومات الغربية وبسبب الازمة المالية العالمية فرضت على معظم شركاتها التجارية والدوائر الحكومية ان تسرح ما يقارب ٤٠% من موظفيها، كما حصل ذلك في بريطانيا وبعض الدول الأروبية الكبرى ايضا، لكن نرى في المقابل ان المؤسسات الاعلامية مستثناة من هذا القانون بل العكس صحيح، اي ان الحكومات الغربية بادرت بمضاعفة دعمها لهذه الشركات بدل تقليص كوادرها، فالمبدا الرائج في الغرب هو انه لا يمكن لأي تيار او جهة منع الحركة الاعلامية والصحفية في العالم الغربي.
فمن الطبيعي ان الاعلام الذي ينعم بهذا الكم من الدعم يحصل على ما يكفيه من دوافع ومحفزات للابداع واستمرار مشواره ونشاطاته باقتدار.
لكن للاسف لا يوجد دعم كافي للمؤسسات الاعلامية في البلدان العربية والاسلامية، لذلك نرى ان الغرب اصبح مصدرا للغذاء الاعلامي في العالم الاسلامي.
هناك جانبان من النشاط الاعلامي في الغرب، الجانب الاول يرتبط بالتغطية الخبرية للاحداث، والثاني هو الجانب التحليلي للأخبار والأحداث والذي يتخذ طابعا ثقافيا ويسعى لنشر الثقافة الرأسمالية والعلمانية الغربية.
وعبر هذه النافذة يستخدم الغرب جميع قدراته من اجل انجاح مشاريعه الاعلامية لتكريس النهج والفكر الغربي المناوئ للمسلمين في العالم. وبالاحرى غزو العالم بافكاره العلمانية والغاء الطابع الديني وابعاد الشعوب عن عقائدهم الدينية والاسلامية.
ويقوم الغرب بهذه الخطوات بعد دراسة دقيقة للظروف والحالات التي تناسب المجتمعات الشرق اوسطية والاسلامية، بكافة شرائحها واطيافها ثم يخصص لكل منها البرامج الاعلامية والثقافية الخاصة بها.
س : في هذه الاجواء التي يتعرض العالم الاسلامي لغزوات اعلامية كبيرة من الغرب ما هي السبل الكفيلة بتغيير هذا المسار الاحادي الجانب في الاعلام العالمي والتقليص من السطوة الغربية له؟ ينبغي على الحكومات والمسؤولين في العالم الاسلامي والعربي ان يدركوا اهمية الاعلام وقيمته في المجتمع والسبل العملية لتوظيفه في صالح اهدافهم ومبادئهم الاساسية، ولايكفي اطلاق الشعارات في هذا الامر بل يجب ان ينتقل اصحاب الرأي والقرار من الشعارات الى الواقع والتطبيق من اجل تحقيق النهوض في مجال الاعلام والصحافة الاسلامية.
وفي هذا السياق يجب ان تقوم الحكومات الاسلامية بواجبها في دعم الصحافة والاعلام من كافة الجوانب وليس الجانب المادي والاقتصادي فحسب بل هناك الدعم المعنوي ومنح الحريات اللازمة واعطاء المجال للنقد الصحفي والحوار وأن يسمح للصحافة بممارسة نشاطها وتتبع اهدافها للدفاع عن المشاريع الوطنية والاسلامية.
س : الى اي مدى يمكن للاعلام التوجه الى الشؤون الدينية وما هي الامور التي يجب على الاعلامي رعايتها في هذا الخصوص؟ المواضيع الدينية تنقسم الى نوعين، النوع الاول هي المواضيع العامة والتي ترتبط بتعاليم الدين وعقائد الاسلام ولا ضير في طرحها عبر وسائل الاعلام بكافة مجالاته، طبعا لا ينحصر التعليم بالمحاضرات او الخطابات الدينية فحسب، انما توجد طرق عديدة لتقديم التوعية الدينية، ويمكن استخدام وسائل الاعلام لهذا الغرض، مما يؤدي الى اجتذاب الشباب وانتمائهم لتلك المعتقدات ليكونوا حماة لها.
ويجب أن تطرح المواضيع والتساؤلات الدينية العامة عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، باشراف الخبراء واصحاب الرأي لمناقشتها بشكل بناء وصحيح. واذا استطعنا ان نقدم هذا النوع من التفسير لعقائدنا عبر الاعلام الحر والبناء عندئذ لا يمكن للعلمانية ان تبعد المسلمين عن معتقداتهم الدينية، او تهمّش الدين وتجعل منه اراءا شخصية لا دخل لها بالساحة والواقع الاجتماعي، كما هو الحال في الغرب.
والقسم الثاني من المعتقدات الدينية هي النصوص التخصصية والاكاديمية، والتي يجب اخذ الحيطة والحذر عند تناولها في وسائل الإعلام، كما يجب تخصيص الوقت والمجال المناسب لطرحها؛ ومن الضروري ان تطرح بواسطة الخبراء او تحت رعايتهم في ورشة دينية وعلمية ولا يجوز مناقشة الاشكاليات والشبهات الدينية الاختصاصية بدون الاشارة الى الحلول الصحيحة، لأن ذلك سيولد اشكالية اخرى يثير التيه في اطياف المجتمعات الاسلامية خاصة عامة المسلمين، وهو ما يرمي اليه الغرب من خلال محاولته الاعلامية المدسوسة.
س : ما هو التقييم الصحيح لتواجد وحضور علماء المسلمين والمفكرين في الساحة الاعلامية، هل استطاعوا ان يتخذوا الخطوات الاساسية والصحيحة في هذا الشأن؟ برأيي قدم علماؤنا ومفكيرنا خدمات كثيرة وجديرة بالاهتمام في ما يخص العمل الثقافي والعلمي لكنها لم تصل الى المستوى الاعلامي المطلوب، بل تسير على نفس الخطى التقليدية الماضية ونخص بذلك المشروع الانتاجي والمعرفي، ومن جانب آخر يلاحظ في الغرب ان الكتب الدينية تصدر بصورة يمكن طرحها في اطار مسرحي او اي نموذج يوائم متطلبات الانسان العصري، في حال ان الكتب الاسلامية التي يؤلفها علماء المسلمين تكدست في المستودعات وهي لا تستخدم الا من قبل النخب وشرائح خاصة في المجتمعات الاسلامية، لذلك لا يمكن تصنيفها ضمن الانتاج العلمي المرغوب او المشروع التوعوي الصحيح الذي ينادي به الاسلام.
ومن اجل نشر الآراء والافكار الدينية وايصالها الى كافة الشرائح والاطياف في المجمتعات المعاصرة ينبغي على نخبة المسلمين والعلماء مواكبة التطورات التقنية واتخاذ الطرق الحديثة لتكون همزة وصل بينهم وبين الاجيال القادمة في هذه المهمة الخطيرة.