تاريخ النشر2011 18 January ساعة 14:03
رقم : 37220

ثورة تونس.. فشل الحرب على الهوية الإسلامية

الطاغية بن علي أعلن الحرب على كل المظاهر الإسلامية
ثورة تونس.. فشل الحرب على الهوية الإسلامية

وكالة أنباء التقریب (تنا) :
أكد مفكرون ومثقفون مصريون أن نظام تونس الاستبدادي الذي أصر على استئصال الهوية العربية والإسلامية من البلاد، وأعلن الحرب على الإسلام في مناحي الحياة التونسية كافة؛ كان العامل الأساسي في نشوب ثورة الشعب التونسي منذ أيام، والسبب الرئيسي في سقوط النظام المستبد بهذا الشكل المهين.

وأوضحوا أن اندلاع الثورة كان أمرًا بديهيًّا في بلد يبلغ شعبه ١٠ ملايين نسمة، ويقدر عدد المسلمين فيه بـ٩٨%.

تونس والإسلام
وبالتقليب في صفحات التاريخ، نجد أن تونس دولة رائدة كان لها السبق في الإسلام في شمال إفريقيا، وكانت قاعدة مهمَّة لانطلاق الجيوش والدعاة والعلماء إلى أقطار إفريقيا المختلفة، ومنذ الاحتلال الفرنسي لتونس عمل الاحتلال وأتباعه على تحويل هذا البلد إلى مركز للعلمانية، وللطريق إلى ذلك اتخذت قيادات تونس خطوات واسعة نحو علمانية شاملة في جميع الجوانب التعليمية؛ حيث بدأت بتغيير مناهج التربية الإسلامية في القطاعات التعليمية كافة، وصولاً إلى جامعة "الزيتونة"، ووضعوا جل تركيزهم على تغيير مادة التربية الإسلامية من عدة جوانب، فبدءوا في التشكيك في كل شيء، بما في ذلك المعلوم من الدين بالضرورة، مثل الأنبياء والعصمة والملائكة والقرآن والسنّة ونحوها من المسائل الغيبية!!.

كما تم استبعاد الموضوعات الشرعية والفكرية الإسلامية التي لها علاقة بالفكر السياسي الإسلامي، مثل الحكم والخلافة والحاكمية، وركزت المناهج الجديدة على إظهار التاريخ الإسلامي السياسي بمظهر الصراع اللانهائي على السلطة، والقتل والخداع والمحاربة من أجل "الكرسي" والحفاظ على العرش، حتى ولو سُخر الدين ووُظفت آلياته في سبيل ذلك!.

وبدأت المدارس والجامعات التونسية في تدريس "التوراة والإنجيل" لكل الطلبة حتى المسلمين، مدعية أن ذلك في إطار ما يسمى بالانفتاح على الحضارات والديانات الأخرى!.

وكانت الجامعات التونسية بدأت منذ سنوات تدريس اللغة العبرية، واعتمدت كليتا "سوسة" و"منوبة" للآداب والعلوم الإنسانية اللغة العبرية مادة اختيارية، رغم احتجاج بعض أساتذة التعليم العالي المناهضين للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني!.


قلب أحكام الإسلام!
وعندما تولَّى حكم تونس الحبيب بورقيبة انتهج نفس نهج الاحتلال، ومضى على دربه زين العابدين بن علي (الرئيس التونسي المخلوع)؛ حيث أصدر بورقيبه بعد ٣ أشهر فقط من الاستقلال مجلة تحت اسم "مجلة الأحوال الشخصية"، وفي هذه المجلة بدأ يصدر التشريعات التي تعيد تشكيل المجتمع التونسي وفق الرؤية الفرنسية، وهكذا بدأت تتوالى التشريعات المخالفة للإسلام منذ

الأيام الأولى لحكم بورقيبة، فصدر قانون منع تعدُّد الزوجات.

وحدثت القصة الهزلية التي دهمت فيها الشرطة منزل رجل أُشيع عنه أنه تزوج بامرأة ثانية، فلما وجدوه مع زوجته الثانية قال لهم: إنها عشيقتي! فتركوه معتذرين له!؛ لأن اتخاذ عشيقة حرية شخصية كما ينص عليه الدستور الفرنسي، بينما اتخاذ زوجة ثانية جريمة يعاقب عليها القانون!.

كما صدر قانون يبيح التبني، وصدر قانون آخر يمنع الزوج من العودة إلى مطلقته التي طلقها ثلاثًا بعد طلاقها من زوج غيره، وصدر قانون يمنع الزوج من طلاق زوجته إلا بإذن من القضاء.

وسمح بورقيبة للمرأة بالإجهاض، بل سمح للزوجة أن تجهض نفسها دون استشارة زوجها، ورفع سن زواج الرجال إلى عشرين سنة، والبنات إلى ١٧ سنة، بل إن تونس صادقت على اتفاقية نيويورك المؤرخة في ١٠ ديسمبر سنة ١٩٦٢م، والتي تقضي بأن من حق المرأة أن تتزوج من أي رجل دون اعتبار للدين، ومن ثَم يمكن للمرأة التونسية المسلمة أن تتزوج من غير مسلم!.

لقد صدرت هذه القوانين تباعًا في مجلة الأحوال الشخصية، وحدثت اعتراضات كبيرة جدًّا في المجتمع التونسي، غير أن بورقيبة الذي تشرَّب المنهج الفرنسي كاملاً واجه هذه الاعتراضات بدموية شديدة، وبقسوة بالغة، ولم ينظر إلى أن الدستور التونسي يعتبر الإسلام دين الدولة، ولعب بمشاعر الشعب بشكل لم يره الشعب من المحتل الفرنسي!.


تحريم الصوم والصلاة
كما دعا عام ١٩٥٦م إلى تحريم الصوم على الشعب التونسي؛ حتى في شهر رمضان، بدعوى أن الصوم يقلِّل الإنتاج ويعوق تقدم تونس ونهضته!!.
وحتى الصلاة لم تسلم من مخططات قادة تونس لتدمير الهوية الإسلامية والعربية لشعبها؛ حيث جعلوا من الصلاة والحث عليها جريمة تستحق العقاب، ووجهت تهمة ارتكاب جريمة مخالفة للقانون إلى أحد الطلاب الذي طالب بإنشاء مسجد للصلاة داخل الكلية، واتهموه بالتحريض على رفع الأذان فيها، وجريمة إقامة الصلاة في ساحة الكلية!.

كما أعلن وزير الداخلية التونسي الهادي مهني أن الصلاة لن تجوز سوى "بالبطاقة المغناطيسية" لكل مصلٍ لتنظيم الصلوات في المساجد وترشيدها, كما أعلن أن وزارة الداخلية ستقوم بتسليم كل من يتقدم بطلب بطاقة تمكنه من ارتياد أقرب مسجد من محل سكنه فقط أو من مقر عمله إذا اقتضت الحاجة، ولن يسمح له بغيرها من المساجد!.

وأوجب على المصلي التقدم بطلب بطاقة خاصة، يبدي فيها رغبته في صلاة الجمعة!، وشدد على أئمة المساجد أن يتأكدوا من أن جميع المصلين داخل قاعة الصلاة حاملون لبطاقاتهم, كما يتعين على كل إمام طرد كل مصل لا يحمل بطاقة أو على بطاقته اسم مسجد آخر غير الذي يصلي فيه!!


جمع الجمعة بالعصر!
كما فرض النظام يوم الأحد عطلةً أسبوعيةً بدلاً من الجمعة، وعندما تضرر المواطنون التونسيون من حرمانهم من صلاة الجمعة، لجأ بورقيبة إلى إصدار فتاوى من بعض المشايخ تقضي بجواز الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر معًا؛ بحيث يتم تقسيم المساجد يوم الجمعة إلى قسمين الأول يؤدِّي الصلاة في وقتها، بينما القسم الثاني يؤجِّلها إلى ما قبل صلاة العصر بنصف ساعة حتى تتاح للموظفين العموميين
الصلاة!.

هذا فضلاً عن أن جميع خطب الجمعة تأتي مكتوبة وموحدة بجميع المساجد، وعلى الخطباء الالتزام بها، وإلا تعرضوا للمساءلة، وأغلبها يتحدث عن أهمية الحفاظ على قواعد السير والمرور بالطرق تجنبًا للحوادث المروعة، التي تتضاعف خلال عطلة الصيف، وكيفية انتعاش السياحة الداخلية والخارجية، وأهمية الحفاظ على الزهور بالشوارع والحدائق العامة، وتختتم الخطبة بالدعاء للرئيس ولوزير الداخلية ورجال الشرطة!.

وجميع المساجد بتونس تخضع لنظام صارم، يقضي بفتحها أمام المصلين في أوقات الصلاة فقط، ويتم بعدها إغلاق أبوابها فورًا، ولا يسمح القائمون عليها لأي مصلٍ بالبقاء داخل المسجد، كما يحظر عقد أي تجمع أو اجتماع داخل المسجد تحت أي مسمى مهما كانت الأسباب!.

تجريم الحجاب!
كما شهدت تونس محاولات مستميتة للقضاء على الحجاب، بسبب الصحوة الإسلامية التي حدثت في السبعينيات؛ وأصدر بورقيبة قانونًا في سنة ١٩٨١م، الذي عُرف بمنشور رقم "١٠٨"، والذي وصف فيه الحجاب بالزي الطائفي، ووزعت الجهات الرسمية على أئمة المساجد منشورًا تحثهم فيه على تشجيع خلع المرأة حجابها، وأنه ليس من الدين في شيء!!.

وهاجم وزير الشئون الدينية التونسي أبو بكر الأخزوري الحجاب في أكثر من مناسبة، ووصفه بالدخيل والنشاز غير المألوف على المجتمع التونسي، وقال "الأخزوري" واصفًا الحجاب بأنه زي طائفي يخرج مَن يرتديه عن الوتيرة المألوفة، واعتبره ظاهرة تتسبب في تراجع المجتمع التونسي!.

وأضاف بورقيبة أن الحجاب زي طائفي، يؤدِّي إلى انقسام المجتمع، مع أن نسبة المسلمين في تونس أكثر من ٩٨%، ونسبة النصارى ١%، ونسبة اليهود أقل من ١%!.

ونشطت الشرطة في مطاردة المحجبات في الشوارع، ومنعت المحجبات من الأعمال الحكومية، وتعرض الأزواج والآباء للمساءلة في حالة وجود محجبة في بيوتهم، بل إن المحجبة كانت لا تستطيع أن تلد في مستشفيات الحكومة!!.

وفي خطوة تأكيدية لهذا القانون الإجرامي، صدر قانون آخر يُعرف بقانون (١٠٢) في سنة ١٩٨٦م يؤكد على خطر الحجاب بشكلٍ تامٍ على نساء تونس!!.

الحجاب و"بن علي"
وفي عام ١٩٨٧م -وبعد ٣١ سنة من حكم بورقيبة- قام وزير الداخلية "زين العابدين بن علي" بانقلاب على الرئيس بورقيبة ليتولى زمام الحكم في البلاد من وقتها وإلى زماننا هذا، وأجبر الطالبات الملتحقات بالجامعات المختلفة، على توقيعهن على إقرار، مفاده أنهن لن يدخلن الجامعة إلا "برأس مكشوف"!!، وأن الطالبة التي لن توقع على المرسوم سيتم حرمان دخولها الجامعة، بل وستتعرض لملاحقة قضائية، على حدِّ وصف المرسوم!!.

كما لم يغفل ذلك المرسوم الطلاب الذكور؛ حيث شرط عليهم دخول الجامعة بذقن محلوق؛ حيث إن اللحية تُعَدّ خطرًا داهمًا على الجامعات التونسية!. 

وحول تأثير الحرب التي قام بها نظاما بورقيبة وزين العابدين على الهوية الإسلامية والعربية، وهل عاد الشعب التونسي إلى حضنه العربي والإسلامي مرة أخرى؟، أم أن ما حدث كان ثورة جياع ليس لها علاقة بالهوية والانتماء..؟ اسألة طرحت على عدد من المفكرين والمثقفين المصريين :




بدايةً يقول المستشار طارق البشري، المفكر والمؤرخ
الإسلامي ونائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن ما حدث في تونس من هبةٍ شعبيةٍ قويةٍ أمرٌ طبيعيٌّ، في ظل امتداد حكم نظامٍ فاسدٍ وغير قومي، والذي سعى بكل ما أُوتي من قوة لتدمير هوية شعبه وعدم احترام ثقافتهم الإسلامية والعربية.

ويوضح أن النظام السابق كان نظامًا غير وطني بالمرة؛ حيث سعى إلى تحطيم الشعور بالذات لدى المواطن التونسي، ولم يحترم خصوصياته، بل سعى إلى تحطيم هويته الثقافية والوطنية والدينية.

ويؤكد أن تحطيم الهوية العربية والإسلامية للشعب التونسي من قِبَل حكامه المستبدين، كانت من أهم عوامل سقوط النظام الحالي، لأن الشعب التونسي على الرغم من المظاهر الغربية التي اجتاحته، لكنه رفض كلَّ مخططات طمس هويته العربية والإسلامية، والتي ظهرت في ثورته الأخيرة.

ويشير إلى أن اعتداء "زين العابدين بن علي" على الهوية من خلال مظاهر عدة، يثبت انصياعه التام للغرب والعلمانية، ويثبت استهانته الكاملة برغبات شعبه واتجاهاتهم ومعتقداتهم، على الرغم من أن عدد المسلمين فيه يقدر بـ٩٨%، وينص دستوره على أن الإسلام هو دين الدولة، وأن لغته الأساسية العربية.

ويرى أنه على الرغم من أن السنوات الماضية التي سعى فيها حكام تونس المستبدون إلى طمس هوية شعبهم الإسلامية والعربية، سيكون لها أثر سلبي على عقول الشعب التونسي، خاصة الجيل الصغير منه، لكنها ستخلق إرادةً قويةً لديهم، بأنه لا يرأسهم ولا يتولاهم إلا من يتعهد باستعادة هويتهم الإسلامية والعربية الضائعة.

تجفيف منابع الإسلام "تجربة العلمنة" 


ويؤكد المفكر الدكتور رفيق حبيب أن تونس منذ عهد الحبيب بورقيبة تمثل النموذج العربي الأكثر "علمنة"، مع حفاظها على إقامة علاقات جيدة مع الغرب، والتي سبقتها بها مصر ورئيسها السادات الذي قاد تلك العلاقات عقب الاحتلال الصهيوني سيناء، وكانت تلك العلمانية تُفرض من قِبَل النظام الحاكم عن قناعة وبالقوة الجبرية، وبصورة جذرية تستأصل وتتحدى الهوية العربية والإسلامية بصورة لم تحدث من قبل. 

ويضيف قائلاً: إن بعد ما فعله الحبيب بورقيبة من استبدال هوية فرنسية خالصة بالهوية العربية والإسلامية، عمل خليفته زين العابدين بن علي على تجفيف منابع الثقافة الإسلامية من الجذور، وهو ما يحاول النظام المصري تنفيذه منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي مقتضيًا بالتجربة التونسية، ولكنه لم ولن يفلح في تحقيقه، وذلك للنزعة الإسلامية الواضحة التي يتمتع بها الشعب المصري.
ويوضح أن تلك العلمانية والتغريب ومحو الهوية التي سار على نهجها النظام التونسي أدَّت إلى تفكيك المجتمع من أي هوية جامعة، وأفقدته بعضًا من ذاته الحضارية، وأدَّت إلى تهميش فئات واسعة منه، وأدَّت كذلك إلى انتشار الفقر والبطالة، وجعلت التنمية حكرًا على الفئة المرتبطة بالنظام الحاكم فقط، كما تم ضرب الهوية العربية والإسلامية ورموزها في تونس، كما حدث مع حركة النهضة التونسية، فتردت أحوال المجتمع على جميع الأصعدة.

ويؤكد أن ما رأيناه في تلك الثورة هو عودة لتلك الهوية رغم كلّ القيود، التي عرَّضت المجتمع لضغط شديد، أدَّى إلى حدوث ذلك الانفجار، فما حدث في تونس هو انتفاضة شعبية تريد حاكمًا حرًّا عادلاً، وتريد كذلك استعادة هويتها وحقوقها التي سُلبت منها.

ويُحذِّر د. حبيب من فشل تلك الثورة إذا لم
يتوفر لدى الشعب الوعي الكامل بالقضاء على جميع مظاهر الاستبداد والفساد، فبسبب ضرب نظام الرئيس المخلوع "بن علي" لكل القوى والحركات السياسية؛ أصبحنا نرى الشعب يتحرك دون قيادة؛ ما يجعلنا أمام طريقين لا ثالث لهما، فإما أن ينجح الشعب في تحقيق مطالبه، أو يستطيع الرئيس المخلوع أن يستعيد سلطاته وحكمه كما كان.

قمع الدين 


ويتفق معهما في الرأي الدكتور جابر قميحة، أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس؛ حيث يؤكد أن من عوامل سقوط النظام التونسي الحالي بلا شك هو ديكتاتوريته المطلقة، وقمعه الدين الإسلامي، وطمسه الهوية الإسلامية والعربية.

ويرى أن تلك العوامل تُعدُّ بمثابة جرس إنذار لكلِّ الأنظمة المستبدة في الوطن العربي؛ لأن مَن يحارب الإسلام في شتى مناحي الحياة، ويستميت في ضرب الإسلاميين، لا بدَّ أن تكون نهايته هي الإطاحة، أو هروبه ذليلاً، لأن هذه هي سنة الحياة.

ويلفت النظر إلى أن مَن يقرأ التاريخ سيجده يعيد نفسه اليوم مرة أخرى، مشيرًا إلى أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

ويبين أن معركة طمس الهوية الإسلامية والعربية في تونس، خُطط لها منذ زمن طويل، إلا أن إرادة الشعب التونسي أثبتت أنها أقوى من أي قمع مهما طال الزمن، مستبشرًا خيرًا بما قام به الشعب التونسي، ومن وصوله إلى النصر والحرية.

ويوضح أن ما حدث في تونس يضع أصابعنا على حقيقتين لا ينكرهما أحد: الحقيقة الأولى أن الظلم والديكتاتورية والحرص على السيطرة لا يمكن أن تستمر، فلها نهاية مهما طال الأمد.

ويضيف قائلاً: إن الحقيقة الثانية تتمثل في أن إرادة الشعب لا يمكن أن تتهدم أمام أي سلطة مهما كانت قوتها، ولن تستسلم هذه الإرادة وهذا الإصرار إلا بالتنفيذ العملي، وليس بالوعود الزائفة الشفوية، موضحًا أن شعب تونس داوم على الحركة في تطورات وإضرابات وزحوف مستمرة لا تهدأ أبدًا. 

ويستشهد ببيت من قصيدة الشاعر التونسي أبو قاسم الشباني الطويلة التي يقول فيها:
سيجرفك السيل سيل الدماء    ويأكلك العاصف المشتعل

ويضيف د. قميحة قائلاً: إن هروب الرئيس المستبد "بن علي" فجأة ولجوءه إلى بلد عربي آخر يُعدُّ استسلامًا لإرادة الشعب وإصراره، وسيكون له تأثير كبير على نُظم الحكم القائمة في البلاد العربية، موضحًا أن أغلب حكام البلاد العربية يدعون أنهم يطبقون النظام "الجمهوري"، ولكنهم مدوا حكمهم إلى عشرات السنين، واخترعوا ما يمكن أن نسميه بالنظام "الجمهوملكي"، وهو نظام ليس له وجود في الوطن العربي.

نُظم بوليسية
ويشير الدكتور حلمي القاعود، المفكر والكاتب الإسلامي، إلى أن نظامي حكم الرئيس المخلوع "بن علي" وسلفه "بورقيبة" هما نظامان عميلان يقومان بالحكم بالوكالة للاستعمار الفرنسي، ويعيش ذلك النظام ويستمر في محاربة الإسلام والهوية العربية، موضحًا أنهما مثال لنظم الحكم البوليسية التي تحكم بالعصا الغليظة، بغرض التقرب من الغرب الاستعماري الذي يتصوره ذلك النظام على أنه الحامي والضامن الوحيد له لبقائه، فيتجرأ على الإسلام. 

ويبين أن الإسلام هو الكلأ المُباح بالنسبة إليهم وليس له نصير، وأهله مستباحون في جميع الأمصار؛

ولذلك فهو استأصل الإسلام من التشريعات والتعليم والثقافة والفكر، والسياسة وكل ما كان للإسلام تأثير ملحوظ به، وهذا الفكر يقدمه أولئك الطغاة للغرب على أنه القربان من أجل البقاء على سدة العرش، فـ"بن علي" وصفته فرنسا بأنه "المُعجزة الاقتصادية"، بالرغم من تضاعف ديون بلاده في عهده، ديون تونس، عندما تولى بن علي الرئاسة كانت تبلغ ٦.٥ مليارات دولار، في حين أنها أصبحت الآن ١٤ مليار دولار.

ويؤكد د. القاعود أن الثورة الأخيرة تُمثِّل التعبير الأمثل عن عذابات وآلام شعب كامل تجرَّع الهوان لمدة ٤٠ عامًا، والتي اجتمعت بها كلَّ الأسباب المحرِّكة لشعب يبحث عن حريته، ومُستعد أن يبذل في سبيلها كل غالٍ ونفيس.

ثقافة مُتجذِّرة
ويشدِّد الدكتور خالد فهمي، الأستاذ بكلية الآداب جامعة المنوفية، على الخطأ الشديد الذي يقع فيه كل مَن يظن أن الثقافات المُتجذِّرة يمكن استئصالها بسهولة، فالفتح الإسلامي لتونس جاء منذ ١٣٠٠ عامٍ تقريبًا على يد نوع من الفاتحين يُسمى "المُجاهدين القراء" من الصحابة والتابعين، الذين مكثوا واستقروا بتونس وبلاد المغرب العربي لتعليم الناس وتوطين الثقافة الإسلامية في نفوسهم، فذلك النوع من الثقافة والهوية لا يمكن اقتلاعه، فله جذور تمتد لمئات السنين.

ويكمل أن من أشهر المنابر الإسلامية المُؤثرة عبر التاريخ الإسلامي كانت جامعة "الزيتونة التونسية"، وبالطبع كان لها تأثير عميق في الثقافة والهوية التونسية، وكان لشيوع الثقافة العربية والإسلامية وسيطرتها بتونس مظاهر عدة؛ فشيخ الأزهر السابق "محمد الأخضر حُسين" كان تونسي النشأة، وكذلك المفكر العربي والإسلامي الشهير ابن خلدون، موضحًا أن هناك نوعًا من تبادل الدعم الثقافي الإسلامي والعربي بين تونس والبلاد العربية وعلى رأسها مصر؛ ولذلك مُورس ضدها وضد شقيقتها الجزائر عمليات محو الهوية في أبشع صورها من قِبَل الاحتلال الفرنسي والأنظمة العميلة التي جاءت بعده.

ويستطرد قائلاً: إن طمس الهوية في تونس تمثل في اقتلاع اللسان العربي، ومحاربة السمت الإسلامي العام بكلِّ طقوسه وتقاليده؛ ما جعلنا نشاهد محاربة مستميتة للرموز الإسلامية (كراشد الغنوشي وحزب النهضة التونسي)، كما شنت تلك القوى حربًا شعواء على الحجاب، وقننت منع الصيام في رمضان بحجة تأثيره السلبي على الإنتاج، مشيرًا إلى أنها في المقابل أصدرت تراخيص لبيوت المتعة دعمًا للفساد والانحلال.

ويوضح أن فترة "بورقيبة" و"بن علي"، وما قبلها من احتلال غربي فرنسي، حاولت أن تمحو الهوية العربية والإسلامية التونسية كانت تواجه حضارة إسلامية تونسية عمرها ١٣٠٠ عام تقريبًا، يستحيل أن يتم محو جذورها في عشرات السنين.

ويؤكد د. خالد أن النخب الإسلامية كان لها تأثير في اندلاع الثورة، فمن خلال قراءة صامتة لجموع المحتجين وأزيائهم وهيئتهم تبين أن الهوية الإسلامية والعربية لها تأثير واضح وجلي على فئة كبيرة منهم، وكل ما نخشاه هو أن تتم سرقة هذا النصر لصالح توجهات علمانية صرفة كنظام الحكم السابق، في إقصاء واضح لجميع الفئات الوطنية الموجودة على الساحة وعلى رأسها التيار الإسلامي. 
اخوان اون لاين

https://taghribnews.com/vdcfx0dm.w6de0aikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز