يجب أن نفتح للأمة آفاق الشعور بالهدف الكبير الذي ينتظرها في حاضرها ومستقبلها حين تخدم الوحدة قضاياها المصيرية على أكثر من صعيد، وأن نعمل على تعميق روح التقوى والالتزام بعيداً عن كلّ أوضاع العصبية والانغلاق .
شارک :
وكالة أنباء التقریب (تنا) : العلامة المرجع الراحل محمد حسين فضل الله ونعتقد أنَّ اللقاءات العامة والخاصة بين القيادات والفعاليات وبقية أفراد الأمة من المذاهب المختلفة، يمكن أن تساهم مساهمة كبيرة في تذويب الجليد، وتوضيح الصورة، وإزالة الغموض، وتقريب وجهات النظر وتأليف القلوب، كما يمكن أن تساهم في ذلك علاقات الزواج المتبادلة التي تصنع قرابة النسب إلى جانب الإسلام. وقد نستطيع الوصول إلى بعض النتائج الإيجابية في العمل على القضاء على المجتمعات المذهبية المنفصلة على مستوى القرى والمناطق والمحلات، حتى لا يكون لدينا مجتمع شيعي مغلق في مقابل مجتمع سني مغلق، بل نصل إلى المجتمع المنفتح المتفاعل الذي تمتزج فيه التجربة الإسلامية فيما تحمل من عناصر اللقاء والخلاف معاً على أساس فكري أو اجتماعي أو سياسي.
وربَّما كان من الضروري للمحافظة على هذا الهدف الكبير، أن نفتح للأمة آفاق الشعور بالهدف الكبير الذي ينتظرها في حاضرها ومستقبلها حين تخدم الوحدة قضاياها المصيرية على أكثر من صعيد، وأن نعمل على تعميق روح التقوى والالتزام بعيداً عن كلّ أوضاع العصبية والانغلاق. وقد نكتشف أساليب أخرى في الوصول إلى تحطيم الحواجز النفسية بين المسلمين، لأنَّنا لـم نقصد الحصر في ما ذكرناه، بل كنّا نستهدف تقديم النماذج التي توحي بالفكرة.
النقاش العلمي للأفكار
ونلتقي في الجانب الفكري بالفوضى التي يعيشها المفكرون المسلمون في تقويم أفكار بعضهم البعض، كنتيجة لأجواء الجدل التقليدي المتخلّف الذي لـم يكن يبحث عن الحقيقة في ما يمارسه من أساليب، بل كان يبحث عن تسجيل النقاط السلبية ضد هذا الفريق أو ذاك، بعيداً عن النقاط الإيجابية. فليست القضية عندنا أن نبحث عن الواقع الفكري الإسلامي لهذا المفهوم أو ذاك، بل أن نكتشف نقاط الضعف في ما يعتقده الفريق الآخر لنثبت سقوطه، فإذا لـم نصل إلى نتيجة من خلال الحجج المقنعة، فإنَّنا نعمل على الوصول إليها من خلال التلفيقات التي نمنحها صفة الحجة وإن لـم تكن كذلك. ومن خلال ذلك لـم يكن النقل دقيقاً في ما ينقله كلّ فريق عن الآخر، ولـم تكن الدراسة بالمستوى العلمي الموضوعي في ما يناقش بعضهم بعضاً في فهم المضمون، ونقد السند، ودراسة الأجواء.
فقد يكفي أن نجد نصاً يدين الفريق الآخر لنكتشف فيه أساس الضلال، وربَّما كان المصدر غير أمين، أو لـم يكن قطعياً يؤكد القناعة، لأنَّ المصادر لـم تمثّل في أكثرها ـ فيما عدا القرآن ـ الحقيقة المعصومة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. فقد درج المؤلفون في الرِّوايات على خلط الغثّ بالسمين، وقد يحمل بعضهم رأياً شخصياً فينسبه الآخرون إلى المذهب كلّه، لأنَّ صاحب الكتاب ينتمي إلى هذا المذهب، دون الالتفات إلى أنَّ النّاس الذين قد يتفقون معه في صفة المذهب قد لا يتفقون معه في هذا الرأي، وقد يفسرون النص الذي اعتمد عليه بطريقة أخرى، وقد لا يكون محل اعتمادهم أساساً.
ولكنَّ العقلية الجدلية لا تلتفت إلى ذلك ولا تحاول التدقيق في ما ينفع الخصم، بل كلّ ما عندها أن تدقق في ما ينفع فريقها، ولذلك يبقى الحوار من بعيد، فيكون ذلك أقرب إلى الابتعاد عن الوصول إلى نتيجة حاسمة في صحة الفكرة وفسادها.
إنَّ علينا في هذا المجال ـ كعلماء وكمفكرين ـ أن نبحث عن أسس الخلاف والوفاق من خلال البحث عن المصادر الأصلية التي يمكن أن يعتمدها الفريقان أو الفرقاء في قبول رأي أو رفضه، لنصل من خلال ذلك إلى القاعدة الموحدة التي يمكن أن تحكم أصول التقويم للمصادر في سندها ودلالتها كما يقول الأصوليون، ثمّ نبحث في المصادر التي نختلف عليها لنعرف ما هي أسس اعتماد هذا الفريق عليها دون ذاك، ولندقق في مدى اعتماده عليها من ناحية المبدأ والتفاصيل، لئلا نقع في الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون من نسبة قول إلى شخص لـم يقله، أو نقل فكر عن شخص لـم يلتزم به. وهكذا نرتكز في المسألة على أساس الموضوعية في النقد والتقويم والاقتناع، بعيداً عن الفكرة المسبقة التي تسبق الدليل وتفرض نفسها عليه، تماماً كما هو الحال في ما نعالجه من خلافات ومواقف فكرية إزاء الأفكار التي لا تتصل بالجانب العقيدي من حياتنا، بل تتصل بالجوانب العلمية النظرية والعملية في تفكيرنا، فنعالج المسألة الكلامية في ما نختلف فيه من تفاصيل العقيدة فلسفياً، كما نعالج أيّة قضية فلسفية أخرى لا تتصل بالانتماء المذهبي، ونناقش أي حكم شرعي من موقع البحث العلمي تماماً كما هو الحال عند مناقشة الأحكام القانونية لمبادئ أخرى أو أديان أخرى مما لا يرتبط بالجانب العاطفي من شخصيتنا الفكرية، ثمّ نبدأ بالدراسات المقارنة على أكثر من صعيد من أجل عرض كلّ الأفكار المتفق عليها أو المختلف فيها، من أجل الوقوف أمامها وقفة نقد وتأمل واجتهاد، لنختار الأفضل من حيث دليله الشرعيّ، فقد يختار الشيعي رأياً سنياً في المسألة الفقهية أو الكلامية، وقد يختار السني رأياً شيعياً في ذلك، لأنَّ البحث الموضوعي يلغي الخصوصية من أجواء البحث، وربَّما حمل الواقع القانوني في بعض بلداننا الإسلامية بعض التجارب الإيجابية في هذا المجال.
وسيقودنا ذلك إلى اكتشاف الحقيقة العلمية الواقعية، وهي أنَّ مواطن الوفاق بين المسلمين تصل إلى نسبة ثمانين بالمائة، لأنَّ اختلاف الاجتهاد لدى الشيعة الآن، ولدى السنة في الماضي، قد استطاع أن يحمل إلينا تنوّعاً في الآراء لدى الفريقين، بحيث لا ترى رأياً في الفقه الشيعي إلاّ وترى ما يقابله في الفقه السني، والعكس صحيح أيضاً..
وقد عاشت جامعاتنا العلمية في النجف وقمّ والأزهر هذه التجربة في الدراسات المقارنة من ناحية المبدأ، وننتظر أن تتطور إلى الأفضل في المستقبل القريب، لنصل من خلال ذلك إلى الوحدة الفكرية على أكثر من صعيد.
وربَّما كنّا نحتاج إلى التأكيد على تأصيل المفاهيم العامة لبعض القضايا المهمة، كما في مسألة التوحيد والشرك والكفر والإيمان.. التي قد يكثر الحديث عنها لدى المسلمين في ما قد يتهم بعضهم بعضاً بالشرك تارة، وبالكفر أخرى، وبالمروق عن الدين ثالثة، وذلك من خلال ما يحملونه من آراء حول مفهوم الكفر والشرك، أو في ما يعتقدونه من معتقدات، دون إفساح المجال لهم ليوضحوا فكرتهم وليناقشوا فكرة الفريق الآخر. إنَّ مناقشة ذلك بموضوعية وفكر، تجعلنا نلتقي على المقياس الصحيح لما هو الكفر والشرك. وقد نصل بذلك إلى قناعة إسلامية بأنَّ كثيراً ممّا نعتبره كفراً لا يمثّل الدقة في تطبيق هذا المفهوم على الواقع، كما قد يكون بعض ما يعتبره النّاس إيماناً لا يمثّل خطّ الإيمان بدقة وعمق وتحليل.
وقد يكون من الخير لنا أن نشير إلى ضرورة التوفر على دراسة الأسلوب القرآني في الحوار ومواجهة الفكرة المضادة، ومتابعة الفكرة الموافقة، لنستطيع من خلال ذلك أن نتقي اللّه في ما نختلف فيه كما نتقيه في ما نلتقي عليه، فإنَّ ذلك يبعدنا عن أساليب المهاترات الكلامية والمزايدات الفكرية الحماسية، ويقربنا إلى الحقيقة والعلم انطلاقاً من الحياد الفكري في مواجهة كلّ الأفكار والآراء.
ومن المهم في هذه المناسبة أن نلفت الأنظار إلى أنَّ مثل هذه الساحة الفكرية تحتاج إلى شجاعة في مناقشة الأفكار، وفي اتخاذ القرار المنسجم مع نتائج المناقشة، كما تفرض على المتحاورين فيها أن لا يقفوا في دائرة الضوء الاستعراضي الذي يغري بالمزايدات، ويبعث على التعصب، بل لا بُدَّ لهم من أن يواجهوا المسائل بالفكر الهادئ، والعقل الـمتّزن، والعاطفة العاقلة، وأن لا يستعجلوا الوصول إلى النتائج، لأنَّ ذلك قد يؤدي إلى السطحية والارتجال في معالجة القضايا التي تقع محلاً للبحث والمناقشة. ولعلّ من البديهي أن تبقى الساحة مفتوحة للعلماء وأصحاب الفكر بعيداً عن مواقع العامة من النّاس المستغرقين في مناخ الإثارات العاطفية، وغير المهتمة بالأخذ بأسباب العلم.
وحدة القضية والمصير
أما في الجانب السياسي من الوحدة، فإننا نلتقي بالواقع الطائفي في الحقل السياسي الذي يحوّل كلّ طائفة من المسلمين إلى كيان مستقل في قضاياها، وفي مصالحها، وفي حركة الحاضر والمستقبل، حتى أصبح لنا في ساحتنا اللبنانية قضايا شيعية في المناطق التي يعيش فيها المسلمون الشيعة، وقضايا سنية في المناطق التي يعيش فيها المسلمون السنة. لقد تـمّ اعتبار جنوب لبنان في وقت ما قضية شيعية، كما اعتبرت قضية إقليم الخروب وطرابلس مثلاً قضية سنية، بحيث يشعر كلّ فريق بأنَّ علاقته بقضية الفريق الآخر ليست قضية ذاتية، بل هي قضية خارجية تحكمها الظروف السياسية، أو المجاملات الاجتماعية، وما إلى ذلك.
وقد لا يكون الأمر بهذه الدقة بشكل شامل، ولكنَّ الظاهرة تتحرك في هذا الاتجاه. وربَّما كان لطبيعة النظام اللبناني الطائفي الأثر الكبير في ذلك، عندما ربط مصالح النّاس بطبيعة الانتماء الطائفي، الأمر الذي دفعهم دفعاً إلى الارتماء في أحضان التجربة الطائفية التي تعمل على ترسيخ القوقعة الطائفية وتعميقها في داخل الذات في حركة الفكر والشعور وفي نطاق واقع العلاقات. وقد استطاعت اللعبة السياسية التي خططت لها "المارونية السياسية" أثناء حكمها للبنان، أن تثير حالة خوف مضاد في النطاق الإسلامي الداخلي، في ما كانت تثيره من إمكانية أن تأخذ هذه الطائفة دور تلك، وبالعكس، لتخلق في داخلهم حساسيات مذهبية، في مستوى العقدة المستحكمة التي تتحول بالتالي إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تفجّر الساحة كلّما أريد لها أن تنفجر بالحقد والعداء والبغضاء. وما زالت اللعبة تتحرك في كلّ اتجاه، وعلى أكثر من صعيد.
هذا في الواقع اللبناني، أمّا في الواقع الذي يعيشه المسلمون خارج لبنان، فليست هناك حالة سياسية معقدة بين المسلمين على أساس مذهبي في ما تعنيه الامتيازات والمصالح، بل كلّ ما هناك أنَّ في هذا البلد أو ذاك حكماً معيّناً ضاغطاً على شعبه، من دون فرق بين أهل مذهب ومذهب، ولكن قد تكون هناك أكثرية تخضع لاضطهاد كنتيجة لمعارضتها للحكم، وقد تكون هناك أقلية معارضة مضطهدة، وربَّما يتخذ ذلك وضعاً طائفياً سلبياً عندما يختلف الحكم في صفته الطائفية عن فئات المعارضة في صفتها الطائفية، مما قد يوحي بوجود مشكلة طائفية سياسية في الساحة.
وقد يحدث لبعض الأوضاع السياسية المتنوعة أن تؤدي إلى بعض حالات الصراع، فقد تُثار الأجواء الطائفية ـ مثلاً ـ انطلاقاً من العلاقات التي تحكم أحد الأنظمة بطائفة معينة تعيش في ظلّ نظام آخر تسوده طائفة أخرى، ممّا قد يخلق معارضة في داخل هذا البلد لمصلحة النظام في البلد الآخر، وتكون النتيجة أن يقع المعارضون تحت تأثير الاضطهاد، أو يشعر الحاكمون بأنَّ هذه الطائفة أو تلك لا تحمل الانتماء الإيجابي لبلدها، فتصبح موضع شك أو اضطهاد. وهكذا تصور القضية كما لو كانت حالة طائفية في ما تسنّه الطائفية السياسية من مضمون، لا سيما إذا كان هذا النظام يتحمس لمذهب معين، ويحمل همّ الدعوة إليه، ولو من ناحية رسمية سياسية، ويرفض المذهب الآخر، فيختلط جانب العقدة المذهبية بالعقدة السياسية، لتتحول المسألة إلى كارثة كبرى تزيد التناقضات بين المسلمين اشتعالاً.
وقد نلاحظ أنَّ بعض المحاور الدولية والإقليمية تعمل على الاستفادة من بعض تلك السلبيات في تحويل الصراع إلى صراع طائفي، لتضع القضية السياسية في نطاق الصراع المذهبي، فتتوتر الساحة مذهبياً في ما يمكن أن يخلقه هذا الوضع من عناصر الإثارة الطائفية، في الوقت الذي نعلم فيه جميعاً، أنَّ موضوع السنّة والشيعة بمدلوله الفقهي والشرعي، لا دخل له في ذلك، بل كلّ ما في الأمر أنَّ هناك صراعاً دولياً وإقليمياً يتحرك في الساحة من منطلقات سياسية بعيدة كلّ البعد عن هذه الأضواء.
والآن، كيف يمكن مواجهة هذا الطابع السياسي للخلاف بين المسلمين. إنَّنا نلاحظ في هذا المجال في الحالة اللبنانية أنَّ الواقع الطائفي لـم يستطع أن يتحول إلى حالة تعطي القوّة لأحد، إلاَّ في نطاق الزهو الاستعراضي الفارغ الذي لا يمثّل شيئاً في ساحة الواقع.
ولهذا، فإنّنا قد نجد في هذا الواقع السياسي الذي يعيشه المسلمون فرصةً للتأمل والتفكير في ضرورة توحيد الموقف، أو محاولة تقريبه من أجل قضايا مشتركة، أو مشاريع موحّدة، لمواجهة الهيمنة الضاغطة بموقف حاسم ينطلق من وعي قضية المسلمين كقضية إنسانية في ما تعيشه قضايا الإنسان من مواقع الحرية والكرامة والعنفوان، من دون إثارة الموضوع بطريقة طائفية معقدة.
وقد لا يكون من الواقعي أن نطلب الآن من المسلمين إلغاء خصوصياتهم المذهبية في ظل هذا الواقع الطائفي المتجذر في أعماق حركة الواقع السياسي، لأنَّ ذلك يمثّل طرحاً مثالياً على مستوى المرحلة ـ على الأقل ـ في ما تفرضه من وجود زعامات، ومواقع قوّة، ومصالح، وعلاقات، وتحالفات داخلية وخارجية، ممّا لا يمكن إلغاءه دفعة واحدة.
ولكنّنا نثير في الجو إيجاد حالة وحدوية من خلال القضايا المصيرية التي يعيشها المسلمون على مستوى ما يمثّله الوجود الإسلامي في مقابل الوجود الآخر، سواء في ما يتحرك على مستوى الداخل أو في ما يتحرك على مستوى الخارج من قضايا المسلمين في المنطقة وفي العالـم، وذلك بمحاولة ربط هذه القضايا بالمبادئ والقيم الإسلامية السياسية والاجتماعية في الحياة، لتتحول هذه الحالة الوحدوية إلى حالة إسلامية عميقة في وجدان كلّ مسلم، ليكون ذلك أساساً للبحث في المواضيع الواقعية المختلف عليها، بعيداً عن الحواجز النفسية، لأنَّ وحدة الموقف السياسي في بعض المواقع عندما تمتزج بالحالة الإيمانية الوجدانية الملتزمة بخطّ الإسلام في أجواء التقوى، سوف تسهّل الكثير من الحلول للمشاكل العالقة في الساحة.
إنَّنا نعتقد أنَّ مثل هذا الاتجاه في مواجهة التشنّج السياسي الطائفي في داخل المجتمع الإسلامي، يمكن أن يحقق لنا خطوة متقدمة في سبيل الوحدة، لأنَّنا سنكتشف أنَّ هناك أكثر من أرض صلبة نقف عليها في مواقعنا الإسلامية، وأنَّ ما نختلف فيه يمثّل حالة طبيعية واقعية.
وفي المجال الإسلامي العربي العام، يمكن لنا أن نلتقي بالطروحات الوحدوية الإسلامية التي تتحرك في الساحة، لنقوّيها ولنتفاعل معها، ولنعمل على اكتشاف الجوانب الإيجابية فيها، ومعالجة الجوانب السلبية بالكثير من الدراسة للقضايا المثارة على أرض الصراع بطريقة ميدانية تحاول أن تفصل بين ما هو المحور الإقليمي أو الدولي المرتبط بالمواقع الاستراتيجية للصراع في العالـم، وما هو الخطّ الإسلامي الذي تتحرك فيه المصلحة الإسلامية العليا. فقد نرى أنَّ كثيراً من المواقع التي نمنحها الصفة الإسلامية في الصراع ليست كذلك، سواء أعطيناها سمة شيعية أو سنية. وقد نلمح في الساحة استغلالاً لذلك لحساب أعداء الإسلام والمسلمين.
إنَّنا نؤكد على ملاحقة التجارب الوحدويّة في العمل الفكري والسياسي والاجتماعي على مستوى الساحة السياسية، وعلى الاستفادة من الإيجابيات كنافذة تطل على المواقع المشرقة من مواقع الأمل، والاستفادة من السلبيات في معرفة الأخطاء الواقعية في الساحة، لنتفاداها ولنفكر معها بأنَّ الفشل في ألف تجربة لا يعني فشل الفكرة أو سقوط المشروع، فقد يكون من الضروري أن نفكر بالتجربة الواحدة بعد الألف، لأنَّ ذلك هو خيارنا الوحيد في بقاء الإسلام حياً متحركاً في الساحة كفكر وكشريعة، وكمنهج حياة، وكأمة طليعية تحمل رسالة التغيير للعالـم من أجل الحضارة الفريدة التي تتآخى فيها الروح والمادة، والعلم والإيمان، ويمتزج فيها الغيب بالواقع، والعبادة بالسياسة، والفرد بالمجتمع..
لا وحدة بدون إسلام
إنَّه الإسلام الذي نحمله من موقع الإشراق الذي ينفتح على الحياة بكلّ عمقه وامتداده، ليجعل الحياة تتحرك في إشراقة الروح المتحركة في نطاق الواقع.
ولنتذكر دائماً أنَّه لا معنى للتفكير بوحدة إسلامية على مستوى العاطفة والفكر والشريعة والسياسة بدون إسلام، لأنَّ الصفة التي نحملها في كلمة الإسلام، ليست مجرد واجهة تشير إلى المجموعة البشرية العددية التي نمثّلها، بل هي كيان متكامل في الفكر والروح والعمل في ما يمثّله من قاعدة للفكر والعاطفة والحياة.
ليبق لنا من الإسلام المضمون، لا الشكل، والصورة والإطار، وبذلك يمكننا التحرك من أجل معالجة المشاكل التي تحكم واقع المسلمين، ويمكننا أن نلتقي مع الآخرين من غير المسلمين، ونتعايش معهم من مواقع الانفتاح المنطلق من الفكر والروح، لا من مواقع الانغلاق القائم على التعصب والبغضاء.
أطلقوا الإسلام في الهواء الطلق ليتنفس في دائرة الضوء، ولا تحبسوه في العلب الطائفية المظلمة، فإنَّكم بذلك تحررون أنفسكم وواقعكم وحاضركم ومستقبلكم من كلّ أغلال الآخرين. لنكن الفكر الذي يصرخ ويوحي ويحاور في ساحات الإنسان، لا الطبل الذي يرنّ ويدوّي في الفضاء، ولكنَّه لا يحمل لنا إلاَّ الدويَّ والرنين من دون معنى ولا حياة. ولنكن الواقع الذي لا يبتعد عن مواقع السمو، لا الخيال الذي يحلق بعيداً في الفضاء في متاهات الأوهام والأحلام.