يقودنا الكاتب "محمد رضوان الداية" في كتابه «من الأندلس إلى بيت المقدس. الأندلسيون في فلسطين. وفي رحاب المسجد الأقصى» في رحاب التاريخ ليعود بنا إلى أيام كان للعرب والمسلمين فيها شأن عظيم وكانت القدس مهوى أفئدتهم وملاذ خائفهم، كانت درة تاج امبراطورية لم تكن الشمس تغيب عنها تمتد من حدود الصين شرقاً وإلى أطراف فرنسا غرباً.
شارک :
و کتبت صحیفة "الوطن" السوریة ان هذا الكتاب صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب وله غاية فإنه «إسهام مني في إبقاء وعي الأمة على حال التوثب الذي لا يهدأ وتذكير القريب والبعيد بأن ما يجري في فلسطين وغيرها من بلاد الشام وسائر بلاد العرب والمسلمين قد مر مثله أو ما هو أشد منه، وإن الأمة تماسكت وجمعت قواها واتصلت في معارك متوالية» ويريد الداية من كتابه أيضاً تأكيد أن «التنكر للماضي في الجهاد عقوق وغباء وأن التفريط في الحاضر هو تخاذل وهوان وأن بيع المستقبل هو خيانة ومصادرة لحقوق الأبناء والأحفاد». ويؤكد الداية أنه استنطق المصادر والمراجع على قدر الوسع والطاقة ليبين أن الأندلسيين أثروا في المواقع التي زاروها أو استقروا فيها وتأثروا أيضاً وعلموا وتعلموا وجاهدوا وقد جعل كتابه في مدخل وأربعة فصول وخاتمة. وتناول في الفصل الأول «بيت المقدس في وجدان الأمة» حيث قدم فكرة مبسطة عن تاريخ هذه المدينة المقدسة التي بناها اليبوسيون العرب نحو سنة ۳۰۰۰ قبل الميلاد وسموها (يبوس) وكان ملكي صادق أول ملوكهم وأُطلق عليه لقب ملك السلام ومنها جاء اسم المدينة : سالم أو «شالم» وقد تقلبت القدس مع العصور في مقاومة ومصارعة ومصابرة. مر عليها المصريون (الفراعنة) واليهود، وآشور، والفرس واليونان والرومان والبينزنطيون كما تناول الداية وضع القدس قبيل الفتح الإسلامي لها حيث كانت تحت دولة الروم الذين تعرضوا لهزيمة أمام الفرس الذين دخلوا القدس سنة ۶۱۴ وهدموا كنائسها وقد استرد الروم بقيادة ملكهم هرقل القدس سنة ۶۲۹ وقد جاء خبر انتصار الروم على الفرس في يوم الحديبية ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة بهذا الانتصار باعتبار أن الروم أهل كتاب. وتحدث الداية في كتابه عن القدس في الإسلام حيث بقيت قبلة المسلمين لمدة ستة عشر شهراً وورد ذكر المسجد الأقصى بالقرآن الكريم في سورة الإسراء: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير» وكانت القدس هي المدينة الوحيدة التي سار عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين لافتتاحها وردها من الروم وتناول الكتاب المكانة السامية التي كانت للقدس في العهد الأموي حيث أولاها خلفاء بني أمية اهتماماً ملحوظاً فقد بنى الوليد بن عبد الملك مسجد قبة الصخرة وشحنها قبله معاوية بن أبي سفيان بالقبائل العربية وفكر الخليفة سليمان بن عبد الملك في اتخاذ بيت المقدس عاصمة للدولة العربية الإسلامية. وتحت عنوان: (من قرطبة إلى القدس) تطرق الكتاب إلى العلاقة المتينة التي كانت بين الأندلس وفلسطين والتعاطف بين القطرين في أحوالهما: في الرخاء من جهة وفي الشدة من جهة أخرى. حيث كانت هناك حركة حيوية بين القطرين وكان للقطر الفلسطيني مكانة خاصة عنوانها البارز هو المسجد الأقصى والهالة الدينية التي تطيف به ويتألق من خلالها في النفوس والقلوب، وتناول الكتاب الرحلات التي قام بها عدد من العلماء في الأندلس إلى المشرق الإسلامي طلباً للعلم والرواية ولقاء العلماء كما كان هناك حركة تبادل في جوانب الاقتصاد والتجارة وقد كانت القدس ومدن فلسطينية أخرى ملاذاً للمهاجرين من الأندلس وقد استقر في القدس العلماء والخطباء والفقهاء الأندلسيون. ويورد الكاتب عدداً من الحقائق والوقائع التاريخية الرابطة بين القدس والأندلس حيث بدأ الزحف الأوروبي عليهما متزامناً، فقد اشتدت الحملة الأوروبية على الأندلس مع اشتداد الحملة الصليبية على المشرق العربي وسقطت طليطلة وهي أول مدينة أندلسية تسقط سنة ۴۷۸ للهجرة وسقطت القدس سنة ۴۹۲ للهجرة وفصل الكاتب في أسماء أشهر العلماء الأندلسيين الذين قصدوا القدس وكانوا من المجاورين للمسجد الأقصى وقد تولى عدد منهم مناصب دينية متعددة حيث كان علي بن محمد المعافري أول إمام للقدس بعد تحريرها من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي وكان أندلسياً وصل إلى المشرق واستقر بالقدس، وتولى إمامة الصخرة أحد الرجال الصالحين الأندلسيين كما تولى آخرون مناصب قضائية رفيعة في بلدان المشرق العربي. وحمل الكتاب إشارات إلى التواصل والاتصال الذي تم بين عدد من قادة المشرق العربي مع قادة المغرب العربي والأندلس وخاصة في الملمات الكبرى ومنها الخطر الغربي الذي بدأ يزحف على الشرق والغرب العربي، وأوضح الداية أن حارة المغاربة في القدس قد سكنها أهل الأندلس المهاجرون ومن هنا جاء هذا الاسم حيث كان أهل المشرق يدعون من يجيء من وراء مصر غرباً باسم المغربي. كما تناول الداية «رحلات الأندلسيين المدونة إلى القدس والأقصى» ومنها رحلة ابن جبير وابن بطوطة وأورد جانباً مما ذكروه في رحلاتهم تلك عن أحوال القدس في تلك الأيام، وفي الفصل الرابع تناول الداية «الشعر الأندلسي في بيت المقدس». يعتبر هذا الكتاب محاولة جادة ودراسة واعية لأهمية الكشف عن تاريخ مجيد وتوظيفه لصناعة غد مشرق. ويحتوي الكتاب معلومات كثيرة تعطي الباحث والدارس فكرة مبسطة عن فترات تاريخية كانت فيها القدس والأندلس في قلب العالم. تنا – مکتب سوریا