منذ خمسة اشهر يقوم فريق من المديرية العامة للآثار بحفريات اسفرت عن اكتشاف معالم اثرية عدة اهمها: ۱- منزلقان متوازيان محفوران في الصخر يبعدان مسافة ۱۲۰ مترا فقط عن الشاطىء القديم لمدينة بيروت، تبين انهما يعودان الى ميناء فينيقي من القرن الخامس قبل الميلاد. والمنشآت المكتشفة تؤكد انها نموذجية لبناء ميناء فينيقي اذ كان يتم اختيار موقعه على خليج بين رأسين، ومن هنا تسمية المنطقة ميناء الحصن مما يشير الى وجود ميناء على الخليج الصغير. و تذكر المراجع التاريخية حتى بداية العشرينيات وجود ميناء في هذه المنطقة التي تعرضت للردم مرات عدة ايام العثمانيين بفعل شق الطرق، وايام الفرنسيين حيث بني "اوتيل النورماندي"، ثم في الحرب الاهلية حيث اقيم "مطمر النورماندي". وقد استغلت المراكب والسفن هذا الميناء للحماية بسبب وجود حاجز طبيعي للامواج. ويذكر فؤاد دباس في كتابه " بيروت ذاكرتنا" ان المدينة الرومانية امتدت حتى هذه الميناء. وبينت الحفريات ان الميناء طمر بين القرنين الاول والثاني ميلادي. ويعتقد انه الميناء الفينيقي الاول الذي يتم اكتشافه في بيروت. ۲- معالم عمرانية رومانية تتمثل بجدارين ضخمين من الحجر الرملي المقصوب يمثلان جزءا من مبنى ضخم، يعتقد انها تعود الى اساسات معبد، ظهر احدهما بطول ۲۵ مترا في الموقع، والجزء الشرقي مقطوع بالمباني الاسمنتية التي شيدت في العقار في الخمسينيات، والباقي تحت الطريق. وتؤكد هذه المكتشفات التي تعود الى بداية الحكم الروماني لبيروت، اهمية المدينة مما جعل الاباطرة الرومان ينشئون فيها مدينة كبيرة ( متروبوليس) ويقيمون في هذه المنطقة بالذات، المنشآت الضخمة مثل ميدان سباق الخيل والفوروم والفيللات الفخمة والمسرح والبرج او الحصن والحمامات وحلبة المصارعة والشوارع الجميلة عند شاطىء ميناء الحصن الزاخر بالمراكب والعائدة كلها الى القرنين الاول والثاني ميلادي ،وقد عثرعليها في حفريات سابقة. كل هذه المعالم تشكل جزءا من مشروع الاعمار الامبراطوري في بيروت مما يدل على دور بيروت كمستعمرة رومانية استثنائية. كذلك ظهرت مكتشفات اثرية اخرى من حقبات مختلفة ابرزها: معالم عمرانية عثمانية متأخرة تتمثل باساس منزل وبعض الآبار، مقلع للحجر الرسوبي الكلسي من الصخر بنيت منه معظم المكتشفات العمرانية العائدة الى النصف الثاني من الالف الاول قبل الميلاد اي الى الفترات الفينيقية الفارسية والهلنستية. وعثر كذلك على لقى فخارية متنوعة تعود الى الفترات العثمانية اي الى نهاية القرنين التاسع عشر والعشرين، والرومانية الممتدة بين النصف الثاني من القرن الاول ميلادي والنصف الاول من القرن الميلادي الثاني وجدت مع اساسات المعبد، ولقى فخارية تعود الى النصف الثاني من القرن الاول والنصف الاول من القرن الثاني وجدت في طبقات الردم داخل المنزلقين الكبيرين ما يؤكد انهما طمرا في تلك الفترة. كذلك عثر على لقى فخارية في مقلع الحجر تعود الى القرن الخامس قبل الميلاد. وفي تفسير لأهمية الموقع، يعتبر صايغ انه " يتفرد بمعالمه البحرية الفينيقية التي تعطي فكرة مختلفة عن فهمنا لمدينة بيروت في تلك الحقبة، وعن امتدادها واساليب الحياة البحرية ذات الاهداف المختلفة من صيد او عسكرية او صناعية التي عاشها اهل المدينة. ويشكل الميناء مادة اساسية تشهد على الدور الذي أدته منطقة ميناء الحصن كمحتوى جغرافي واقتصادي حيوي لبيروت في الفترة الفينيقية، وتعكس مشهدا عمره اكثر من ۲۵۰۰ عام عن تفاصيل حياة الفينيقيين وتفاعلهم مع بيئتهم وحسن استخدامهم لمواردها لتأمين حاجاتهم في البناء والصيد والابحار والاتجار والتطور والتواصل مع بقية المدن والشعوب على حوض البحر الابيض المتوسط مما اعطاهم تميزا ساعدهم على استعمار معظم شواطىء هذا الحوض. كذلك يؤكد من خلال اسم المكان ( ميناء الحصن) الذي ما زال حيا في ذاكرة البيروتيين واللبنانيين على استمرار التميز الفينيقي كإرث متجذر في طبيعة سكان هذه المدينة خصوصا واللبنانيين عموما". ونظرا الى الاهمية العلمية والتاريخية لهذه المكتشفات اقترح الفريق الاثري ادخال الموقع في لائحة الجرد العام وابلاغ مالكي العقار بضرورة الحفاظ عليها في موقعها ، وتعديل الخرائط الانشائية من اجل ادماجها في التصميم الجديد، خصوصا ان هذه المعالم محفورة في الصخر الطبيعي مما يجعل امكان تفكيكها لاعادة تركيبها في موضع آخر غير ممكن.