السؤال الذي يطرح نفسه: هل إن حزب الشعب الحاكم على أعتاب فقدان السلطة ؟ ... أم إن الأمر ليس كذلك، والحكومة قادرة على مواجهة المشاكل المستعصية ومعالجتها، وبالتالي تجاوز هذه المرحلة بنجاح.
الأمطار والسيول الجارفة في المناطق الشمالية الغربية من باكستان، لم تخلف آثارها الفجيعة على سكان المناطق القبلية في ولاية "خيبر بختون" وولاية "بنجاب" فحسب، بل إن آثارها انعكست أيضاً على الحياة السياسية في هذا البلد.
ويمكن ملاحظة أثار الفيضانات الأخيرة على الحياة السياسية في باكستان من خلال ما يلي: ١. النقد المتواصل لأداء حزب الشعب الحاكم في باكستان المتمثل في شخص رئيس الجمهورية آصف علي زرداري. ٢. المساعدات التي قدمتها حركة طالبان للمتضررين بسبب الفيضانات.
قد يتصور البعض أن السبب في نقد الحكومة على أدائها يعود في الأساس إلى عدم كفاءة حزب الشعب الحاكم، وقيام الرئيس زرداري بمواصلة رحلاته الخارجية وخاصة إلى بريطانيا التي اتهم رئيس وزرائها "ديفيد كامرون" باكستان بأنها بلد مصدر للإرهاب، لكن الحقيقة أن القضية أعقد من ذلك بكثير، فزيارة زرداري كانت مبرمجة لها مسبقاً، وعدم تأجيلها أو تقصيرها على الأقل، وإن كان يحتسب ضعفاً لرئيس الجمهورية، إلا أنه يجب الأخذ بنظر الإعتبار التنافس السياسي والحزبي والتجاذبات السياسية في الخفاء كأحد أهم العوامل وراء ارتفاع موجة الإنتقادات، وإلا فإن الحكومة الباكستانية بقيادة حزب الشعب، قد استنفرت في الواقع كامل قواها المدنية والعسكرية لمواجهة الأزمة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إن حزب الشعب الحاكم على أعتاب فقدان السلطة ؟ ... أم إن الأمر ليس كذلك، والحكومة قادرة على مواجهة المشاكل المستعصية ومعالجتها، وبالتالي تجاوز هذه المرحلة بنجاح.
وتعود أهمية هذا التساؤل إلى أن جناح "نواز شريف" في حزب "مسلم ليك" يأمل، في صورة عجز الحزب الحاكم عن معالجة الأمور، بالعودة إلى السلطة، كما أن الجنرالات الأقوياء في الجيش الباكستاني لا يخفون رغبتهم في العودة للإمساك بمقاليد الأمور في هذا البلد.
وعلى هذا الأساس ليس من المستبعد حصول تغييرات سياسية في الإنتخابات العامة القادمة في هذا البلد الفقير الذي يواجه حالياً كارثة إنسانية جراء الفيضانات، وخاصة لو أخذنا بنظر الإعتبار ان حرب أميركا وحلفائها في أفغانستان قد وصلت إلى طريق مسدود، وهو ما يعلق عليه جناح "نواز شريف" في حزب "مسلم ليك" آمالا كبيرة.
لا شك أن أميركا وحلف الناتو والحكومة الأفغانية ما زالوا مقتنعين بأن تحقق السلام في أفغانستان يتطلب تعاونا باكستان كاملا وخاصة من جانب القسم الأمني في الجيش الباكستاني المعروف باسم (آي اس آي)، والشكوك التي تحوم حول دعم الجيش الباكستاني لجماعة طالبان في أفغانستان كثيرة، ولا أقل من حامد كرزاي الذي يعتقد أن السلام في بلاده لا يتحقق إلا بقيام الجيش الأميركي والناتو بضرب الملاجئ الآمنة لزعماء طالبان في باكستان.
إن ما تشير إليه الحملات الدعائية بأن الجيش الباكستاني وحركة طالبان هما الأقوى تاثيرا في مساعدة المنكوبين جراء الفيضانات، وأن الحكومة المتمثلة في حزب الشعب هي الأضعف في هذا المجال، ليست قضية عابرة، فالجيش يحاول ايجاد مكان له على الساحة والإستفادة من هذه الفرصة السانحة، كما أن طالبان تسعى عبر تقديم المعونات إلى الملايين من المشردين للحصول على مناصرين لها في المستقبل.
وعلى أي حال، فلو فرضنا وجود خطة لإيجاد استقرار سياسي في باكستان بهدف معالجة الأوضاع في أفغانستان والحيلولة دون هزيمة أميركا وحلف الناتو، فلا بديل عن تعاون الجيش الباكستاني وبالتحديد الجناح الأمني لهذا الجيش (آي اس آي) مع الحكومة الباكستانية، وهي "مكافأة" لا يحصل عليها حزب الشعب والسيد زرداري بهذه البساطة، وعلى هذا الأساس يجب اعتبار السيد نواز شريف هو البديل الأفضل. هذا على فرض أن لا يشترط الجيش نفسه العودة إلى الساحة والإمساك بزمام السلطة.
وبرؤية شاملة للأوضاع في باكستان، نستطيع القول بأن الفيضانات التي شهدها هذا البلد، قد تجاوزت آثارها لما هو أوسع من باكستان نفسها، ومنحت زخماً للتنافس الإقليمي والدولي بين مراكز القوى المؤثرة، وعاد الحديث حول أفكار كان قد تم طرحها مسبقاً، ومنها ما أقر به القائد الجديد للعمليات في أفغانستان الجنرال "بترايوس" بأن الحل النهائي لمشكلة أفغانستان هو الحل الذي طرحه البريطانيون.
وتعتمد الخطة البريطانية على القبول بطالبان باعتبارها أمرا واقعا لا مفر منه، فالبريطانيون قد استفادوا من تجربة شبه القارة الهندية، فتوصلوا إلى ضرورة دعم جميع المنافسين على السلطة، وهكذا بادر البريطانيون في باكستان وفي وقت واحد بدعم كل من حزب "مسلم ليك" ومنافسه الرئيسي حزب الشعب، وأيضاً جنرالات الجيش، وحتى دعم طالبان نفسها، بهدف الإطمئنان من التواجد البريطاني في باكستان في أي حال من الأحوال. وهذه الخطة قد بدأت تؤتي ثمارها في الوقت الراهن، حتى أن الأميركيين اضطروا للإذعان بهذه الخطة، إذ من دون ذلك يتحتم عليهم الإستعداد لمواجهة نفس المصير الذي لاقاه الروس في أفغانستان.
ولكن البريطانيين ليسوا لوحدهم في هذه المعادلة، رغم أن أميركا تسعى للحفاظ على حلفائها والإجتناب عن الدخول في تنافس معهم، وعلى هذا الأساس يمكن فرض المعادلة بهذه الصورة: جناح نواز شريف في حزب "مسلم ليك" والسعودية وبريطانيا من جهة، في مواجهة أميركا وحزب الشعب الباكستاني والحكومة الأفغانية وإلى حد ما الهند، من جهة أخرى.
يبدو أن حزب الشعب الباكستاني والحكومة الأفغانية، هما الآن قاب قوسين أو أدنى من خسارة هذه اللعبة المعقدة، ما يفسح المجال أمام طالبان للظهور من جديد وإيجاد مكان لها على الساحة، وهذا ما يفسر قيام رئيس الجمهورية آصف علي زرداري بزيارة بريطانيا في هذا الوقت العصيب رغم سهام الإنتقادات الحادة التي وجهت له إثرها، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كامرون"، ولكن لا أحد يعلم إلى أي مدى كانت هذه الزيارة ناجحة.