لطالما آل اغترار الشعوب ومسؤوليهم بهم نحو السّقوط. لا يقولنّ أحد "أنا" فعلت ذلك. فالله عزّوجل يقول في القرآن بلحنه الاستهزائي أنّ قارون قال: "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي" فأسقطه الله إلى أعماق الأرض. علينا أن نبذل الجهود؛ علينا أن نجاهد. فلن يبلغ أيّ شعب أيّ مكانة دون الجهاد، وبذل الجهود، والإبداع وقطع أشواط التقدّم؛ ولا شكّ في أنّ البركة والتوفيق من الله جلّ وعلا.
شارک :
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.
ردّ قارون على النّبي موسى (عليه السلام)
قصّة النّبي موسى (عليه السلام) من القصص التاريخيّة المعبّرة والعجيبة. في هذه القصّة توجد عدّة شخصيّات من أصحاب النّبي موسى (عليه السلام) قد ارتدّت وانحرفت. وفي القرآن الكريم هناك عدّة نماذج منها السامريّ(١) وقارون(٢) وغيرهم من الّذين امتنعوا عن الذّهاب إلى الأرض المقدّسة(٣)، هؤلاء كانوا مصاديق بارزة للارتداد والجبن.
مشكلة قارون كانت في أنّه ردّ على نصيحة النّبي موسى (عليه السلام) قائلاً: ”إنّما أوتيته على علم“(٤) أي بذكاءي وبتدبيري، ولكن هنا أقول: ألم يكن الله سبحانه وتعالى هو الذي رزقه المال، كما يرزق الإنسان الرّوح والدين والحياة والأبناء، كم كان جاهلاً هذا الإنسان؟ لماذا يعصي ويخطئ ويُعجب بنفسه ويُكثر من ترديد ”أنا وأنا“. ما هي الأنا؟ وما قدرها؟ يقول الله تعالى في حديثه عن المجاهدين الذين تصدّوا للأعداء وألحقوا بهم الهزيمة: ”وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى“(٥) أي أنّ ما تملكه من قوّة وإرادة ودقّة في إصابة العدوّ كلّها من عند الله، وبعبارة أخرى كلّ ما عندك فهو من الله، ومع هذا كلّه تتطاول على هذه القوّة المالكة المدبّرة المحيطة، وتتطاول على الله الذي في قبضته كلّ شيء وتقول ”أنا“. هذه هي النقطة الأساس في فساد البشريّة، وهي مذمومة وباعثة على الفساد أينما وجدت.(٦)
لطالما آل اغترار الشعوب ومسؤوليهم بهم نحو السّقوط. لا يقولنّ أحد "أنا" فعلت ذلك. فالله عزّوجل يقول في القرآن بلحنه الاستهزائي أنّ قارون قال: "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي" فأسقطه الله إلى أعماق الأرض. علينا أن نبذل الجهود؛ علينا أن نجاهد. فلن يبلغ أيّ شعب أيّ مكانة دون الجهاد، وبذل الجهود، والإبداع وقطع أشواط التقدّم؛ ولا شكّ في أنّ البركة والتوفيق من الله جلّ وعلا. (۷)
فلنعتبر أنّ النعم من عند الله
فلنعتمد على قدراتنا ولا نتّكل اتّكالاً ذاتيّاً وبملئ إرادتنا على ما نتوهّم كونه قدرتنا؛ فلنسأل الله عزّوجل ونعتبر أنفسنا محتاجين له؛ لا أن نقول كما قال قارون وبعض الأمم السابقة: ”إنّما أوتيته على علمٍ عندي“؛ هذا أمرٌ خاطئ. فلنطلب العون من الله دائماً؛ ولنعتبر أنّ الطريق مفتوحٌ نحو بشكل دائم. (٨)
حقيقة الشّكر هي أن يعتبر الإنسان أنّ النعم من عند الله ويعتقد بهذا الأمر من أعماق وجوده بأنّ النّعم الموجودة لديه من عند الله عزّوجل. لا يكوننّ الأمر على هذا النّحو بأن يظنّ بأنّه هو من أمّن هذه النّعم لنفسه. فهذا سيستدعي الغضب والحرمان من النّعم الإلهيّة، فمن الخطأ أن أقول ”إنّما أوتيته على علم“. فأنا مخطئ لو قلت أنّني حصلت بنفسي على هذه المعرفة والقدرات. يقول القرآن الكريم: ”ما أصابك من حسنة فمن الله“؛ (٩) و“ما بكم من نعمة فمن الله“؛ (١٠) وقد علّمونا في الدّعاء بأن نقول لله عزّوجل: ”ما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك لا إله إلّا أنت“؛ (١١) وأقصى ما نستطيع ادّعاءه هو أنّنا قادرون على نحفظ نعم الله عزّوجل.(١٢)
الآية الكريمة: «ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ» (۱۳)جاءت في سورتين من القرآن الكريم هما الزمر والقصص، وتبيّن أنّ الإنسان عندما يمنحه الله تعالى نعمة، يغفل عن الله ويتصور أنه السبب في حصوله على هذه النعمة وهذه الفرصة. (..) وهذا عين الاغترار بالنفس، وهو خطأ كبير يمكن أن نتعرّض له جميعاً.أما الآية الشريفة: « فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (۱٤) فهي تتحدث عن صفة شبيهة بالغرور بالنفس هي الاغترار بالله تعالى، فيجب تجنّب هذه الصفة أيضاً.(۱۵)
ب) الاغترار بالله عزّوجل
جاء في أدعية الصحيفة السجادية: «فالويل الدائم لمن اغتر بك»، «ما أطول تردّده في عقابك»، «ما أبعده عن الفرج» (۱٦). فالاغترار بالله تعالى يعني: سوء الظن بالله، وتوقّع الأجر دون القيام بعمل صالح يستحق الأجر، كقول الإنسان: إنّي عبد صالح وسأحظى حتماً برحمة الله ولطفه، وكاستغلال الإنسان لحلم الله للاستمرار بارتكاب المعاصي والذنوب.
إنّ قول الإمام السجاد(ع): ”فالويل الدائم لمن اغتر بك“ يبيّن الاغترار بالله تعالى، وهو عين ما ابتلي به بنو إسرائيل بعدما فضّلهم الله على الأمم الأخرى، لكنهم ونتيجة لاغترارهم بالله تعالى وتركهم واجباتهم التي كلّفهم الله بها، قال تعالى بحقهم: «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ». (۱۷) وهؤلاء هم نفس الذين وصفهم الله تعالى في آيات أخرى من القرآن الكريم أنهم شعب الله المختار بقوله: «وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ» (۱۸)؛ لكن وبعد ارتكابهم المعاصي، غضب الله تعالى عليهم، فقال: «وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ».
إذاً ينبغي علينا مراجعة النفس ومراقبة القلب وتطهيرهما من الذنوب؛ حتى نلتفت إلى مسؤولياتنا الجسام وعدم الغفلة عنها. وهناك أبواب واسعة لتحقيق هذا الأمر كالصلوات الخمس، والدعاء، وأداء النوافل، وصلاة الليل، إذ يمكن أن تصبح ـ إذا لم يتقاعس الإنسان عن أدائها ـ سبباً لسمو الإنسان وصفاء قلبه والبركة في عمله.( ۱۹)
الهوامش:
١) سورة طه؛ الآية ٩٥
٢) سورة القصص؛ الآية ٧٦
٣) سورة المائدة؛ الآية ٢١
٤) سورة القصص؛ الآية ٧٨
٥) سورة الأنفال؛ الآية ١٧
٦) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة ١٧/٢/١٩٩٥
۷) كلمته في لقاء مسؤولي السلطة القضائية ٢٨/٦/٢٠٠٥
٨) كلمته في لقاء مسؤولي النظام ٦/٨/٢٠٠٣
٩) سورة النّساء؛ الآية ٧٩
١٠) سورة النّحل؛ الآية ٥٣
١١) مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسي، ج١، ص٧٥.
١٢) كلمته في لقاء أعضاء مجلس الشورى الإسلامي ٢٨/٥/١٩٩٧
١٣) سورة الزّمر؛ الآية ٤٩
١٤) سورة لقمان؛ الآية ٣٠ وسورة فاطر؛ الآية ٥
١٥) كلمته في لقاء مسؤولي النظام ١٩/٦/٢٠٠٦
١٦) الصحيفة السجاديّة، الدعاء ٤٦
١٧) سورة البقرة؛ الآية ٦١
١٨) سورة البقرة؛ الآيتين ٤٧ و١٢٢
19) كلمته في لقاء مسؤولي النظام ١٩/٦/٢٠٠٦١٩