المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية
حديث التقريب...عراقة الخطاب التقريبي المعاصر في النجف الأشرف ..... محمد حسين كاشف الغطاء نموذجًا
تنا- خاص
تتشرّف النجف الأشرف باحتضان رفات واحد من أكبر روّاد وحدة الأمة في التاريخ الإسلامي هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والحوزة العلمية في هذه الأرض المقدسة كانت على مرّ العصور حاملة لواء وحدة المسلمين والدفاع عن عزّتهم وكرامتهم.
شارک :
حديث التقريب
عراقة الخطاب التقريبي المعاصر في النجف الأشرف
محمد حسين كاشف الغطاء نموذجًا
النجف الأشرف تشرّف باحتضان رفات واحد من أكبر روّاد وحدة الأمة في التاريخ الإسلامي هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والحوزة العلمية في هذه الأرض المقدسة كانت على مرّ العصور حاملة لواء وحدة المسلمين والدفاع عن عزّتهم وكرامتهم. وإذا رأينا أن آية الله السيد علي السيستاني يشكل اليوم السند الكبير لوحدة العراق بجميع مذاهبه، فإن أعلامًا آخرين معاصرين كانوا على هذا النهج، نقف عند خطاب واحد منهم هو آية الله محمد حسين كاشف الغطاء (1394 – 1373) لنتبين منه أصالة مدرسة آل بيت رسول الله(ص)، وهي مدرسة الإسلام الأصيل في الدعوة إلى وحدة الأمة اﻻسلامية ونبذ الخلافات بينهم. يقول الشيخ كاشف الغطاء رضوان الله عليه:
«أعظم فرق جوهري، بل لعله الفارق الوحيد بين الطائفتين: السنة والشيعة، هو قضية الإمامة حيث وقع الفرقتان منها على طرفي الخط، فالشيعة ترى أن الإمامة أصل من أصول الدين، وهي رديفة التوحيد والنبوة، وأنها منوطة بالنص من اللّه ورسوله، وليس للأمة فيها من الرأي والاختيار شيء، كما لا اختيار لهم في النبوة، بخلاف إخواننا من أهل السنة، فهم متفقون على عدم كونها من أصول الدين، ومختلفون بين قائل بوجوب نصب الإمام على الرعية بالإجماع ونحوه، وبين قائل بأنها قضية سياسية ليست من الدين في شيء لا من أصوله ولا من فروعه، ولكن مع هذا التباعد الشاسع بين الفريقين في هذه القضية، هل تجد الشيعة تقول إن من لا يقول بالإمامة غير مسلم (كلا ومعاذ اللّه) أو تجد السنة تقول إن القائل بالإمامة خارج عن الإسلام ــ لا وكلا ــ إذن فالقول بالإمامة وعدمه لا علاقة له بالجامعة الإسلامية وأحكامها من حرمة دم المسلم وعرضه وماله، ووجوب أخوته، وحفظ حرمته، وعدم جواز غيبته، إلى كثير من أمثال ذلك من حقوق المسلم على أخيه.
نعم ونريد أن نكون أشد صراحة من ذلك، ولا نبقى مالعلّه يعتلج أو يختلج في نفس القراء الكرام. فنقول: لعل قائلاً يقول إن سبب العداء بين الطائفتين أن الشيعة ترى جواز المس من كرامة الخلفاء أو الطعن فيهم، وقد يتجاوز البعض إلى السب والقدح مما يسيء الفريق الآخر طبعًا ويهيج عواطفهم، فيشتد العداء والخصومة بينهم.
والجواب أن هذا لو تبصرنا قليلاً ورجعنا إلى حكم العقل بل والشرع أيضا لم نجده مقتضيًا للعداء أيضًا.
أما (أولا) فليس هذا من رأي جميع الشيعة وإنما هو رأي فردي من بعضهم، وربما لا يوافق عليه الأكثر. كيف وفي أخبار أئمة الشيعة النهي عن ذلك فلا يصح معاداة الشيعة أجمع لإساءة بعض المتطرفين منهم.
(وثانيا) أن هذا على فرضه لا يكون موجبًا للكفر والخروج عن الإسلام. بل أقصى ما هناك أن يكون معصية، وما أكثر العصاة في الطائفتين. ومعصية المسلم لا تستوجب قطع رابطة الأخوة الإسلامية معه قطعًا.
(وثالثًا) قد لا يدخل هذا في المعصية أيضًا ولا يوجب فسقًا إذا كان ناشئًا عن اجتهاد واعتقاد، وإن كان خطأ، فإن من المتسالم عليه عند الجميع في باب الاجتهاد أن للمخطئ أجرًا وللمصيب أجرين. وقد صحّح علماء السنة الحروب التي وقعت بين الصحابة في الصدر الأول كحرب الجمل وصفين وغيرهما، بأن طلحة والزبير ومعاوية اجتهدوا، وهم وإن أخطأوا في اجتهادهم، ولكن لا يقدح ذلك في عدالتهم وعظيم مكانتهم. وإذا كان الاجتهاد يبرر ولا يستنكر قتل آلاف النفوس من المسلمين وإراقة دمائهم، فبالأولى أن يبرر ولا يستنكر معه ــ أي مع الاجتهاد ــ تجاوز بعض المتطرفين على تلك المقامات المحترمة.
والغرض من كل هذا أننا مهما تعمّقنا في البحث ومشينا على ضوء الأدلة عقلية أو شرعية، وتجردنا من الهوى والهوس والعصبيات، فلا نجد أي سبب مبرر للعداء والتضارب بين طوائف المسلمين مهما اتسعت شقّة الخلاف بينهم في كثير من المسائل.
هذا كله بالنظر إلى القضية من حيث ذاتها مجردة عن كل الملابسات، فكيف إذا نظرنا إليها من حيث ما جرّه هذا الخلاف والعداء من الويلات والبليات على المسلمين، وما ضاع على أثره من الممالك الإسلامية الكبرى كالأندلس والقوقاز وبخارى ونحوها، ولو أن المسلمين كانوا في تلك الظروف يدًا واحدة كما أمرهم اللّه، لما انتزع من الإسلام شبر واحد.
وإذا لم يكفنا عبرة ما سجله التاريخ من تلك الفجائع فليكفنا ما رأيناه بأعيننا من رزية المسلمين بفلسطين وهي الفردوس الثاني. سبع دول عربية إسلامية كما يزعمون تتغلّب عليها عصابة من أذل الأمم مشهدًا وأقلّهم عددًا. ثم يمزّقون تلك الدول شر ممزّق. يشرّدون تسعمائة ألف مسلم بل أكثر من عرب فلسطين فيملكون دورهم وقصورهم وأراضيهم وأموالهم، ويضعونهم في البراري والقفار، تحت رحمة الأقدار. يفتك بهم البرد والجوع والمرض، والمسلمون يسرحون ويمرحون لا ينصرونهم إلا بالكلمات الفارغة، والتأوهات الكاذبة.
أما واللّه لو أن تلك الدول تركت عرب فلسطين يحاربون اليهود بأنفسهم لما استطاع اليهود أن يتغلّبوا على قرية من قراهم أو قطعة من أراضيهم. لم يكتف المسلمون بخذلان إخوانهم وتسليمهم إلى اليهود، بل كانوا ولا يزالون حتى اليوم عونًا لليهود، يساعدونهم بكل ما في وسعهم من تهريب وغيره، بل يصنعون لليهود مالا يصنع اليهود لأنفسهم، كل ذلك من آثار التقاطع والتخاذل بين المسلمين، فلا جامعة تجمعهم ولا رابطة تربط بعضهم ببعض، وتعطف بعضًا على بعض، لذلك حقّت عليهم كلمة العذاب، ولا يسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين».
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية