ما من سائح يزور المسجد الا ويتذكر المأساة التي ارتكبها يزيد بن معاوية ضد أهل البيت عليهم
شارک :
الجامع الأموي أو المسجد الأموي الذي يقع في قلب مدينة دمشق القديمة على الرغم من أنه له تاريخ حافل في جميع العهود والحضارات حيث يعتبر من روائع الفن المعماري الإسلامي، الا أنه اقترن بواقعة كربلاء، وما من سائح يزور المسجد الا ويتذكر المأساة التي ارتكبها يزيد بن معاوية ضد أهل البيت عليهم، فانه لم يكتف بارتكاب المجزرة بل طلب بنقل عائلة الامام الحسين عليه السلام الى دمشق ليضاعف التنكيل بعائلة الرسالة فقد طاف بهم الجيش في شوارع المدينة بطريقة مهينة الى أبعد الحدود حتى أن أهالي دمشق تصوروا أن الجيش جاء بهؤلاء الأسرى من الفرس والديلم وماكانوا يتوقعون أنهم أبناء وذراري نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.
وكل من أطلع على التاريخ وسمع بواقعة كربلاء سترتسم صور المجزرة أمام عينيه عندما يزور المسجد لذلك سيبحث عن المكان الذي وقفت فيه الحوراء زينب عليها السلام وهي تلقي تلك الخطبة التي مسحت فيها كبرياء يزيد بالأرض، كما أنه سيبحث عن الموقع الذي وضع فيه رأس الحسين أمام يزيد وكيف أن يزيد كان يضرب بعصاه الرأس الشريف وثنايا أبو عبد الله حتى أن الحاضرين اعترض بشدة على وقاحة يزيد وقال له، أنت تضرب ثغر الحسين واني رأيت رسول الله يقبل ثغره.
كما أن الزائر للمسجد سيتذكر تلك الخطبة العصماء التي ألقاها الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام في هذا المسجد والتي أثارت ضجة واسعة بين المصلين لأن الامام كشف عن حقيقة يزيد والجريمة النكرة التي ارتكبها ضد سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يزال الى جوار المسجد مقام رأس الحسين عليه السلام الذي لا يقل زواره على الرغم من صغر حجمه عن زوار المسجد.
تبلغ مساحة المسجد كله ۱5۷×۹۷م وتبلغ مساحة الحرم ۱۳6×۳۷م أما مساحة الصحن فهي ۲۲.5×60م وللجامع أربعة أبواب، باب البريد من الغرب وباب جيرون من الشرق وباب الكلاسة من الشمال. وباب الزيادة من الجنوب وينفتح من داخل الحرم. أما الصحن فإنه محاط من جوانبه الثلاثة بأروقة وأعمدة شامخة ارتفاعها 15.۳5م، ومن الجنوب تنفتح أبواب الحرم التي أصبحت مغلقة بأبواب خشبية تعلوها قمريات زجاجية ملونة مع كتابات وزخارف رائعة.
تنهض الأروقة على صفٍ من القناطر المتراكبة، قنطرتان صغيرتان فوق كل قنطرة كبيرة، وتحملها سواري مربعة ضخمة وأعمدة، عمودان بين كل ساريتين في الجانبين ويبلغ عددها مجتمعة 47 سارية وعمودًا. وهي تشكل واجهات الأروقة وواجهة الحرم المؤلفة من جبهة ثلاثية ذات نافذة مفتوحة على طرفيها نافذتان دائريتان، وتحت الجبهة واجهة مربعة في وسطها قوس كبير ضمنه ثلاث نوافذ، وترتكز هذه الواجهة على ثلاث قناطر محمولة على عمودين في الوسط، وركنين في الجانبين وتدعم هذه الواجهة من الطرفين دعامتان مربعتان ضخمتان. وعلى طرفي هذه الواجهة تمتد القناطر المتراكبة تسع قناطر إلى اليمين ومثلها إلى اليسار شرقًا.ومن الرواق تنفتح على الصحن ۲4 قنطرة ومن الرواقين الشرقي والجنوبي تسع قناطر.
أما حرم المسجد فهو مؤلف من قناطر متشابهة عددها ۲4 قنطرة تمتد عرضانيًا موازية للجدار القبلي، يقطعها في الوسط جناح متوسط يمتد من باب الجبهة الرئيسي وحتى المحراب. ويغطي هذا الجناح المتوسط سقف سنمي في وسطه تنهض قبة النسر المؤلفة من قبة نصف كروية من الخشب المصفّح، ومن قبة ثمانية تنفتح فيها 16نافذة، وترتفع القبة عن أرض الجامع45 م وهي بقطر ۱6 مترا.
في حرم الجامع أربعة محاريب، المحراب الأصلي في منتصف الجدار القبلي. وهذه المحاريب مخصصة للمذاهب الأربعة. وفي أعلى جدار القبلة، تنفتح على امتداده نوافذ ذات زجاج ملون. عددها 44 نافذة مع ستة نوافذ في الوسط. ويقوم إلى جانب المحراب الكبير منبر حجري رائع. إن جميع الزخارف الرخامية المنقوشة في المحراب والمنبر وفي المحاريب الأخرى هي آيات فنية، صنعها المبدعون الدمشقيون الذين نقلوا فنونهم إلى أنحاء كثيرة من البلاد العربية والإسلامية. ولقد زينت جدران الحرم بالفسيفساء والرخام، وما زالت أقسام كثيرة من الفسيفساء الأموي قائمة في الحرم من الشمال إضافة للتزيينات الكثيرة.
يعود تاريخ المسجد الأموي في سورية إلى ۱۲۰۰ سنة قبل الميلاد، حيث كان هذا المكان معبدا للإله "حدد الأراني"، إله الخصب والرعد والمطر، وعندما دخل الرومان إلى دمشق أقاموا فيه معبدا للإله جوبيتر، وما زالت أطلاله باقية من منطقة سوق الحريم وحتى منطقة القيمرية. وعندما دخلت روما في المسيحية أقيم في المنطقة الغربية الشمالية من مكان المعبد كنيسة يوحنا المعمدان، ولما دخل المسلمون إلى دمشق، جرى اقتسام موقع الكنيسة إلى قسمين: القسم الشرقي أصبح للمسلمين والقسم الغربي للمسيحين. وعندما تولى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك سنة ۹6هـ (الموافق ل ۷۰5 م) الخلافة أراد أن يبني مسجدا جامعا ليس له مثيل في الشرق، ورضي المسيحيون ببيع النصف العائد لهم مقابل كنيسة حنانيا وحقوق أخرى، وبدأ الوليد بالبناء فاستفاد من ما هو موجود، وحول الموجود إلى شكل إسلامي، وكساه وزينه بالفسيفساء والمنمنمات والنقوش وأفضل ما زينت به المساجد في تاريخ الإسلام.
وفي المسجد أول مئذنة في الإسلام المسماة مئذنة العروس وله اليوم ثلاث مآذن وأربع أبواب وقبة كبيرة قبة النسر وثلاث قباب في صحنه وأربعة محاريب ومشهد عثمان ومشهد أبوبكر ومشهد الحسين ومشهد عروة ولوحات جدارية ضخمة من الفسيفساء وقاعات ومتحف، وفي داخل المسجد ضريح النبي يحيى عليه السلام وبجواره يرقد صلاح الدين الأيوبي وبالقرب منه الكثير من مقامات وأضرحة رجال ومشاهير الإسلام، وقد صلى فيه أهم المشاهير في تاريخ الإسلام والفاتحين وعدد كبير من الصحابة والسلاطين والخلفاء والملوك والولاة وأكبر علماء المسلمين، وهو أول جامع يدخله أحد باباوات روما عندما زار مدينة دمشق. وكان ذلك عام ۲۰۰۱ م عندما قام بزيارته البابا يوحنا بولس الثاني وللجامع تاريخ حافل في كافة العصور قبل الإسلام وفي العصر الإسلامي.
الجامع هو أقدم وأجمل وأكمل آبدة إسلامية ما زالت محافظة على أصولها منذ عصر مُنْشِئها الوليد بن عبد الملك الذي حكم الى 96 هـ وخلال حكمه كان منصرفًا إلى الإعمار والإنشاء في البلاد الإسلامية، وكان بناء الجامع في عاصمة دولته دمشق من أكثر الأمور أهمية، ولقد استعان في عمارته بالمعماريين والمزخرفين من أهل الشام، وخصص له الكثير من المال وأمر أن يكون أفضل المباني وأفخمها وكان له ذلك فأصبح جامع دمشق الكبير أهم بناء في الدولة الإسلامية.
وقد باشر ببناء الجامع الكبير بدمشق، بعد أن اتفق مع أصحاب الكنيسة - لإقامة جامع ضخم يليق بعظمة الدولة الإسلامية، ويعتمد على التخطيط الذي وضعه الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (عند بنائه لمسجده الأول في المدينة المنورة)، وكان هذا المخطط يقوم على تقسيم المسجد إلى بيت الصلاة وإلى فناء مفتوح. لقد استبقى الوليد الجزء السفلي من جدار القبلة أعاد الجدران الخارجية والأبواب، وأنشأ حرم المسجد مسقوفًا مع القبة والقناطر وصفوف الأعمدة.
أنشأ أروقة تحيط صحن الجامع. وأقام في أركان الجامع الأربعة صومعة ضخمة، ولكن زلزالًا لاحقًا أتى على المنارتين الشماليتين، فاستعيض عنها بمنارة في وسط الجدار الشمالي، وأصبح للمسجد ثلاث منارات اثنتان في طرفي الجدار الجنوبي، وواحدة في منتصف الجدار الشمالي وتسمى مئذنة العروس. في عهد الإمبراطور الروماني تيودوس الأول ۳۷۹ م - ۳۹5 م تحول المعبد مرة ثانية إلى كنيسة باسم كنيسة القديس يوحنا المعمدان الموجود ضريحه داخل الجامع والمعروف أيضا بالاسم النبي يحيى (ع).
لم يحافظ الجامع على الشكل الذي بني عليه فقد تعرض لكثير من الحرائق والزلازل التي غيرت معالمه كثيرا. وفكر الخليفة عمر بن عبد العزيز في إزالة مظاهر الترف منه والتي رأى فيها خروجا عن التعاليم الإسلامية. لكن أهل الشام ووجهاء دمشق دافعوا عن زينة الجامع فعدل عمر عن نيته واستمر الجامع بزينته وفخامته وكنوزه.
قيل أيضا أن رجلا روميا وقع مغشيا عليه لما رأى عظمة الجامع وفخامته. فلما سئل عن السبب قال: (إننا معشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل، فلما رأيت ما بنوا في دمشق علمت أن لهم مدة سيبقونها، فلذلك أصابني ما أصابني) فلما أخبر عمر بالقصة قال : (لا أرى مسجد دمشق إلا غيظا على الكفار). وفي ركن الزاوية الشمالية القريبة من الجامع أقيم متحف الجامع عام ۱۹۸۹ م، ويضم نفائس الجامع القديمة وبعض الأحجار والسجاد واللوحات الخطية الجميلة، مع مصابيح إنارة وقطع فسيفسائية وخزفية وزجاجية ونقود إسلامية وساعات وصفحات من المصاحف المخطوطة القديمة والكثير من الأثريات الهامة في تاريخ الجامع العريق.