البيان الأول لدار التقريب: «جماعة التقريب» لا تريد إدماج مذاهبه
رواد التقريب و مؤسسو دار التقريب في العالم الاسلامي
تنا
و يقول سماحة الامام الخامنئي حول اهميت التقريب بين المذاهب الاسلامية : إذا كنا مع بعضنا وكانت قلوب البلدان والشعوب الإسلامية - من سنة وشيعة ومختلف فرق التسنن والتشيع - نقية بعضها اتجاه بعض، ولا تحمل سوء ظن وسوء نية بعضها لبعض، ولا يهين بعضهم بعضاً، لاحظوا أيّ حدث سيقع في العالم، وأية عزة ستحصل للإسلام!
شارک :
و كذالك قال الامام الخامنئي في كلمة لدى لقائه مسؤولي النظام وسفراء الدول الإسلامية بتاريخ 2015/07/18
قائلاً: "إنّ العالم الإسلامي اليوم يعاني من أزمات كبيرة جداً. فلقد أكّد الإسلام كل هذا التأكيد على التكاتف وتوحيد الصفوف والأخوّة بين المسلمين، بل وحتى في الاعتصام بحبل الله الذي كان بالإمكان أن يتم بصورة فردية، نجد الإسلام لم يوص بذلك بل قال: ﴿وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَمیعًا﴾."
فكرة التقريب : شهدت الأربعينيات حركة تقريبية رائدة انطلقت من دار التقريب وجماعة التقريب في القاهرة، ووضعت هذه الحركة لها خطة عمل مدروسة في حقل الأصول والفروع لنشر ثقافة التقريب، وحققت عبر مجلتها رسالة الإسلام نجاحا في إزالة الحواجز النفسية وتصحيح المفاهيم لدى السنة والشيعة ويتحمل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة اليوم مسؤولية رفع الراية مرة أخرى .
ويمكن أن نلاحظ أن ثقافة التقريب في التسعينات أصبحت أكثر شمولاً في إطار العام الإسلامي منها في الأربعينيات.ومما يلاحظه المرء فيما يخص أهل العلم أنهم في السابق - الأربعينيات مثلا - كانوا حماسا للتقريب بين المذاهب.
و اما علماء الأزهر الشريف، الذي هو أقدم وأعرق جامعة إسلامية، ففي ذلك الوقت المبكر كان الأزهر وعلماؤه يتمتعون بقدر من الاستقلال سمح لهم بأن يتخذوا مواقف ويعبروا عن آراء حرة يبتغون بها وجه الله، دون أن يكون للسلطة شأن بها وكان ذلك بعضا من تجليات المرحلة الليبرالية النسبية التي عاشتها مصر آنذاك. في التسعينيات، في ظل استمرار تراجع الهامش الديمقراطي وتعاظم دور الدولة، لم يكن بمقدور العلماء أو الأزهر أن يتحركوا بعيداً عن سلطان الدولة ولا سياساتها ، أدى تلقائيا إلى تراجع عملية التقريب، بل وفتح الباب في أقطار عربية عدة، وليس في مصر وحدها، لتعميق التفريق، وتقديم التخاصم والتقاطع على التلاقي والتفاهم. وكانت النتيجة أن تراجعت علائق السنة والشيعة عما كانت عليه قبل نصف قرن مضى.
اما عندما ألغيت الخلافة الإسلاميّة في تركيا، وكان العالم العربي كله تقريبا يرزح تحت الاحتلال، وبدا الغرب في أوج قوته، منتصراً في الحرب ومستعليا كنموذج حضاري. ومع ذلك فقد انتعشت حركة التقريب على نحو مدهش.
في الثمانينيات والتسعينيات كانت المشاعر الدينية قد تعالت مؤشراتها، وسرى الانتعاش بدرجة أكبر في المجتمعات الشيعية، التي استقبلت بحفاوة حدث الثورة الإسلامية في إيران. فإن تجربة التقريب التي تمت في الأربعينيات، وتواصلت حتّى أوائل التسعينيات، تظل تجربة رائدة جديرة بأن نستحضرها ونتأملها مليا.
و الأمر الذي لا ينبغي أن يصادر أصواتاً وجهودا دافعت بإخلاص عن التقريب وعن وحدة الأمة الإسلاميّة غير أن هذه الجهود ظلت استثنائية، وتعبر عن مواقف أفراد لا مؤسسات، وبالتالي فإن ثمارها ظلت محدودة الأثر والنطاق.
و من رواد فكرة التقريب
المرحوم العلامة محمّد تقي القمي، الذي غادر إيران إلى مصر لأول مرة في عام ١٩٣٧ م، والتقى بكبار شيوخها، خصوصا الشيخين محمّد مصطفى المراغي شيخ الأزهر وعبد المجيد سليم الذي كان مفتيا، ودرس في الأزهر لمدة سنتين، وشجعه اللقاء مع شيوخ الأزهر على طرح فكرة التقريب، التي خرجت إلى حيز الوجود حين عاد الشيخ القمي إلى مصر لكي يستقر بها في سنة ١٩٤٦ م، ويؤسس مع نخبة ممتازة من الشخصيات المصرية، دار التقريب بين المذاهب.
لقد شكل أول مجلس إدارة لدار التقريب في عام ١٩٤٧م، وضم عشرين عضواً من تلك الكوكبة التي التقت على الفكرة وتحمست لها في مصر، وكان معهم عدد آخر من العلماء يمثلون الشيعة الإمامية والزيدية.
رأس الجمعية في أول تأسيسها أحد كبار المصلحين في مصر آنذاك، هو محمّد على علوبة باشا الذي كان وزيراً في عدة حكومات (للأوقاف والمعارف) وعينته مصر أول سفير لها في باكستان. وكان من بين الأعضاء الشيخ عبد المجيد سليم رئيس هيئة الفتوى بالأزهر، (صار شيخا للأزهر فيما بعد) والشيخ أحمد حسين مفتي وزارة الأوقاف، والشيخ محمود شلتوت الذي كان عضواً بهيئة كبار العلماء (صار بدوره شيخا للأزهر) والشيخ محمّد عبد اللطيف دراز وكيل الأزهر، والشيخ عيسى ممنون عضو هيئة كبار العلماء ورئيس الجمعيات الشرعية، والشيخ حسن البنا رئيس الإخوان المسلمين، والشيخ عبد الوهاب خلاف والشيخ علي الخفيف، وهما من كبار أساتذة الفقه والتشريع بالجامعة، والشيخ محمّد المدني الأستاذ بالأزهر (أصبح وكيلا للأزهر فيما بعد).
والى جانب هؤلاء كان من بين الأعضاء الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، والشيخ محمّد تقي القمي ممثلا للشيعة الإمامية، وعلي بن إسماعيل المؤيد، والقاضي محمّد بن عبدالله العمري، عن الشيعة الزيدية.
والى جانب نخبة العلماء الممتازة التي أسست جمعية التقريب وتصدرت أول مجلس إدارة لها، فقد بين النظام الأساسي للجمعية أنها تتطلع إلى ما هو أبعد من جمع كلمة المسلمين باختلاف طوائفهم ومذاهبهم إذ لم يكتف المؤسسون بذلك الهدف الجليل، وإنّما طمحوا لأن يصبح الكيان الجديد بمثابة رابطة أو جامعة للشعوب الإسلاميّة تتجاوز حدود مصر فقد نصت المادة الخاصة بأغراض الجماعة على أن من تلك الأغراض ,السعي إلى إزالة ما يكون من نزاع بين شعبين أو طائفتين من المسلمين والتوفيق بينهما» و… «عقد مؤتمرات إسلامية عامة تجمع زعماء الشعوب الإسلاميّة في الأمور الدينية والاجتماعية». فضلاً عن ذلك فإن الجمعية أرادت أن تقوم بدور في الدعوة إلى الإسلام عن طريق «نشر المبادئ الإسلاميّة باللغات المختلفة وبيان حاجة المجتمع إليها».
و الذي فعلته هذه الكوكبة من الرجال الّذين التقوا على فكرة التقريب بين المذاهب، وراودهم حلم توحيد الأمة وجمع كلمتها...
إن كلّ من تحدث في موضوع التقريب لابد أن يتوقف أو ينطلق من الفتوى التي أصدرها الشيخ محمود شلتوت بعدما صار شيخا للأزهر، وهي الأولى من نوعها - في حدود علمي التي أجازت التعبد على مذهب الشيعة الإمامية والزيدية وكثيرون ينسون أن الشيخ شلتوت رحمه الله كان من مؤسسي جماعة التقريب بين المذاهب، وأن الفتوى من ثمار جهد علمائها الذي تواصل حثيثا لمدة عشرين عاما تقريباً.
إلى جانب الفتوى، فإن جماعة التقريب أصدرت مجلة جامعة باسم «رسالة الإسلام»، ظلت تصدر طيلة أربعة عشر عاماً كما أنها اعتمدت تفسيراً للقرآن اجتمع عليه علماء السنة والشيعة هو تفسير «مجمع البيان لعلوم القرآن للطبرسي»، الذي استغرق تهيئته للنشر مدة عشرين عاما وأشرف على هذه العملية ثلاثة من أكابر علماء الأزهر هم الشيوخ عبد المجيد سليم ومحمود شلتوت ومحمد المدني وفي حدود علمي فإنهم شرعوا في تجميع الأحاديث النبوية المتفق عليها بين السنة والشيعة، وقطعوا شوطا طيبا في هذا الصدد، رغم أن هذا الجهد لم ير النور بعد.
و مما حققته اللجنة في عمرها القصير:
أنها أحيت فكرة التقريب، وجمعت من حولها كبار علماء السنة والشيعة، وكان عملها هذا أهليا محضا، حركته الغيرة على الإسلام والمسلمين، ولم تكن لهذا العمل علاقة بأي نظام سياسي أو مؤسسة رسمية.
أنها طرحت مشروعها من خلال مجلة «رسالة الإسلام» التي ظلت تخاطب المسلمين كافة طيلة أربعة عشر عاماً.
أنها نجحت في ضم الفقه الشيعي إلى المذاهب الإسلاميّة الأخرى التي تخضع للدراسة في منهج الفقه المقارن بالأزهر الشريف.
أنها قطعت شوطاً كبيراً بإصدار تفسير للقرآن متفق عليه، وسعت إلى تحقيق الفكرة نفسها عن طريق تجميع الأحاديث النبوية المتفق عليها أيضاً.
معنى ذلك أن جماعة التقريب أنجزت خطى بالغة الأهمية على صعيد تحويل التقريب من حلم وفكرة، إلى عمل مشترك جاد تبلور في مجموعة من الآثار العلمية التي بقيت لأجيال المسلمين إلى يوم الدين.
إذا كان تفسير الطبرسي نموذجا للعمل العلمي الذي ترجم عملية التقريب، فإن الأفكار التي طرحتها مجلة «رسالة الإسلام» تمثل صلب المشروع، وتعكس كيفية رؤية أصحابه له، ولذلك فإنها تعد بحق صوت التقريب، الأمر الذي يجعلها جديرة بأن تصبح مادة للدراسة المعمقة ولذلك فهي بحاجة إلى وقفة أطول.
إن قارئ أعداد المجلة يلاحظ أنها ظلت طيلة الأربعة عشر عاما تتحرك على محاور عدة، في مقدمتها خمسة، سنعرض لها بالتوالي هي:
استنكار فرقة المسلمين.
الدفاع عن الحق في الاختلاف.
رفض توحيد المذاهب.
الأصول المتفق عليها بين أهل السنة والشيعة ومن ثم السعي الدءوب للتنبيه إلى مساحة المشترك بين الطرفين.
رد الشبهات التي تتردد في أوساط أهل السنة بشأن الشيعة ومذهبهم.
فيما يتعلق باستنكار فرقة المسلمين وتمزقهم فإنه لا يكاد نص في المجلة يخلو من تعبير عنه.
وكان البيان الذي أصدره مؤسسو دار التقريب عقب أول اجتماع لهم (٣٠ ربيع الثاني عام ١٣٦٦ هـ) هو أوضح إعلان عن الفكرة فبعد أن أشار البيان إلى ثراء الفقه الإسلامي انتقد ممارسات المقلدين والمتعصبين للمذاهب الّذين كلت هممهم عن حمل ما كان يحمله سلفهم في العلم والنظر وهو ما صادف عهود الضعف السياسي وانقسام الأمة الإسلاميّة إلى دويلات صغيرة لا تربطها رابطة ولا تجمعها جامعة ومن شأن الضعف السياسي إذا أصيبت به أمة، أن يخيل إلى أبنائها أنهم أقل من سواهم قوة وعلما وتفكيراً، وأنه تركد معه ريح العلم ويفتر نشاط العلماء.
و أضاف البيان - تأثر أكثر المشتغلين بالفقه، فحكموا على أنفسهم وعلى جميع أهل العلم في زمانهم بأنهم ليسوا أهلاً للنظر والاستنباط، ولا لفهم كتاب الله وسنة رسوله ومن ثم حكموا بإغلاق باب الاجتهاد، وترتب على ذلك أن وقف الفقه وجمد وأن تعصب كلّ منهم لرأي إمام، وزعم أنّه الحق وأن ما سواه باطل، وأسرفوا في ذلك إسرافا بعيدا حتّى كان منهم من لا يصلى وراء إمام يخالفه في مذهبه، ومن لا يزوج اينته لفلان، أو يتردد في أكل ذبيحة فلان، أو قبول قضاء فلان، لمجرد أنّه يخالفه في المذهب ثم حصروا الأئمة الّذين أوجبوا اتباعهم في عدد معين وهكذا ضاق أفق الاتباع والأشياع مما اتسع له أفق المتبوعين.
توقفت عند مقالة في الموضوع نشرها الشيخ محمّد الغزالي تحت عنوان «على أوائل الطريق»، استهلها بكلام للمستشرق المجري جولد تسيهر ذكر فيه أن الملك «نادر شاه» (المتوفى سنة ١٧٤٧ م) سعى جادا كي يعقد مع الأتراك صلحا ينقي الجو بين الشيعة والسنة، ويضع حد للخلاف القائم بين الفريقين.
ووضع لذلك مشروعا جيداً كاد يخرج إلى حيز التنفيذ، لولا أن المنية عاجلته فمات دون أن تتحقق أمنيته وقد إشارات كتابات الفقيه السني عبد الله بن حسين السويدي، الذي كان معاصرا لتلك الفترة، إلى أن نادر شاه عقد مجمعا دينيا جمع فيه فقهاء الفريقين وقد اتفق هؤلاء الفقهاء على ضم التشيع إلى المذاهب السنية، وجعله مذهبا خامسا يقبل به المسلمون كافة وقد صارت من السهل بعد قليل - بموجب هذا الاتفاق - أن يخصص مقام خامس للمذهب الجعفري في دائرة الحرم المكي بجوار مقامات المذاهب الأربعة السنية وصار لزاما منذ ذلك الوقت الإقرار بسنية هذا المذهب.
امتدح المستشرق المجري هذه الخطوة لكنه قال إن حلم التوفيق بين الطرفين كان أمنية بعيدة ذلك أن «الحقد المتوارث الذي يحمله كلا الفريقين للآخر والضغائن التي شرطت فقهاء المذهبين شطرت، جعلتهم بعد موت نادر شاه لايتصوبون سياسة التسامح والوفاق».
علق الشيخ الغزالي على ما كتبه جولد تسهير قائلا: لقد أحسست وخزاً في فؤادي وأنا أقرأ كلمة الإسلام الشيعي والإسلامي السني، التي ترددت على لسان المستشرق المجري مرارا وتساءل: ما الذي حدث حتّى نكب الإسلام بهذه الفرقة؟ - في رده قال: الحقيقة أن هناك أناسا لا يتقون الله في دينهم ولا في أمتهم، أطلقوا غيوما داكنة من الإشاعات والظنون، كانت العملة الدفينة في تمزيق الشمل، وملء الرءوس بطائفة من التصورات الباطلة والمشاعر المنحرفة… وجماهير العامة - للأسف الشديد - ضحايا لتجاذب متبادل لا أساس له، ويوم ينكشف الغطاء عن الحقيقة، سيحزن كثيرون لما أرسلوا من أحكام وأطلقوا من عبارات.
في هذا المعنى كتب الشيخ محمّد تقي القمي يقول: كان الوضع قبل تكوين جماعة التقريب يثير الشجن فالشيعي والسني كلّ كان يعتزل الآخر وكل كان يعيش على أوهام ولدتها في نفسه الظنون، أو أدخلتها عليه سياسة الحكم والحكام، أو زيفتها له الدعاية المغرضة.
كان يسود الفريقين جو من الظلام، فلا يرى أحدهما في صورة الآخر إلاّ شبحاً تحوطه الظلمة ولا يتكلم عنه إلاّ بما توحي به الظلمة، ولا يقرأ عنه إلاّ ما تسمح به حلكة الظلام.
أضاف العلامة : أن الفرقة بين المسلمين ظلت غذاء مناسبا للحكم والحكام قرونا عدة، دأب فيها كلّ حاكم على استغلالها لتثبيت سلطانه، وتحطيم عدوه، ثم جاءت السياسات الأجنبية فوجدت في هذه الفرقة خير وسيلة لتدخلها، وبث نفوذها ودعم سلطانها وفرض سيادتها.
اما الحق كلّ الحق أنّه لا ضرر على المسلمين في أن يختلفوا، فإن الاختلاف سنة من سنن الإجماع ولكن الضرر كلّ الضرر في أن يفضي بهم الخلاف إلى القطيعة والخروج على مقتضى الأخوة التي أثبتها الله في كتابه العزيز، لا على أنها شيء يؤمر به المؤمنون، ولكن على أنها حقيقة واقعة، رضى الناس بها أم أبوا.
هكذا كتب الشيخ محمّد تقي القمي في الأعداد الأولى لمجلة رسالة الإسلام.
في مقالة بعنوان «نقط على الحروف - أو مزيد من الإيضاح».
هذا المعنى عاد الشيخ القمي إلى التأكيد عليه في مقالة أخرى بعنوان «خلاف نرضاه وخلاف نأباه». وفيه قال:
«هناك فرق بين خلاف وخلاف: هناك خلاف تمليه طبيعة التفكير وتقتضيه سنن الاجتماع، ونحن نقبله ونرضاه وهناك خلاف يصطنع اصطناعا، ونحن نرفضه ونأباه».
إننا نقبل الخلاف الفكري ما دام في دائرة معقولة، ونرحب بالخلاف المذهبي لأنه وليد آراء اجتهادية مرجعها الكتاب والسنة أو ما أعطاه الكتاب أو السنة قوة الحجية ونرحب بما عند الشيعة وأهل السنة، لأنهما تؤمنان بما يجب على المسلم أن يؤمن به، وإن اختلفتا في مسائل فقهية، وتميزتا في مسألة الولاة والخلافة ونرحب كذلك بالمعارف الكلامية، لأنها ميدان من ميادين التفكير للمسلم أن يجول فيه.
نحن نرحب بهذه الخلافات كلها، بل نعتز كمسلمين بالكثير منها: لأنها إن دلت على شيء فإنما تدل على الحرية الفكرية. ولأنها إن أحسن النظر إليها، تسعد الأمة وتكفل رقيها وتبقى على سلامتها.
إن هذه الخلافات في جوهرها تنبئ عن معنى الوفاق فهي ترتبط بأصل واحد هو الكتاب والسنة.
وليس معنى هذا أن في السنة خلافا، بمعنى أن البعض يقبل ما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - والبعض لا يقبله، معاذ الله، فالمسلمون يتفقون في وجوب الأخذ بسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله ـ. ولكنهم قد يختلفون في الفهم أو التفسير أو في أن هذا صدر عن الرسول الأعظم أو لم يصدر أما من لا يأخذ بما أمر به الرسول فليس بمسلم.
فالآراء الاجتهادية إذن، يجمعها الكتاب والسنة، وليس بعد هذا من وفاق.
أما الخلاف الذي لا نرحب به ولا نقبله، بل نرفضه ونقاومه، فهو الخلاف الذي يقوم على الكراهية والبغضاء، وتغذية الشبه والأوهام، ويوجد البلبلة في صفوف الأمة، ويؤدي إلى تفريق كلمة المسلمين.
ذلك خلاف لا يتفق والخلق الإسلامي، ولا يستند إلى المعارف الإسلاميّة، حمل لواءه مؤلفون كتبوا قبل التثبت تارة، وبداعي الغرض والهوى تارات، فسودوا صحيفة الشيعة في نظر أهل السنة، وسودوا صحيفة أهل السنة في نظر المتشيعين، بعضهم خلط بين أهل السنة والنواصب، وأكثرهم خلطوا بين الشيعة والغلاة، بينها وبين الفرق البائدة، وألصقوا بها آراء لا تمت إليها بصلة، بل الشيعة منها براء.
أثارت جهود التقريب جدلا كبيرا؛ حيث شاع بين قطاعات ليست قليلة من المسلمين أن مقصدها في نهاية المطاف هو توحيد المذاهب، باعتبار أن هذه هي الصيغة المثلى لفض الاشتباك وإنهاء الخلافات. لذلك دأبت مجلة رسالة الإسلام على نفي هذه الفكرة، والإلحاح على أن هدف التقريب مختلف إلى حد كبير.
في البيان الأول لدار التقريب أثيرت هذه القضية، حين تلقت الجمعية تساؤلات من بعض الحجازيين عن حقيقة مهمتها، وهل تتناول إدماج المذاهب الإسلاميّة بعضها في بعض، كما يردد أهل العلم في الحجاز واختار البيان أن يرد من خلال اقتباس نصوص من رسالة بعثت بها الجمعية إلى الملك عبد العزيز آل سعود، حين أرادت أن تقدم نفسها وتشرح أهدافها وقد جاء في الرسالة ما يلي:
١ - أن «جماعة التقريب» لا تريد المساس بالفقه الإسلامي، ولا إدماج مذاهبه بعضها في بعض، بل هي على النقيض من ذلك، ترى في هذا الاختلاف الفقهي مفخرة للمسلمين، لأنه دليل على خصوبة في التفكير، وسعة في الأفق، واستيفاء وحسن تقدير للمصالح التي ما أنزل الله شريعته إلاّ لكفالتها وصونها، وكل ما تبذله الجماعة من جهود في سبيل الفقه الإسلامي إنّما هو في دائرة خدمته وتنميته وتسليط نوره الوهاج على شؤون الحياة الإسلاميّة كلها، وبحث المشكلات التي جدت وتجد ولم يتضح للناس حكم الله فيها.
٢ - ولن تمد الجماعة يدها إلاّ لأرباب المذاهب الإسلاميّة التي تعتقد العقائد الصحيحة التي يجب الإيمان بها.
٣ - وهي ترى أن بعض المنتسبين إلى المذاهب الإسلاميّة يجعلون لبعض المعارف والآراء التي لا صلة لها بالعقائد الصحيحة أهمية طاغية تدفعهم إلى التخاصم والتقاطع والتنابز بالألقاب ونسيان ما جمع الله عليه القلوب، وألف به بين المسلمين وترى أن أعداء الإسلام والطامعين في استعمار بلاده وإذلال أهله يتخذون من هذه الخلافات أبوابا يلجون منها إلى مقاصدهم الباغية، ويعملون كلّ ما في استطاعتهم على إذكاء نيرانها ليضربوا بعض المسلمين ببعض ثم يضربوهم جميعا.
٤ - وتؤمن إيمانا عميقا بأن من أهم الواجبات الدينية على كلّ ذي علم ورأي في شعوب المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم الإسلاميّة، العمل على تبصير المسلمين بدينهم، وقطع أسباب الخلاف والتفرقة بينهم ببيان ما هو عقيدة يجب الإيمان بها، وما هو معارف لا يضر الخلاف فيها، وأن من بين هذه المعارف ما يظن أنّه من العقائد وهو ليس منها.
٥ - فالغرض من تأليف «جماعة التقريب» بين المذاهب الإسلاميّة هو: أن تكون مركزاً إسلامياً لهذه الفكرة، تتركز فيه جهود جميع المقتنعين بها في أنحاء العامل، شرقية وغربية، وتتجاوب لديه أصواتهم وأبحاثهم وأراؤهم في رفق وحسن تقبل، فيتهيأ لها جو من البحث العلمي الخالص على ضوء القواعد الإسلاميّة الصحيحة، وحينئذ تنجلي أمام المسلمين أسباب الاختلاف فيما وراء العقائد الدينية والأحكام التشريعية فيعالجونها، ويصلون في المسائل والنظريات الخلافية نفسها إلى الرأي الصحيح الذي يهدي إليه المنطق والدليل، فإذا بقي بعد ذلك مالم تجتمع عليه القلوب أو تقطع به البراهين، كان أمره بعد ذلك هينا لا ينبغي أن يفضي إلى التقاطع والتناكر والتقاذف، وإنّما هو الخلاف في الفقه والفروع يعذر العلماء فيه بعضهم بعضا ويتبادلون الاحترام والمودة والتعاون كما هو شأن المؤمنين.
وقد جسدت دار التقريب موقفها من المذاهب المختلفة حين طبعت ووزعت في موسم الحج جدولا مفصلا عن أحكام الحج على المذاهب المتعددة: الحنفي، والمالكي، الشافعي، والحنبلي، والإمامي، والزيدي، وقد راج هذه الجدول في البلاد المقدسة رواجا عظيما، ولفت أنظار كثير من المسلمين، إلى أن آراء فقهائهم في فروع عبادتهم ليست من التباعد والخلاف بحيث توجد الخصومة والفرقة والتباغض فيما بينهم.
تنبه إلى أهمية هذه المسألة العلامة محمّد الحسين آل كاشف الغطاء فكتب في المجلة مقالة تحت عنوان: «بيان إلى المسلمين»، قال فيها: من المقطوع به أن ليس المراد من التقريب بين المذاهب الإسلاميّة إلاّ إزالة أصل الخلاف بينها بل أقصى المراد وجل الغرض هو إزالة أن يكون هذا الخلاف سببا للعداء والبغضاء الغرض تبديل التباعد والتضارب بالإخاء والتقارب.
في معنى التأكيد على المشترك بين السنة والشيعة كتب الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر في «رسالة الإسلام» يقول: إنني من المؤمنين بفكرة التقريب، العاملين على أن يدرك المسلمون جميعا مزاياها وما تؤدي إليه من جمع كلمتهم وتوحيد أهدافهم…. فالإسلام هو دين الوحدة كما هو دين التوحيد.
وقد حرصت شريعته على أن تقر في الناس أسس التضامن والتكافل الاجتماعي والتعاون على البر والتقوى، وعلى أن تنزع من بينهم أسباب العداءات والضغائن، وما ينزع به الشيطان بينهم ليفشلوا وتذهب ريحهم.
وهذه هي القواعد الخمس التي بني عليها هذا الدين المتين أثرت كلها إلى توطيد أمر المسلمين على الوحدة والألفة واتفاق الغاية… فالمسلمون جميعا يقيمون الصلاة في أوقات خمس مكتوبة ليست ستة عند فريق ولا أربعة عند فريق وهم متفقون عليها بأعيانها، ومتفقون على أعداد ركعاتها، وعلى قبلة المصلى فيها وقد شرعت فيه الجماعات والجمعات والصلوات العامة في المناسبات، كصلوات العيد والاستسقاء والكسوف ونحو ذلك من كلّ ما يراد به إشعار المسلمين بالوحدة والألفة واتفاق المصالح والاستواء أمام ربوبية الله جل وعلا.
وما يسرى على الصلاة يسرى بذات القدر على الشهادتين، وعلى الزكاة والصيام والحج وهذه الأركان التي لا يختلف عليها المسلم تشكل أساسا متينا للتوحيد والوحدة بين أبناء الأمة.
وفي مقالة أخرى عن «الإسلام والأزهر والتقريب» كتب الشيخ محمّد عبد اللطيف دراز داعياً إلى ضرورة «العمل على جمع كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتصفية الخلافات بينهم بعرضها على كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الأول من المؤمنين». ثم أضاف أنّه: سوف يظهر أنهم في الحقيقة متحدون غير مختلفين فالأصول واحدة والوسائل واحدة وما الخلاف إلاّ في التطبيق ولعمري إذا جاز اختلاف المسلمين في الفقه والفروع، فكان منهم الحنفي والمالكي والحنبلي والشافعي والزيدي والإمامي، وأزال الله في هذا العصر ما كان بينهم من عداوة وبغضاء، فلم لا يجوز بينهم اختلاف هادئ عف، فيما هو وراء الأصول المتفق عليها من ألوان المعارف الفكرية التي ليست من العقائد».
وقد ذهبت فكرة البحث عن المشترك إلى ما هو أبعد، في اقتراح نشرته المجلة للشيخ عبد العزيز عيسى، أحد علماء الأزهر، ودعا فيه إلى إنشاء معهد خاص في إطار الأزهر لدراسة المذاهب والأفكار الدينية في كافة الأقطار الإسلاميّة، بحيث «يمكننا في سهولة ويسر أن نعرف أوجه الوفاق والخلاف على صورة محدودة، وأن نصلح ما أفسده الدهر، ونحقق ما زوره التاريخ، وننشر في ربوع كلّ دولة ما عند الأخرى، فيتبادل المسلمون الثقافة الصحيحة ويعرف بعضهم بعضا على حق، وتزول من بينهم الجفوة والقطيعة، ويأخذوا سبيلهم إلى الوحدة والألفة التي لا يصلح أمرهم إلاّ عليها».
و في تصويب صورة الشيعة الإمامية في الذهن الإسلامي العام، نشرت المجلة مقالات عدة لفتت الأنظار إلى ضرورة التفرقة بين مدارس الاعتدال والغلو في الساحة الشيعية، ومقالة العلامة الدكتور محمّد جواد مغنية «الغلاة في نظر الشيعة الإمامية» نموذج لذلك وفيها ذكر أن علماء الإمامية متفقون على نجاستهم وعدم جواز الزواج منهم أو تغسيل ودفن موتاهم - وعدم توريثهم.
وهؤلاء هم الّذين زعموا أن جزءا الهياً حل في جسم علي بن أبي طالب، وبه يعلم الغيب، والرعد صوته والبرق تبسمه، وغيرهم يقولون بأن جعفر الصادق هو إله الزمان، أو أولئك الّذين زعموا أن الله جل جلاله خلق الأئمة، ثم اعتزل تاركا لهم خلق العالم وتدبير شؤونه.
سلط الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء الضوء على بعض خلافات السنة والشيعة، فقال أن أعظم تلك الخلافات وأهمها على الاختلاف هو قضية «الإمامة»، حيث ذكر أن الطائفتين وقعتا منها على طرفي نقيض…. فالشيعة ترى أن الإمامة أصل من أصول الدين، وهي رديفة التوحيد والنبوة وأنها منوطة بالنص من الله ورسوله، وليس للأمة فيها من الرأي والاختيار شيء، كما لا اختيار لهم في النبوة بخلاف أهل السنة، فهم متفقون على عدم كونها من أصول الدين، ومختلفون بين قائل بوجوب نصب الإمام على الرعية بالإجماع ونحوه، وبين قائل بأنها قضية سياسية ليست من الدين في شيء لا من أصوله ولا من فروعه».
أضاف الشيخ كاشف الغطاء متسائلا: «مع هذا التباعد الشاسع بين الفريقين في هذه القضية، هل تجد الشيعة تقول أن من لا يقول بالإمامة غير مسلم (كلا ومعاذ الله) أو تجد السنة تقول أن القائل بالإمامة خارج عن الإسلام - لا وكلا - إذن فالقول بالإمامة وعدمه لا علاقة له بالجماعة الإسلاميّة وأحكامها من حرمة دم المسلم وعرضه وماله ووجوب أخوته، وحفظ حرمته وعدم جواز غيبته، إلى كثير من أمثال ذلك من حقوق المسلم على أخيه».
ثم ذهب إلى أبعد في المصارحة، فقال إن أحد أسباب المشاحنة بين السنة والشيعة، ما يتردد من أن الشيعة ترى جواز المساس بكرامة الخلفاء أو الطعن، وفند تلك المقولة بحج عدة منها:
أولاً: فليس هذا من رأي جميع الشيعة وإنّما هو رأى فردي من بعضهم وربما لا يوافق عليه الأكثر كيف وفي أخبار أئمة الشيعة النهي عن ذلك فلا يصح معاداة الشيعة أجمع لإساءة بعض المتطرفين منهم.
ثانياً: أن هذا على فرضه لا يكون موجبا للكفر والخروج عن الإسلام بل أقصى ما هناك أن يكون معصية، وما أكثر العصاة في الطائفتين ومعصية المسلم لا تستوجب قطع رابطة الأخوة الإسلاميّة معه قطعا.
ثالثاً: قد لا يدخل هذا في المعصية أيضاً ولا يوجب فسقا إذا كان ناشئا عن اجتهاد واعتقاد، وإن كان خطأ، فإن من المتسالم عليه عند الجميع في باب الاجتهاد أن للمخطئ أجرا وللمصيب أجرين، وقد صحح علماء السنة الحروب التي وقعت بين الصحابة في الصدر الأول كحرب الجمل وصفين وغيرهما، بأن طلحة والزبير ومعاوية اجتهدوا وهم وإن أخطئوا في اجتهادهم، ولكن لا يقدح ذلك في عدالتهم وعظيم مكانتهم، وإذا كان الاجتهاد يبرر ولا يستنكر قتل آلاف النفوس من المسلمين وإراقة دمائهم، فبالأولى أن يبرر ولا يستنكر معه - أي مع الاجتهاد - تجاوز بعض المتطرفين على تلك المقامات المحترمة».
و من جانب اخر اعتبر الشيخ محمّد المدني تدريس فقه الشيعة في كلية الشريعة بجامعة الأزهر بمثابة «رجة البعث» وكانت هذه الخطوة قد أثارت لغطا في أوساط العلماء، قام الشيخ المدني بتفنيد ما تردد وقال: إن بعض الناس تسائلوا: كيف تدخلون فقه الشيعة في الأزهر، مع أن هذا المذهب هو مذهب الّذين يعتقدون أن جبريل إنّما بعث بالرسالة إلى علي فأخطأه ونزل بها على محمّد وأن عليا قد حل فيه جزء من الإله وقال في الرد على السؤال ما يلي:
إن كلمة «الشيعة» تطلق على عشرات المذاهب التي تنسب إلى الإسلام حقا أو باطلا، وبعض هذه المذاهب ضال منحرف عن الأصول الإسلاميّة، وبعضها مستمسك بما يجب الإيمان به، مثله في ذلك كمثل مذاهب السنة، وإن خالفهم في بعض الفروع الفقهية أو النظريات والمسائل التي هي من قبيل المعارف الكلامية.
والفريق الأول من المتسمين باسم الشيعة وهم الضالون المنحرفون، لا يعدون من أهل الإسلام وإن ادعوه؛ لأن العبرة في ثبوت الإسلام إنّما هي بالإيمان بأصول العقائد الإسلاميّة، وعدم إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهؤلاء ليسوا كذلك وقد انقرضوا ولم يعدلهم أثر في العالم الإسلامي، ولو فرضنا أن لهم بقية في كهف من الكهوف أو طرف من الأطراف فليسوا منا ولسنا منهم، وهم كفار خارجون على ملة الإسلام ملعونون من أهل السنة ومن الشيعة.
أما الشيعة الّذين تقرر إدخال فقههم فهم:
١ - الشيعة بالإمامية الاثنا عشرية، وقد لقبوا «بالإمامية»؛ لأنهم يقولون بأن إمامة علي ثابتة بالنص، ولقبوا «باثنا عشرية»؛ لأنهم يسوقون الإمامة إلى اثنى عشر إماما، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم محمّد بن الحسن العسكري الملقب بالحجة.
وهم يسكنون إيران والعراق وسوريا ولبنان والباكستان والهند، وغيرهم من البلاد العربية والإسلامية ويؤمنون بأصول الإسلام كلها ولا يستطيع أحد من أهل القبلة أن يحكم بكفرهم، وكل ما بينهم وبين السنة من اختلاف، إنّما هو فيما وراء الأصول التي يجب الإيمان بها لتحقق مفهوم الإسلام، وينسب فقههم إلى أئمتهم من أهل البيت النبوي واشتهر باسم الفقه الجعفري نسبة إلى أحد هؤلاء الأئمة، وهو جعفر الصادق بن محمّد الملقب بالباقر.
وهؤلاء الشيعة الإمامية لهم كتبهم في العقائد والفقه والأصول وأسرار الشريعة والأخلاق والتصوف، وعلوم اللغة العربية وغيرها، وقد نبغ منهم كثير من الفقهاء، وأهل الحديث والرواية، والأدباء، والأصوليين، والمتكلمين، وغيرهم، ولهم أثر واضح في العلوم الإسلاميّة في مختلف العصور.
٢ - الشيعة الزيدية، وهم يسكنون اليمن غالبا، ومذهبهم منسوب إلى الإمام زيد بن علي زين العابدين، وهو أقرب مذاهب الشيعة إلى مذاهب السنة.ولا ينازع أحد في شأنهم مع كونهم أيضاً ملقبين بلقب «الشيعة».
ثم أضاف: إذن، فلا يستقيم القول بأن الشيعة كلها تقول برسالة علي ألوهيته، أو تغالي في شأنه، فإن هذا القول على إطلاقه خطأ، ويجب التفريق بين الشيعة المهتدين، والشيعة الضالين أو المنحرفين، كما يجب الحذر عند سماع أي نقل عن الشيعة، والتحري عن القائل منهم بذلك حتّى لا يحمل قول ضال على فرقة مهتدية لم تقله.
قال في رده: إن تقليد غير الأربعة جائز شرعا، وواجب المسلم إذا تعذر عليه أن ينال الأحكام من أدلتها أن يسأل أهل الذكر، وليس عليه أن يلتزم مذهبا معينا، إذ لا واجب إلاّ ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، قال شارح مسلم الثبوت: «فإيجابه تشريع شرع جديد» ثم قال: «ولك أن تستدل عليه بأن اختلاف العلماء رحمة بالنص، وترفيه في حق الخلق فلو ألزم العمل بمذهب معين كان هذا نقمة وشدة».
ثم قال: وأما أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله، وإنّما هي روايات رويت في كتبهم كما روي مثلها في كتبنا وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها وبينوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك، كما أنّه ليس في السنة من يعتقده.
ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب (الإتقان) للسيوطي السني ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحا.
وقد ألف أحد المصريين في سنة ١٩٤٨ كتابا أسمه «الفرقان» حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلالها عن الكتب المصادر عند أهل السنة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمي اوجه البطلان والفساد فيه فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.
أفيقال: إن أهل السنة ينكرون قداسة القرآن، أو يعتقدون نقص القرآن للرواية رواها فلان، أو لكتاب ألفه فلان؟
«وقال أيضاً - قدس الله روحه ـ: إن العلم بتفسير القرآن وأبعاضه في صحة نقله، كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة،ككتاب سيبويه والمزني، فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما حتّى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه باباً من النحو ليس من الكتاب، لعرف وميز وعلم أنّه ملحق وليس من أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني، ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء».
«وذكر أيضاً أن القرآن كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله - مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتّى عين جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يعرض على النبي - صلى الله عليه وآله - ويتلى عليه، وأن جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود وأبي بن كعب، وغيرهما ختموا القرآن على النبي - صلى الله عليه وآله - عدة ختمات، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنّه كان مجموعاً مرتبا غير مبتور ولا مبثوث، وذكر أن من خالف ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد مجموعاً، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته».
فهذا كلام صريح واضح في الدلالة على أن الإمامية كغيرهم في اعتقاد أن القرآن لم يضع منه حرف واحد، وأن من قال بذلك فإنما يستند إلى روايات ظنها صحيحة وهي باطلة.
على امل وحدة الامة الاسلامية على المشتركات بلتوحيد و الرسالة المحمدية و القران الكريم متوجة الى قبلة واحدة امين يارب العالمين .