نشوء المتحف : ان ما توصل اليه العراقيون من فنون وعلوم وآداب وصناعات واختراعات كانت الأساس الأول لحضارة عالمية ناضجة في العصور التي تلت ذلك التاريخ. إذ يعتبر المتحف العراقي من المتاحف التي احتلت المرتبة السادسة من حيث متاحف العالم لميزته الخاصة فهو ككتاب أكاديمي مفتوح يستعرض التطورات الحضارية للعراق بشكل متسلسل بدون انقطاع. كما يعكس التطورات الحضارية في الشرق القديم بأكمله. ولعل التسلسل الحضاري للقطع الأثرية هو ما يمنح هذا المتحف مكانة خاصة بين بقية متاحف العالم .
تأسس المتحف العراقي عام ١٩٢٣ حيث كان يشغل حيزاً صغيراً في بناية القشلة (السراي القديم ). و بعد مرور عدة سنوات تم جمع أعداد كبيرة من الآثار كنتيجة حتمية لعمليات التنقيب التي كانت تجري في جميع أنحاء العراق آنذاك فكان لابد من توسيع المتحف ، فتم نقله إلى بناية خاصة في شارع المأمون وسمي بـ"المتحف العراقي ". ولكن مكانه ضاق مع مرور الزمن فكانت الفكرة أن يخصص بناء جديد يتصف بمواصفات متحفية عالمية تضم آثار العراق. وعلى أثر ذلك وضع تصميم خاص لبناية المتحف العراقي في منطقة الصالحية من جانب الكوخ و هي منطقة واسعة روعيت فيها أساليب بناء المتاحف الأصلية . وتم الافتتاح الفعلي في التاسع من تشرين الثاني سنة ١٩٦٦م . وبذلك خصص المتحف العراقي مكانا لحفظ المخلفات الحضارية ليطلع عليها المختصون والباحثون. وقد روعي التسلسل الزمني و الحضاري في العرض و بذلك اتضحت معالم حياة سكان وادي الرافدين بفضل هذا المتحف الذي يضم أنفس الدلائل التاريخية والمادية لحضارة العراق الأصيلة و تطورها، تلك الحضارة التي نشأت و نضجت ثم ازدهرت في هذا الجزء من العالم الذي عرف بمنجزات شعبه منذ أكثر من مائة ألف سنة .
المتحف : من الداخل: يضم المتحف العراقي ثمانية عشر قاعة، وكذلك يضم مجموعات متنوعة من حقبات عديدة مثل الحقبات السومرية والآشورية والبابلية ويضم مجموعات متنوعة من الفنون الإسلامية. ويحتوي على القاعات التالية: آثار عصور ما قبل التأريخ بحوالي ٦٠ ألف سنة أو إلى ٣٥ ألف سنة والمتمثلة بآثارٍ من عصور الإنسان القديم (النيندرتال) إلى العصور الإسلامية المتأخرة، وترجع آثار عصور ما قبل التأريخ إلى (الإنسان القديم البائد) الذي اكتشفت آثاره في مناطق المحافظات الشمالية. كما يضم آثار عصر القرى الزراعية المبكرة التي يمتد عمرها إلى ثمانية آلاف سنة أي إلى العصر الحجري، وعصر الاستقرار في الجنوب حيث نشأت الحضارة السومرية عصر الدولة الأكدية وفترة اختراع الكتابة العصر البابلي القديم اي الفترة الآشورية البسيطة والحديثة كما يضم الفترة البابلية البسيطة والحديثة أي فترات ما قبل الإسلام (فترة الاحتلال الساساني) وعصرالحضارة الإسلامية وكذلك العصور المظلمة التي تلت سقوط بغداد على يد المغول والتتار. كما يضم "متحف الطفل" وهو عبارة عن متحف مصغر ذو هدف تربوي وتعليمي يوصل فكرة كيف عاش الإنسان القديم وكيف تعلم و اخترع الكتابة.
أسست مكتبة المتحف العراقي عام ١٩٣٣، حيث كانت بالبدايه في قاعة من قاعات المديرية وصنعت لها خزانات قليلة وقد انيطت ملاحظتها واسند الاشراف عليها حينذاك بموظف يتعهدها .يهتم بهذه المكتبة مجموعة هدية الاباء الكرمليين في بغداد وهي هدية نفيسة عظيمة الشأن تتألف من المكتبة الحافلة التي جمعها العلامة اللغوي الاب انستاس ماري الكرملي المتوفى العام ١٩٤٧ وتتألف هذه المكتبة من الوف المجلدات المطبوعة والمخطوطة. والذي تم اهدائه يتألف من ستة آلاف مجلد مطبوع والف وثلاثمائة وخمسة وثلاثين مجلداً مخطوطاً ومجموعه هدية الشريف حازم في العام ١٩٥٠ وهذه الهدية عبارة عن شطر من مكتبته النفيسة وقد بلغ ما اهداه زهاء الف مجلد من المطبوعات العربية تتناول موضوعات تاريخية وادبية ودينية ولغوية، وكذلك مجموعه هدية المتحف البريطاني في العام ١٩٤٦ حيث اهدى المتحف البريطاني إلى مكتبة المتحف العراقي زهاء اربعمائة مجلد من مطبوعاته ويدور معظمها حول الآثار والتأريخ وفهارس الكتب المطبوعة والمخطوطة.
المتحف ضحية الحرب: كان المتحف الوطني العراقي إحدى ضحايا حرب العراق والانفلات الأمني الذي حدث عقب سقوط نظام صدام حسين مايو/أيار ٢٠٠٣. ففي خضم العبث بالممتلكات العامة وموجات السطو والسرقة التي أعقبت سقوط بغداد في يد القوات الأمريكية، هجم اللصوص على المتحف الوطني في بغداد وسرقوا وشوهوا الاف التحف وعاثوا فيها فسادا. وقد أضحى المتحف بعد إنهاء الحرب عبارة عن مجرد قاعات خالية ومظلمة حتى أن سلم الرخام لم يسلم من الأيادي العابثة حيث انتزع اللصوص أعمدته. وفي إطار جهود البحث واستعادة القطع المسروقة تم إستعادة بعض القطع في حالة سليمة، بينما كانت القطع الأخرى عبارة عن مجرد شظايا متناثرة.
فعلى سبيل المثال أعيدت مزهرية ذات قيمة تاريخية نادرة تحمل صورة تقديم قربان للآلهة وتُعتبر من أهم معروضات المتحف، وأعيدت في شكل قطع صغيرة. ولحسن الحظ أن العاملين بالمتحف تمكنوا من إخفاء قطع أثرية ثمينة في بعض الخزائن. كما سُرق تمثال حجري للملك المقاتل شلمنصر الثالث من القرن التاسع قبل الميلاد ثم أعيد ولكن على شكل ست قطع. وقد تم إصلاح التمثال وإعادته إلى مكانه في قاعة المعروضات. كذلك تمكن اللصوص من سرقة تمثال ضخم من البرونز وزنه ٢٧٢ كيلوجراما ويعود إلى مملكة أكاديا، عن طريق فتحة في الجدار.
وفي الغرفة أيضا تمثال في شكل أسد، مصنوع من الحجر الجيري ويرجع إلى العصر البابلي، تم سرقة رأسه. كما نهب اللصوص تمثالين من البرونز لثورين يعودان إلى ٢٥٠٠ قبل الميلاد. وفقدت أكثر من عشرة ألاف قطعة من المتحف منها ٣٠ قطعة رئيسة مثل تمثال باسيتكي ووجه من الرخام لامرأة سومرية. ولم تنج من عمليات النهب هذه سوى قاعة واحدة بسبب ضخامة محتوياتها ومنها لوحات هائلة من الحجر الجيري معلقة على جدران القاعة كانت تزين قصور المدن الآشورية مثل النمرود ونينوى. وتصور اللوحات معارك وملوكا وقادة وخدما، وبفضل وزنهما الثقيل الذي يبلغ ٤٠ طنا نجا من السرقة ثوران مجنحان لهما رأس إنسان وأجنحة نسر.
وكان مدير عام المتاحف العراقية دوني جورج قد كشف في وقت سابق عن أن أكثر من ١٥ ألف قطعة أثرية نُهبت من متحف بغداد، مشيرا الى أن أكثر من ألف قطعة مسروقة ضُبطت في الولايات المتحدة وتجري الآن اتصالات مع الحكومة لاسترجاعها. وأشار جورج الى أن إدارة المتاحف العراقية تُجري اتصالات مع كل من وتركيا والسعودية والكويت بهذا الصدد، مؤكدا على وجود أكثر من ١٠٠ قطعة أثرية في ايطاليا و٥٠٠ في فرنسا و٢٥٠ قطعة في سويسرا.
يذكر انه في ٢٣ فبراير ٢٠٠٩ تم بحضور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اعادة الافتتاح الرسمي للمتحف العراقي في بغداد وذلك بعد ٦ سنوات من الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق .