الاوراق الاميركية الجديدة ضد سوريا : مفضوحة و ساقطة ايضاً
تنا - بيروت
شارک :
في غضون يومين فقط القت اميركا في اتون الازمة السورية اوراقاً جديدة بدأت باستقالة -كوفي انان - المبعوث الدولي الى سوريا - ثم الحقت بقرار تبنته الجمعية العامة للامم المتحدة استنادا الى مشروع سعودي قدم تنتفيذا للاوامر الاميريكية و كان اخيرا القرار الاميركي الصريح بتسليح ما اسمي معارضة في سورية. وقد يحرر بعض المراقبين انفسهم من الربط بين هذه الامور لكننا لا نجد مثل ذلك لا بل نجد ان الدوافع و الاسباب تكاد تكون واحدة و كلها تقود ما سنبينه في سياق البحث.
بداية لا بد من الاشارة الى ما كنا قلناه سابقاً حول كوفي انان و مدى ارتباطه بالادارة الاميركية اثناء قيامه وبعد تركه لمنصب الامين العام للامم المتحدة خاصة وان لي تجربة شخصية معه في العام ٢٠٠٠ تؤكد مدى انصياعه وتنفيذه الدقيق للاملاءات الامريكية حتى و لو كانت على حساب العدالة و النزاهة، ثم ان تعيينه ممثلا للامين العام في سوريا ما كان ليتم لولا الامر الاميركي بذلك خاصة و ان بان كي مون - الامين العام الحالي- تفوّق عن كل من سبقه في الارتهان لاميركا حتى ان الكثير يروا فيه موظفا اميركيا في الامم المتحدة.
لكل ذلك نقول ان الاستقالة ما كانت لتكون الا بعد تنسيق – على الاقل- او تنفيذاً لامر امريكي صدر وهو الارجح. كما ان قرار الجمعية العامة لم يكن الا بارادة اميريكية فرضت اعتماده، وحيث دفع ٣ مليار دولار من مال النفط السعودي و القطري لتأمين اكثرية له حتى و لو كانت هزيلة.
اما في ظروف هذه المواقف فاننا نسجل حصولها في الاسبوع الذي تلا الانجاز العسكري السوري الهام في استيعاب ما اسمي الضربة الحاسمة المنفذة وفقاً لخطة " بركان دمشق ....زللزال سوريا " التي وضعتها اميركا وسخرت لها كل القدرات لاسقاط دمشق وحلب، وتاليا اسقاط سوريا و نظامها. انجاز تمثل في افشال العدوان على دمشق و منع الارهابيين من السيطرة عليها و ترويع الاحياء ال ٩ التي دخلوها ثم تطهيرها منهم بمهلة قياسية حيث حققت القوات العربية السورية نجاحاً باهراً مكنها من الانتقال الى حلب لتعالج وضعها بما يقتضي، في مواجهة وصفت بانها معركة الفصل او معركة الحسم النهائي في الازمة السورية كلها.
و مع هذا التحول ارتعدت فرائص اميركا و تحشدها الدولي العدواني بمجرد الحديث عن التحضير السوري لتطهير حلب ممن دخلها معتديا و ناشرا الارهاب الاميركي فيها. و بعد ان تبين لاميركا ان مجرد القرار السوري بتطهير حلب يعني تهديدا لعدوانها عبر الاجهاز على الخطة برمتها خاصة انه بعد القرار تبقى المسألة مسألة وقت فقط واختيار المناسب من السلوك و القوى لتحقيق الانجاز بالحد الادنى الممكن من الخسائر، لجأت - اميركا - مباشرة الى لعب اوراق جديدة فكانت الاستقالة و القرار من الجمعية العامة ثم كان القرار الرئاسي بدعم علني للارهابين عبر تكليف ال "سي اي اي" C .I.A بالتنفيذ و هنا نصل الى الاهداف التي رمت اليها اميركا من لعب هذه الاوراق، علما بان استقالة انان قد تكون شكلية في اثرها، لان تعيين بديل له يبقى امرا ممكنا ومتاحا، كما ان القرار من الجمعية العامة هو الاخر فاقد لاي قيمة قانونية او قوة الزامية بحسب طبيعة مثل هذه القرارات فضلاً عن انه اعتمد من قبل مجموعة اميركا الدولية في مقابل معارضة الجزء الاخر من دول العالم الرافض للسياسة الامريكية.
وبالتالي فهو قرار كرس الانقسام الدولي حول الازمة هذه و لم يغير شيئا في المشهد العام، و يبقى القرار الامريكي بتسليح الارهابيين، و هو امر ليس بجديد لان اميركا هي التي امرت خدمها في قطر و السعودية و تركيا بالقيام بكل ما تتطلبه عملية التسليح والتمويل هذه و ان الامر غير خاف على عاقل. و بالمحصلة نرى ان الاوراق الثلاثة لن تغير في العمق شيئاً في مسار الازمة.
أ. مع ذلك يبقى مهما الوقوف عند دلالاتها و الاهداف التي رمت اميركا من تحقيقها عبر ذلك حيث نرى ان من هذه الاهداف:
١) الضغط على الدولة السورية من اجل الامتناع عن خوض معركة تطهير حلب، و اعطاء الارهابيين فرصة اضافية لتعويض خسارتهم في دمشق، و تعزيز مواقعهم في المدينة بما يحيي الامال بالقدرة على تحويل هذه المدينة بنغازي- سوريا. حيث باتت حلب من منظور اميركي مركز الثقل الاساسي للعدوان و لا تتقبل اميركا بسهولة فكرة الهزيمة فيها، ولانها لا تستطيع الان التدخل العسكري المباشر للمحافظة على الارهابيين فيها، فقد رأت ان الضغط بالاوراق التي ذكرت قد يمكنها من تحقيق ذلك، لكنه امر لن يكون لها .
٢) تحميل سوريا مسؤولية فشل مهمة انان السلمية من اجل الضغط على روسيا و الصين لتغيير السلوك في مجلس الامن و الافساح في المجال لاميركا بادخال سوريا تحت الفصل السابع. و نحن لم نفاجأ بما صدر عن كوفي انان بعد استقالته من مواقف استهجنها البعض، من قبيل شرح مفهوم المرحلة الانتقالية بما يطابق الشرح الاميركي بعد مؤتمر جنيف – تنحي الرئيس الاسد – و هو التفسير الذي نقضه و رفضه كليا وزير الخارجية الروسي يومذاك، و مع الانقسام الدولي القائم نرى ايضاً استحالة في تحقق هذا الهدف.
٣) رفع معنويات الارهابيين، بعد انهيارها الى الحد الذي حدا بقائد ما يعرف ب "جيش الارهاب الحر" الى القول بانه انسحب او سينسحب من المدن بسبب عجزه عن الاستمرار في المواجهة، و قد جاءت هذه القرارات و المواقف بمثابة توجيه رسالة ضمنية لمن يعنيهم الامر بوجوب احتواء الانهيار و متابعة السعي الميداني لان الحل السلمي للازمة السورية بات امراً مستحيلاً في الخطة الاميركية و ان لا مخرج من المأزق الا بعمل ميداني عسكري ينبغي حشد الطاقات له لمتابعة العدوان المسلح.
٤) تحفيز المعارضات السورية المتناحرة و خلفها مجموعة اعداء سوريا للتماسك و متابعة المواجهة العدوانية ضد سوريا خاصة بعد التصدع الكبير الذي ظهر على صعيد تلك المعارضات و الصراع على المال و السلطة.
ب. لكن هذه السلوكيات جاءت في ظرف و طريقة تمكن الباحث من الاستدلال على حقائق شاءت اميركا و منظومتها العدوانية اخفائها او تزويرها طيلة فترات العدوان الذي شن على سوريا منذ ما يقارب السنة و النصف ، حيث اننا نستطيع ان نستدل منها على ما يلي:
١) تشكل قناعة اميركية بان سوريا لا زالت صلبة قوية بشعبها و نظامها و جيشها و قواتها المسلحة، و تملك من القوة ما يستحيل على جبهة العدوان و بالوسائل المتاحة و التي زجت في الصراع ان تحقق اهدافها.
٢) صلابة المحور الاقليمي والجبهة الدولية المواجهة للعدوان الاميركي على سوريا، و تبلور مواقف دولية استراتيجية قاطعة في رفض هذا العدوان تحت اي ظرف او عنوان.
٣) فشل الغرب في تسويق الخديعة التي خطط لها من خلال مهمة انان، و انقلاب الموقف بعكس ما كان مخططا له، خاصة وقد تأكد بعد استقالة انان ثم اللجوء الى الامم المتحدة والقرار الاميركي بتسليح المعارضة، معطوفا عل مواقف بعد مكونات جبهة العدوان على سوريا من مهمة انان و نعيها قبل ان تبدأ و الاحجام عن تسهيلها و رفض المعارضة التعهد بتطبيقها، كل ذلك اثبت بان اميركا اتخذت من انان حصان طروادة في سوريا لكنه لم ينجح في خديعة السوريين، كما لم يتمكن من ابتزاز حلفائهم من اجل تحقيق المطلب الاميركي الاساسي بتنحي الرئيس الاسد و وضع اليد الاميركية على ىسوريا، فاستقال و حاول باستقالته معطوفة على قرار الجمعية العامة ان يحجب مسؤولية الغرب عن الفشل .
ج. اما على المقلب الاخر فقد استطاعت سوريا مع حلفائها تحقيق مكاسب في هذه الحرب المفتوحة من خلال الاوراق ذاتها حيث انها:
١) تمكنت من فضح تواطؤ السعودية و تخاذلها حيال احتلال جزيرتيها من قبل اسرائيل منذ العام ١٩٦٧ وامتناعها عن القيام باي تصرف من اجل تحريرهما، و اهتمامها باستجلاب العدوان الاجنبي على سوريا لتدميرها و قد كان موفقا مندوب سوريا الدائم في الامم المتحدة بشار الجعفري باثارة هذا الملف من على منبر الجمعية العمومية.
٢) فضحت اميركا نفسها واكدت للملأ انها راعية فعلية للارهاب العالمي، اذا بعد ما كانت قد اكدت ان تنظيم القاعدة دخل بثقله في الارهاب ضد سوريا، قررت ان تسلح هذا الارهاب و بامر رئاسي يعني اميركا باعترافها باتت هي و القاعدة في خندق واحد.
٣) اكدت صوابية العمل السوري الامني الميداني في مواجهة الارهاب المسلح، ما يسقط كل افتراء او ادعاء لاحق ضد سوريا في هذا الشأن.