إنكفأت مهمة المبعوث الدولي – العربي المشترك الى سورية الأخضر الإبراهيمي بعد جولته وزيارته اليها، وتقريره الذي رفعه الى اللجنة الرباعية التي «انكمشت» الى ثلاثية بعدما سجلت المملكة العربية السعودية «عدم اكتراثها» بمتابعة المهمة الى جانب مصر وتركيا وإيران، وذلك لأن الإبراهيمي الذي يوصف بالمخضرم بالعمل الدبلوماسي وفي متابعة الأزمات وحلها لم يتوصل الى أية فكرة تضع الأمور في نصابها بما يعيد الهدوء الى الساحة السورية التي باتت تستوعب صراعات الشرق الأوسط على اقل تقدير قبل أن تكون هي نفسها قضية بحد ذاتها.
لقد سرّب المحيطون بالإبراهيمي رأيه حول الأزمة السورية، إذ نقلوا عنه اعتقاده بأن مسألة «الإصلاح» أو «الإصلاحات» المطروحة لم تعد مجدية وأن مرحلتها قد أفلت، وأن الأمور هناك باتت تحتاج الى تغيير حقيقي، لكنه لم يوضح ماهية هذا التغيير لأنه لم يدركها، وليس هناك معطى جدياً في المدى المنظور، عما هو الأنجع والأنجح في ظل التجاذبات السياسية التي تعصف بالمنطقة، بحسب رأي المحيطين به.
لكن الإبراهيمي أقرّ في مجالسه بما توصل اليه سلفه كوفي أنان بأن دولاً عربية لا تريد أن تقف الحرب في سورية، وبالتحديد السعودية وقطر وأن هذه الأخيرة مهمتها تنفيذية وليست تقريرية، وأن الدور الذي تلعبه تركيا يروح ويجيء بين رضا الملك (السعودي) و»السلطنة» التي أصبحت مصالحها ممتدة الى القارات الخمس على خلفية ما تقدمه من خدمات من ناحية زعزعة الاستقرار في سورية، وبما يخدم ايضاً حروبها الصغرى التي تخوضها على جبهة الأكراد من جهة، والعراق من جهة ثانية، ناهيك عن إيران التي تلعب دوراً رئيسياً في كل هذه الملفات دفعة واحدة.
الشيء الوحيد الذي بات واضحاً أمام الإبراهيمي هو أن حل الأزمة في سورية ليس خلف الباب مباشرة، وأن الوقت الذي يحتاجه لذلك ربما لا يستطيع انتظاره باعتبار أن الحل السياسي الذي تتحدث عنه كل الأطراف الدولية والإقليمية ليس بيد أحد لأن الجميع في الحقيقة ينتظر ما ستؤول اليه الاوضاع على الارض وما سيقوله الميدان، في الوقت الذي تدفع فيه تلك الأطراف ثمن تدمير سورية مادياً ومعنوياً، فهي ترسل السلاح وتدفع رواتب المقاتلين من اجل قتل الناس وهدم المدن من دون أن تخسر شيئاً، وهي تعرف في الوقت نفسه أن الدولة في سورية لن تذعن لمجموعات مسلحة مستقدمة من الخارج ولمتشددين تحركهم غرائزهم وعصبياتهم الطائفية والمذهبية،
في حين أن الغرب وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية ومعها «إسرائيل» ليسوا منزعجين من استمرار القتال كما يزعمون ويصدحون ببياناتهم اليومية لأنهم يعتبرون أن القتال في سورية يضرب عصفورين بحجر واحد:
الأول، إضعاف الدولة وجيشها اللذين يهددان أمن «إسرائيل» وهما لم يرضخا لشروط أية تسوية منذ اكثر من ثلاثين عاماً بالرغم من كل الضغوط.
الثاني، القضاء على الجماعات المتطرفة التي جرّبها الأميركيون والغرب عموماً على مدى العقود الثلاثة الأخيرة منذ دعموا حركة طالبان في أفغانستان وما نتج من ذلك، كما جُرِّبت بعد «الثورات» في كل من ليبيا وتونس واليمن.
مصادر سورية مطلعة تعلق على مهمة الإبراهيمي التي اعتبرها الاخير «مستحيلة في الظروف الراهنة»، بالقول إن «الحل بسيط وهو أن تقدم أطراف إقليمية على وقف تدفق المسلحين ومدهم بالمال والسلاح ليصار الى بدء حوار جدي بإشراف من يريد من الدول.. وليكن الإبراهيمي راعياً لكل تفصيل يتعلق بتحقيق التوازن المطلوب في أية عملية سياسية يتم التوافق عليها»، مشيرة الى أن هذا ما أبلغته دمشق للمبعوث الدولي حينما زارها خلال الشهر الجاري.
وتضيف المصادر أن القيادة السورية مقتنعة تماماً بأن مسألة الإصلاحات لم تعد كافية وأن المطلوب هو عملية تغيير شاملة ولكن بعيداً عن العنف وسفك الدماء الذي تجد الدولة نفسها مضطرة للرد عليه من اجل عدم تسليم البلاد الى غوغائيين لا يملكون قرارهم، وليس باستطاعتهم حتى تحقيق التوازن وحفظ الأقليات المسيحية والدينية الأخرى، والجميع يرى كيف يمعنون بهم تقتيلاً وخطفاً وهو ما بات موثّقاً لدى محافل دولية سياسية ودينية.
وتنقل المصادر السورية عن الرئيس الأسد تكراره في مجالسه، إن سورية بعد آذار ٢٠١١ ليست كسورية قبل هذا التاريخ، وفي ذلك تأكيد على نية ورؤية الرئيس السوري التغييرية ضمن أطر سليمة وواضحة تحفظ التنوع الداخلي وسيادة البلد وموقعه في السياسة الدولية والإقليمية، كما في ذلك نفي لما نقل عن الإبراهيمي بأنه سمع من القيادة السورية أنها تريد أن تعيد سورية كما كانت قبل اندلاع الأحداث فيها، لتشير الى أنه إن صح ذلك فليس على المستوى السياسي الذي بات محسوماً امر إصلاحه بما ينتج دولة جديدة كلياً.
ما صدح به الإبراهيمي حول مهمته فيه الكثير من المغالاة في تصوير الامور لا سيما تلك التي يحمّل مسؤوليتها لسورية قيادة ودولة، مع العلم أن الرجل لم يرفعها عن عاتق الأطراف الأخرى إلا أنه لم يكن جريئاً في تحديد المسؤوليات بدقة أكبر.