حاولت امريكا وحلفائها في المنطقة استخدام انواع الضغوط على ايران من الحرب البعثية المفروضة الى العقوبات لارضاخ ايران لارادة القوى الكبرى وكسر هيبتها ولكن صبرها ومقاومتها مع حلفائها في محور المقاومة حقق انتصارات اجبر الغرب المتغطرس للتفاوض مع ايران والاعتراف به كقوة اقليمية .
شارک :
ناصر قنديل
- لم يكن تشابه الحروف الذي يوحي بالجمع بين إيران واليورانيوم بما يسمح باستيلاد مصطلح «إيرانيوم» أمراً عبثياً، ذلك أنّ الملف النووي الإيراني يختزن ولا يختزل معادلات خمسة وثلاثين سنة انطلقت منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ومقابلها انطلاق معادلة «كامب ديفيد»، وبينهما سباق مفتوح في المنطقة والعالم، ففي ذلك التاريخ كان يقع التصادم بين مسارين متعاكسين: واحد يفتح الباب للقول إنّ «إسرائيل» صارت في قلب العالمين العربي والإسلامي قوة سائدة وشرعية، وآخر يفتح الباب للقول إنّ العدّ التنازلي لوجود «إسرائيل» قد بدأ للتوّ.
- خاض المساران بكلّ ضراوة حربين كبيرتين استمرتا لعقدين متواصلين، حرب في لبنان خاضتها «إسرائيل» وشاركتها فيها قوات متعددة الجنسية واستولدت حكماً تابعاً واتفاقاً شبيهاً بـ»كامب ديفيد»، وأخرى على حدود العراق مع إيران تورّط فيها النظام السابق في العراق، وأدّت إلى تدمير مقدّرات إيران والعراق وتواصلت حتى الاحتلال الأميركي للعراق بعد استنفاده عبر الحصار، ونجحت الحرب في تطويق إيران من الضفتين الأفغانية والعراقية، لكن بعد سنوات، أعلنت نهاية الحربين في خريف العام 2006 وفقاً لتقرير فينوغراد وتقرير بيكر ـ هاملتون، باعتراف أميركي «إسرائيلي» مزدوج بالهزيمة والفشل.
- تغيّرت البوصلة للمواجهة وصارت حرب كسر عظم، وتفجّرت كلّ البراكين من تونس إلى ليبيا واليمن والعراق وسورية ولبنان، وأطلق الإرهاب بلا رحمة ليدمّر كلّ شيء، وأطلق العنان للفتنة لتأكل الأخضر واليابس، وصمدت إيران وصمدت سورية وصمدت المقاومة وصمد اليمن وانتهت المهلة التي حدّدتها الجيوش الأميركية للخروج من أفغانستان، وإخلاء البرّ الآسيوي، والإرهاب يتهدّد حلفاء الغرب، من السعودية وتركيا وتونس وليبيا ومصر وصولاً إلى فرنسا وأوروبا كلها، ووحدهم إيران وحلفاؤها يملكون وصفة الصمود، وها هي روسيا والصين وإيران تستعدّ لوراثة الخروج الأميركي من أفغانستان وتشكيل مثلث العمالقة الواصل إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسورية ولبنان، ولم يبقَ من طريق سوى اللجوء إلى توصيات تقرير بيكر ـ هاملتون طالما أنّ «إسرائيل» التي حصلت على سنوات طوال لوضع توصيات فينوغراد موضع التطبيق قد فشلت في ترميم قدرة الدرع، وطالما انّ الخيار العثماني يتداعى في قلب تركيا كعنوان للإسلام الأميركي، والسعودية تغرق في اليمن وتحتاج إلى مّن يقدّم لها سلم النجاة فلا تجد أمامها إلا موسكو.
- بيكر ـ هاملتون الذي صدر كتقرير نهاية 2006 بإجماع جمهوري ديمقراطي في أميركا يعود إلى الطاولة بعد فشل وصفات كيسينجر وهنتنغتون وفوكوياما ومادلين أولبرايت، وكوندوليزا رايس وبول وولفوفيتز، الذين هزمتهم معادلة جديدة اسمها «إيرانيوم»، والتقرير يوصي بالتواضع الأميركي والاعتراف بالحقائق الجديدة وأولها أنّ حقائق التاريخ والجغرافيا لا تنفع القوة بتغييرها ولا يصحّ معها ما قاله دونالد رامسفيلد «إن ما لا تحله القوة يحله المزيد من القوة» وطريق بيكر ـ هاملتون مؤلم يبدأ بالاعتراف بإيران نووية وقوة إقليمية عظمى، والاعتراف بسورية قوة حاسمة في المشرق، وبالمقاومة قوة صاعدة، والنظر إلى «إسرائيل» كعبء استراتيجي بعدما كانت قيمة مضافة، والسعودية كعنوان لتوريد الإرهاب.
- توقيع التفاهم النووي يعلن انتصار مسار «إيرانيوم» والهزيمة الكاملة لمسار «كامب ديفيد»، ونهاية خمسة وثلاثين عاماً من السباق بينهما، وبخروج مسار «كامب ديفيد» من الحلبة، يستعدّ لاعبون كثر للخروج، وأول الرابحين من انتصار «إيرانيوم» ستكون سورية التي دفعت خلال خمسة وثلاثين عاماً فواتير خيارها مع إيران الثورة، بينما كلّ العرب يتآمرون عليها ويهدّدون سورية أو يقدّمون لها الإغراءات، ومعادلة سورية أنّ إيران التي ترفع علم فلسطين في سمائها وتنزل علم «إسرائيل» هي الحليف وليست أنظمة عربية ترتفع فيها تباعاً الأعلام «الإسرائيلية»، كما دفعت سورية فواتير وقوفها وحدها في وجه «كامب ديفيد»، منذ ولادته كمسار وتعرف أنّ اجتياح «إسرائيل» للبنان أراد إسقاط دمشق، وأنّ معركة إسقاط اتفاق السابع عشر من أيار كانت معركتها بامتياز، وأنّ دعم المقاومة خيارها البديل للزمن العربي الذي يزداد رداءة، وها هي سورية تنتصر لمعادلة «إيرانيوم» وبها، وهي تعلم أنّ توقيع التفاهم النووي مع إيران يعني بداية النهاية للحرب التي شنّت عليها ضمن الحرب الشاملة على معادلة «إيرانيوم»، وهي حرب تضع أوزارها اليوم.
- «إيرانيوم» تعني في قاموس القرن الواحد والعشرين أنّ العدّ العكسي لوجود «إسرائيل» قد بدأ، لأنّ حقائق التاريخ والجغرافيا عندما تصير في قلوب الرجال والنساء لا تغيّرها القوة، ولأنّ ما لا تغيّره القوة لا يغيّره المزيد من القوة، بل يزيده ثباتاً، «إسرائيل» مولود لقيط خارج التاريخ وخارج الجغرافيا، ومعادلة أنها غدة سرطانية لا بدّ من اقتلاعها التي نطق بها الإمام الخميني بُعيْد انتصار الثورة التي قادها في إيران، لم تعد جملة رومانسية، بل صار اسمها «إيرانيوم» أو بلغة الدارج «إيران اليوم».