الديمقراطية التي لا تحرك الرأي العام تبقى منقوصة، ضائعة في امتحان تعريفها للممارس المواطن،هذا الذي استحلفناه بكل مقدساته أن يتحين الفرصة و يشارك من اجل الأفضل الآتي.
شارک :
وكالة انباء التقريب (تنا) : الديمقراطية التي لا تحرك الرأي العام تبقى منقوصة، ضائعة في امتحان تعريفها للممارس المواطن،هذا الذي استحلفناه بكل مقدساته أن يتحين الفرصة و يشارك من اجل الأفضل الآتي. ديمقراطية لا تحرك الرأي العام مازالت تخطو متعثرة و خجولة من ظهرها المكشوف و هي تلتقي بين حين و آخر بمناسبة تجعل هذه النقيصة وصمة كبرى، فاسد يفلت أو أغلبية ترى رأيها في متاهة إسترضاء الجميع. و لنا أن نفهم أن حيازة باقة الديمقراطية تملي علينا أن نقبل، بلا رأفة تأخذنا بمواريثنا، بكل ملفاتها المرفقة طياً، هي حزمة لا ينفع الإنتقاء فيها، بل عل وجه الدقة،فإن الانتقاء يبطلها عن الفعل متى ما تم اجتزاء أطرافها كي نقبل بضلع و نترك آخر. سنصارح أنفسنا بأن أجزاء من منظومتنا الفكرية المتراكمة و في قسمها الشعبي خاصة، لن تقبل المفارقات التي تخبئها لنا مغامرتنا العراقية التي أخذتنا الى نبع الماء الصافي لنكتشف أن نظام (الكـُلى) لدينا قد أدمن ماء الملح و عبِّ العسرة منه. فرد عدد من كتاب الصحافة العراقية اليوم اقلامهم لانتقادٍ قاسٍ للحكومة وبعض رموزها تحديداً حتى لا يُبقي فيهم عظم ينطق، و تحت مختلف الدوافع، و مع هذا يبقى النقد بذاته ضرورة، رغم صدوره عن أصحاب دوافع أو صحافة حزبية تسعى الى مرامٍ ضاغطة من أجل مزيد من المحاصصة السياسية. لكن الأهم من ذلك، تساؤلنا،هل ينجح السباب و الشتيمة و كـَيل التـُهَم وصحافة الفضائح الإنتقائية في تحريك الرأي العام ؟هل تساعد في نسبة معينة في تشكيل هذا الرأي و صياغته؟ إن كانت كذلك فلا بأس في غض البصر عن دوافع تدفع الصحفي المدسوس أو الجريدة المليئة بالضغائن، ففي النهاية نفترض أن هنالك نظاماً قانونياً سيمنع الهتك المغرض أو القذف الإعلامي أو تشويه الحقيقة الذي يشترط معه قانون العقوبات العراقي ظرفاً مشدداً. لكن إن كانت هذه المشارط المكتوبة التي تعمل في جسم السياسي و السياسة معاً في آن، أصلاً لا تؤثر في الرأي العام، بمعناه العام، فكيف السبيل الى مداولة هذه السيول من الكلمات ؟كيف يمكن أن يتوقف معول المنطلق من خلطة الأحقاد التي لا تبني بلداً إطلاقاً؟. هنا قد نمعن النظر في صلاحية إطلاق وصف ( العام ) على هذا الرأي، فالصحافة و معها الرأي الذي يهيج مجموعة بعينها أو يستهدف تنشيط نسق اجتماعي ضيق، فإن وصف الرأي العام يسقط حتماً معه كلما ضاقت أعداد المستهدفين، هذا هو التحريض بعينه الذي ينبغي على قانون العقوبات عدم إغفاله. سيخرج حتماً هذا الرأي أو هذا الصوت من مساحة إنتمائه الوطنية فهو لا يُوجّه للمواطنين بقدر ما يُخاطب المختلف بينهم ليزيد من اختلافهم و يستأثر بإثارة كل نزعات الجنوح الى الموت منحاً أو انتحاراً فيهم. صحيح أن لا سبب يدعونا الى الوجل من الاختلاف سوى موروثات ترجـُم التعدد و تسبـّح باسم الرأي الواحد، لكن بالعودة الى باقة الديمقراطية التي قبلنا بها كحزمة، ليس ثمة من داع أن تكون آراء الناس كلها متطابقة، هذا شرط ديمقراطي مأزوم الى الآن في العراق. إلا أن المعيشة في وطن واحد تقتضي عملياً غلق باب الجدل حول مجموعة مسلـّمات منها الدين و الكون و الخلق و بعض المسائل الروحانية كما يقول توكفيل. لكنها في الأنظمة الديمقراطية تقتضي كذلك غلق باب الجدل المسترعي للعنف حول الحق و الباطل و الخير و الشر في العمل السياسي، لا خير و لا شر في الأداء السياسي، إنه هكذا غير قابل للقياس بأدوات الحكمة الشعبية، كما الهواء لا يمكن كيله بالوزن ووضعه في أوانٍ كي يغترف منها. السياسة ليست ساحة للعقائد بقدر ما هي مكان للأداء وفق شروط المناخ المنمي لها. إن أردنا سياسة لاستيلاد فعل ديمقراطي،حتى وإن كان بنسخة عراقية، يمكن لنا أن نغض البصر عن ضوضاء العقائد التي تعمل كثقب أسود يبتلع ماحوله، و بالمناسبة، هذه الضوضاء موجودة فقط إذا أصغينا لها. قيس قاسم من العراق