عيد الفطر محطة لتزكية النفس وتوطيد العلاقات بين المسلمين
مابعد العيد هو الهدف وأن شهر رمضان فترة تحضير وأن العيد بداية لأن الإنسان يولد من بعد رمضان بعد أن رمضت ذنوبه (ايّ ذابت) فيها وفي يوم العيد يصبح إنساناً جديداً يبدأ بحياة جديدة
إن عيد الفطر المبارك أوّل أعياد المسلمين والذي يحتفل فيه المسلمون في أول يوم من أيام شهر شوال وهو يوم فرح وسرور، وأفراح المؤمنين خصهم الباري تعالى بها كما قال سبحانه في محكم آياته: ( قلّ بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) سورة يونس، آية٥٧. لقد تميزت أعياد المسلمين عن غيرها من الاعياد بأنها قربة وطاعة لله و فيها تعظيم للباري المتعال وذكره، كالتكبير في العيد والمشاركة في الصلاة بشكل جماعي و دفع أو توزيع زكاة الفطر الواجبة مع إظهار الفرح والسرور على نعمة العيد ونعمة إتمام الصيام في شهر رمضان. وكذلك تبادل التهاني وزيارة الاهل والاقرباء وهذا مايعرف بصلة الرحم. والعيد كما جاء في موسوعة" لسان العرب" هو: كل يوم فيه جمع، وأصل الكلمة من عاد يعود. و قد قال أبن الاعرابي: سمّي العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد. وفي كتاب " فتح الباري" كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: " تقبل الله منا ومنك" وفي العيد تتجلى الكثير من تعاليم الاسلام إلاجتماعية و إلانسانية ففي العيد تتقارب القلوب على المحبة والوّد وإلاخاء وفي العيد تذكير بحق الفقراء والمساكين في المجتمع إلاسلامي حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت وهذه هي فلسفة دفع زكاة الفطر. أما المعنى الانساني للعيد فهو أن يشاطر المسلمون قضايا اخوانهم المسلمين ممن يرضخون تحت نير الاستعمار وإلاحتلال أو الكوارث الطبيعية فاذا بالامة تهب لمساعدة إخوانهم وإهليهم بكل ما يملكون من الطاقات و الامكانيات المادّية والفكرّية والمعنوية. وهذه المشاركة تؤدي الى ربط القلوب و تعميق الصلات بين الشعوب الإسلامية على إختلاف مذاهبها وعاداتها ولغاتها كما أن في العيد فرصة كبيرة لتوطيد العلاقات بين المسلمين وتقوية روابط الاخوة والمودة ليس على مستوى الافراد فحسب بل ينبغي استثمار العيد في تحسين العلاقات بين الدول الإسلامية وإذابة ما يعكر العلاقات بينها طوال العام من خلافات ومشاحنات وبناء ما تقطع من أواصر وروابط بين الافراد والدعاة والقادة والزعماء والحكام. اذن لابد أن ندرك أن مابعد العيد هو الهدف وأن شهر رمضان فترة تحضير وأن العيد بداية لأن الإنسان يولد من بعد رمضان بعد أن رمضت ذنوبه (ايّ ذابت) فيها وفي يوم العيد يصبح إنساناً جديداً يبدأ بحياة جديدة وإنه يختلف في أبعاد وجوده عن الانسان السابق، إنه يعيش بإدراك أوسع ورؤية شمولية تجاه الحياة والاخرة لان إيمانه تعمق خلال الدورة التدربية التي قضاها في رمضان. ومن خلال هذة الرؤية يقول الامام علي بن ابي طا لب (ع) "واعلموا عباد الله ان أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان : أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فأنظروا كيف تكونون فيما تستأنفون"(أماني شيخ صدوق ص١٠٠) ونحن بأمس الحاجة ايضًا الى التلاحم وتوحيد الكلمة والتعاون المطلوب في حماية الدين والعقيدة وأمن البلاد الاسلامية من الاعمال الارهابية والتطرف الديني والطائفي ولابد ان نواجه إعلام أعداء الله اللذين يبثون الفرقة بين المذاهب الاسلامية وبين صفوف المسلمين ويحرصون على تلفيق التهم والافتراءات على أتباع المذاهب الاسلامية بهدف إثارة النعرات والفتن الطائفية المشينة والتكفير وتهميش الاخر. الانسان المسلم يحتفل في يوم العيد بالتحول العميق الذي يحّس به في وجوده مردّداً: (( آللهم أهل الكبرياء و العظمة وأهل الجود و الجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة اسئلك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدًا ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرًا ومزيدًا أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تدخلني في كل خير دخلت فيه محمد وآل محمد وأن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمد وآل محمد صلواتك عليه وعليهم، اللهم إني اسئلك خير ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك مما إستعاذ منه عبادك الصالحون)). وفي دعاء آخر: (( يا محوّل الحول والأحوال يا مدبّر الليل والنهار حوّل حالنا الى أحسن حال)) فالتكبير في العيد سنّة حسنة وقد ذكر القرآن في آيات الصيام " ولتكملوا العدّة و لتكبروا الله على ما هداكم" سوره البقره، آيه ١٨٥. وفي هذا الاطار يقول نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): " زينّوا أعيادكم با لتكبير " (كنز العمال ح ٢٤٠٩٤ وفي حديث اخر يقول سيدنا و نبينا الرسول الاكرم(ص) " زينوا العيدين بالتهليل و التكبير و التحميد و التقديس "كنز العمال ح ٢٤٠٩٥ والتكبير في عيد الفطر يبدأ من وقت الخروج إلى الصلاة إلى وقت بدأ الخطبة وكما قال الامام علی بن أبی طالب (ع) "انما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشکر قيامه و کل يوم لا يعصى فيه الله، فهو يوم عيد". (نهج البلاغه الحكم٤٢٨) وكما في القول المأثور " العيد ليس لمن لبس الجديد بل العيد لمن أمن بالوعيد". وقد يغفل البعض من المسلمين عن المعنى الحقيقي للعيد فيتصورن إنّ العيد هو في لبس الجديد واللهو واللعب فقط وإن كان ذلك من سمات العيد ولكن هناك اموراً اخرى لابد من الالتزام بها كما ينبّه اليها إلامام علي بن ابي طالب(ع) في شعر ينسب اليه: ليس البلية في أيامنا عجبا بل السلامة منها أعجب العجب ليس الجمال بأثواب تزيينا إن الجمال جمال العقل و الأدب ليس اليتيم الذي قد مات والده إن اليتيم يتيم العلم و الأدب وهو قول ينّم عن عمق المعرفة بحقيقة العيد وكونه طاعة لله وتكوين الشخصية المثالية البناءة عن طريق التقوى والتزكية النفسية ومخالفة الهوى والجشع والانانية و التحلي بالعقل و الادب و العلم، لذا فلتكون أعيادنا وأفراحنا في إطار الشرع والسلوك إلانساني الهادف الى تجديد اللقاء وصلة الرحم وتقوية أواصر المودّة بين الاخوه وتفريج همّ المهمومين وكرب المكروبين وليكون العيد فرحة شاملة للجميع. يطّل علينا مرة اخرى عيد الفطر المبارك و الامة إلاسلامية تشهد مزيداً من الاحداث الساخنة والمصيرية خلال هذه الفترة الوجيزة وخاصة خلال الشهر المبارك الفضيل. ويمكن ان نتوقف في هذة المحطات ونستلّهم العبر ونتزود بالدروس والتجارب ومنها: ١- خروج جزء من القوات الامريكية من العراق بعد مقاومة الشعب العراقي الباسل. ٢- مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني التي بائت بالفشل بفضل المقاومة الإسلامية. ٣- الاحداث الدّامية في باكستان والعراق التي راح ضحيتها الابرياء من المؤمنين نتيجة الاعمال الارهابية التي تنفذها القاعدة والتكفريين. ٤- وقوع الكوارث الطبيعية في باكستان و لابد ايضاً أن لا ننسى أمتنا فجراحها كثيرة وأزماتها عديدة ، فلسطين وغزة محاصرة والعراق و باكستان تنزفان دماً وافغانستان كذلك وهناك صراعات دامية في الشيشان والسودان والصومال، أما الآن وبعد العيد فإنه يجب علينا أن نتحسس بآلام المضطهدين والمعوزين والفقراء والمساكين ونفكر في تخفيف الاعباء عنهم ومعالجة مشاكلهم إلاجتماعية وإلاقتصادية. بهذا الزخم الفكري والروحي وبهذه الثروة الهائلة ما بعد العيد نبني مستقبلنا ونرفع الظلم والاضطهاد والحرمان عن أمتنا ونخدم وطننا ونوفي بوعدنا الذي قطعنها مع ربنا العظيم في هذا الشهر الفضيل.