وكالة أنباء التقريب (تنا): من مؤتمر الحوار الاسلامى بمكة، إلى مؤتمر الحوار الدولى فى مدريد، إلى المؤتمر الدولى للحوار الذى عقد فى مقر الأمم المتحدة بنيويورك، وأخيرا مؤتمرات الدوحة الثمانية التي عقدت جميعها تحت مسمى (حوار الأديان)، ما زالت الأهداف المعلنة هي نفسها رغم أن النتائج تتسارع من سيئ إلى أسوأ.
شارک :
فما جدوى هذه المؤتمرات وما الهدف منها وما نتائجها؟ إن الهدف الظاهر من عقد تلك المؤتمرات هو تعزيز السلام العالمى والاقليمى. ولكن ما يحدث على أرض الواقع لا يتفق مطلقا مع هذا الهدف. والخاسر الوحيد من جراء عقد هذه المؤتمرات هو العالم العربي والإسلامي؛ إذ ما زالت الجرافات الاسرائيلية تعبث بالمسجد الأقصى، وما زال تهويد القدس قائما على قدم وساق، وما زال أهل غزة يتعرضون إلى أبشع أنواع الحصار في العصر الحديث، وهناك أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون العدو الصهيوني، والمستوطنات الإسرائيلية تكاد تقضم كل أرض فلسطين، وما زالت العراق وأفغانستان والصومال وغيرها تصطلي بنيران الناتو، وما زالت الذاكرة مستثارة مما حدث ما حدث عام ٢٠٠٥ عقب نشر صحيفة دانماركية رسوما كاريكاتيرية تسخر من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما زالت الحرب على النقاب والحجاب مستعرة، وإن كانت حربا ناعمة، وها هو نائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي الحاخام مارك شتايدر يصرح من على أرض إسلامية في مؤتمر الدوحة الثامن لحوار الأديان المنعقد حاليا في قطر أنه: "من المهين لليهود أن يتهموا باحتلالهم للقدس بصورة غير قانونية". وما زال الغرب يتدخل فيما يحق لنا أن نشرعه في مجتمعاتنا.. وغيرها في سلسلة طويلة مما لا يمكن أن ينتج عنه سلم عالمي ولا دخل للدين فيه".
بعد كل هذا، هل الهدف حقا من تلك الدعوات هو الوصول إلى التعايش بين الأديان من منطلق الاحترام المتبادل وحرية الاعتقاد، ومن منطلق الاعتراف بحق كل إنسان في تقرير المصير والحياة الكريمة والحرية؟
تقول مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً في مقابلة مع شبكة "أخبار سويسرا اليوم" في شهر نيسان ٢٠٠٧: "أعتقد أن تفهُّـم التأثير الذي تمارسه العقيدة الدينية في الكثير من الصراعات والنزاعات يعـد متطلباً أساسياً، يُـعين على إيجاد الحلول لها. وتتابع: أنا أعتقد في الواقع أننا بحاجة إلى إشراك الزعماء الدِّينيين في حل الصراعات، ليس كأطراف مشاركة على مائدة المفاوضات، ولكن كمصادر للتفهم ولكسب مساندتهم في نهاية المطاف للقرارات التي يتم التوصّـل إليها في المفاوضات، لأنه لا يمكن فصل الناس عن معتقداتهم الدِّينية".
إذا لا يمكن أن نفصل الدعوة إلى تقارب الأديان عما يجري على الساحة السياسية، ولا أن نفصله عن تهمة (الإرهاب) التي باتت صفة ترمى بها حركات المقاومة التي تجاهد ضد الاستعمار الصهيوني والأمريكي.
أما القول بأن الهدف من مؤتمرات (حوار الأديان) هو اللقاء بين هذه الأديان من خلال البحث عن قواسم مشتركة بينها هو شكل من أشكال التحايل، وضرب من ضروب المستحيل. ذلك أن لكل دين أصوله وثوابته التي لا تخضع لا للحوار ولا للتنازل لأنها أصول يترتب عليها أحكام وتشريعات.
وأما التعايش وقبول الآخر والسلام العالمي، رغم ما في هذه المصطلحات من مطاطية وضبابية، فهو هدف إنساني تسعى اليه الإنسانية جمعاء ويعتمد على السياسيين أكثر مما يعتمد على رجال الدين. فالإسلام لا يمنع ولا يحرم العلاقة في المعيشة بين المسلمين وغيرهم من معتنقي الأديان، ويدعو إلى الإنصاف والعدل فيها، مع الإحسان والبر، وهل هناك أوسع من هذا المعنى للتعايش؟
لقد كان من أهم توصيات المؤتمرات التي عقدت باسم الحوار بين الأديان أو الحضارات إيجاد جوامع مشتركة في الأديان الثلاثة، تشمل العقيدة والأخلاق، والثقافة، والتأكيد على المشترك الإيجابي بين الأديان أو الحضارات، لأن جميع أهل الكتاب مؤمنون، يعبدون الله. وكذلك إيجاد معان جديدة لكلمات الكفر والشرك والإيمان، والاعتدال والتطرف، والأصولية، بحيث لا تكون تلك الكلمات عامل تفرقة بين أصحاب الأديان. بالإضافة الى العمل على وضع مفاهيم موحدة لقضايا مثل: العدل، السلام، المرأة، حقوق الإنسان، الديمقراطية، التعددية، الحرية، السلام العالمي، التعايش السلمي والانفتاح الحضاري وغيرها. والأخطر من كل ذلك الدعوة الى إعادة صياغة مناهج التعليم، وأهمها منهج التربية الدينية، لتكون بعيدة عن إثارة الأحقاد، بهدف تكوين شخصية منفتحة على الثقافات الإنسانية، ومتفهمة للآخر.
بل لقد وصل الأمر ببعضهم أن طالب المسلمين بالتخلي عن القرآن كشرط لنجاح هذا الحوار. إن التناقض بين (اصحاب)الأديان قضية غير قابلة للحل. لذا فإن القرآن الكريم قد هيأ لئلا ينقلب هذا التناقض إلى صراع دموي بقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
لا يختلف اثنان على أن الحوار مع الآخر، مع التقيد بضوابط أساسية، لن يضر مصالح الشعوب الإسلامية، ولكن حوار الأديان هو مشروع فرض على الدول الإسلامية بالتحديد، ما يجعله كلمة حق أريد بها باطل. إن الحق بين وإن الباطل بين، وعليه فإن السلم العالمي والتعايش السلمي لا يمكن أن يسودا العالم الا إذا أقرت الدول الكبرى بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وأعيدت الحقوق الى أصحابها، وكفت هذه الدول عن حصد أرواح الأبرياء والعبث في مقدرات البشرية سعيا لحماية مصالحها وتحقيقا لمطامعها. والا سيبقى هناك دوما من يضعون أرواحهم على أكفهم مضحين بالغالي والنفيس لاستعادة كرامتهم قبل حقوقهم وهذا هو العدل.