ليس الخلاف جديدا على الأمة؛ بل لقد خاضت فيه للوهلة الأولى بعد فقد نبيّها(ص). ولم يكن الاصطراع معدوما في القرون الأولى بل كان على أشدّه. وكان علينا أن نؤكّد على أن تاريخنا ليس قطعة معصومة من تاريخ البشرية حتى لا يصدم أبناؤه كلّما نما وعيهم ولم تعد تجد معهم القراءة الطهرانية لتاريخنا العام.
إن ما يعزز الخلاف ليس هو محاولة بيان حدوده المعقولة، ولا حتى في اعتزاز الفرق بكمال قولها وتمام حقيقتها، لأن كل صاحب فكرة هو ينظر إليها كذلك وإلاّ لما تبنّاها ورجّحها؛ بل يكمن ذلك في عدم تفهّم المختلف وعدم الاعتراف بحقه في الاختلاف مادام هو يستند إلى دليل أو يخضع لظروف تاريخية معيّنة يصعب معها الاختيار. ومع أن الاصطراع والاقتتال كان ديدن المسلمين في الحقب الأولى، إلاّ أنه لم يرق إلى مظاهر ما نواجهه اليوم. لقد كان صراعا يستمدّ عنفوانه من ثقافة عهود العصبية والاستئثار والاستبداد والكراهية وفقدان معنى ثقافة التسامح والانفتاح والحوار والسلم المجتمعي واستقرار المجتمعات ومنعة الدول ومفهوم الدستور والديمقراطية والمجتمع المدني. لكنه الخلاف اليوم أصبح جزءا من استراتيجيا تقليدية للسيطرة وهدفا من أهداف الاستعمار.
تحتل مسألة التقريب والوحدة بين المسلمين لدينا منزلة قصوى من التفكير وهي مطلب لا نبغي سواه، كما أننا نعتبره مطلبا لا يتحقق بمجاملة وضعف أمام شرذمة التكفير ومن في حكمها، التي لا جدوى من إقناعها ولا حتى من محاورتها؛ فمسألة درء الفتنة بين المسلمين وتوحيد كلمتهم وتبصيرهم بملابسات ما يحيط بهم من تحديات وفتح أعينهم على مداخل ضعفهم وخورهم والعمل على تمكينهم من الوعي الضروري لتدبير اختلافاتهم على الوجه الحسن والأحسن هي أولوية لا يضاهيها أي اهتمام آخر. على أننا حينما نتحدث عن الوحدة بين المسلمين، نتحدث عن قيام نوع من الوصال بين الفرقاء قائم على مراكمة تقريبية تنتهي عبر مسلسل من الاقتصاد في الخلاف والوقوف على الأقل الممكن من الضروري الاختلاف حوله حيث لا إمكان للتنازل عنه إلا بمقتضى الدليل، وهو يشمل كل مدارسهم ومذاهبهم وآرائهم سنة وشيعة بكل أطيافهم.
وأملنا أنه متى قام هذا النوع من الاختلاف السعيد المبني على أصول الحوار والمناظرة البناءة والمصارحة الأخوية، سيثري العقل المسلم وتتساقط بموجبه جبال من الأوهام والتهيؤات التي أورثتنا إياها أزمنة الانزواء والفصام والعصبية وسوء الفهم والتّفهم. إن خلافات استمرت قرونا كثيرة، لا يمكن حلها في تجربة حديثة لا تتجاوز عندنا قرنين مررنا فيها بمحن وفتن زادت الطين بلة واستغلت اختلافاتنا لمزيد من السيطرة والاستعمار.
والمضيّ في شقاوة الاصطفاف الطائفي ستنتج لنا غلوّا مفرطا سيزيد من انزواء كل فرقة من فرق المسلمين بإسراف يجعلها تعمّق الخلاف وتطمس كل مشترك، كما تنتج لنا سبّابين لا يراعون الآخر فيما يدين به من مقدسات؛ لأننا وكما أكّدنا مرارا إن للاحتكاك المادي بين الفرقاء أثر لعله من أهم آثار مؤتمرات التقريب، لأننا متى كسرنا جدر الانزواء التقينا فعمّ الحرج بيننا فلا يجرأ أحد على الشطط في الاختلاف وإن كان اللقاء من شأنه أن يخلق تفاهمات ساحرة بين المختلفين. وهكذا يبدو هناك فرق واسع أن ننظر إلى الخلاف في ضوء ثقافة التقريب أو ننظر إليه من زاوية الانغلاق. ومن ثمة يمكننا أن ندرك حدود الاختلاف في أبعد ما جرى حوله الخلاف أيّا بدا لنا عصيا على ذلك.
وأحب أن أشير أيضا إلى أن قراءة الموضوع تنقسم إلى منظورين أساسيين: فتارة نحلل من جهة ما ينبغي أن يكون وما لا ينبغي أن يكون، وهذا حديث يتعلق بالموقف التكليفي والأخلاقي من الموضوع وهو موقف يغلب عليه التحذير والتخويف من واقع فتن كقطع الليل المظلم، ليلها كنهارها تكاد تجعل الحليم حيران؛ وهو خطاب للردع واليقظة والحذر درءا لتحقق الفتن. وتارة أخرى نحلل ضمن معطيات معينة وباعتبار ما يخفى من الآثار والتداعيات، فهذا حديث يتعلق بالتحليل والاستشراف. من هنا ليس من الغريب أن يتوزع الحديث بين الموقف الرفضوي لكل ما من شأنه أن يوقع الأمة في الشقاق ويوردها موارد الفتن مع بيان أن الفتن تتنزل أحيانا منزلة البلاء والامتحان الذي تعقبه مناعة الأمة وعافيتها، وهو موضوع يطرح أمامنا سؤالا عن كيفية التعاطي مع كل أشكال البلوى التي تحل بالأمة وكيفية تدبير مشكلاتها.
وهذا أمر دائم ومستمر ويتطلب يقظة الأمة ونضجها في معالجة مشكلاتها. الفتنة بين الخوف المعقول والخوف المرضي من الفتنة في مفهومها الديني معاني تتراوح بين الإيجابي والسلبي.
ومن هنا فلا خوف من الفتنة كلّها، بل بعض منها فقط هو ما يدعو إلى القلق. ففي الفتنة ما يظهر الحق وفيها ما يمكّن للباطل. كل شيء هو فتنة بقدر. وإنما وجب تحديد الموقف من تدبير شؤون الناس التي تحيط بها الفتن من كل حدب وصوب. فقد تكون العولمة في حد ذاتها فتنة أو جالبة للفتن وقد تكون الدولة الحديثة فتنة وقد تكون التنمية فتنة وقد يكون الدين والمذهب فتنة لمن لا يصونهما ويشرفهما ويكون لهما زينا وليس شينا. فحيثما وليت وجهك وجدت الدنيا غاصة بالفتن . فتكون المشكلة ليس في هذه الفتن، بل في طريقة تعاطينا مع هذه الفتن وطريقة إدارة أزماتها. ولا يخفى أن الحكم الشرعي من كل فتنة واضح في فتاوى ومواقف فقهاء الأمة المحكومة بروح المسؤولية وسعة الرؤية وبعد النظر. فلا يوجد من بين هذا الطراز من الفقهاء والعلماء من يشجع أو يحرض أو يجيز إشعال الفتن.
فأمر الفتن في تعاليم الدين شديد حتى أن الشارع المقدس نبه إلى مخاطرها وبين الموقف الذي يوجب على العالم في الفتنة أن يظهر علمه وعلى من لا يقووا على أن يكونوا أصحاب دور ريادي وإيجابي في درئها أن يكونوا أحلاس بيوتهم ومن جنس النومة كما جاء في الخبر، من أولئك الذين يعرفون الناس ولا يعرفهم الناس. وفي هذه الحالة يفضل أن يكون كما قال علي بن أبى طالب كابن اللّبون لا ضرع فيحلب ولا ظهر فيركب. وهذا يدل على أن الموقف المطلوب هو قول ما ينفع الناس في الفتنة وتجنيبهم الهلاك أو التزام الصمت، حيث وكما جاء في الخبر أيضا: "رب فتنة أثارها قول".
لكن بالنسبة للعلماء يصبح الدور مضاعفا، يتعلق ببدل الجهد وملأ الفراغ وعدم الانزواء. فالفتنة تنمو في شروط الجهل والغفلة والعصبية وما شابه. وما يجري في بعض البلاد لا سيما العراق اليوم، هو بلا شك تنفطر له القلوب، لأن الأوضاع السياسية هناك فعلت فعلها، والاحتلال لم يعد له من إمكانية للسيطرة على البلاد والعباد إلا بنهج سياسة الأرض المحروقة، وهي هنا تكمن في إشعال نار الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد. وأعتقد أن مشكلة هذا البلد هي الثمرة الطبيعية لثالوث مدنس تواطأ عليها وتكاملت شرائطه ألا وهو : الاستبداد والاحتلال والإرهاب. وهذه في حد ذاتها أكبر فتنة لو تأملناها مليا لوجدنا حصيلتها في العراق أهون، لأن العراق لا يزال صامدا في وجه هذا الثالوث المدنس وهو في حالة مخاض حتما سيتعافى منه هذا البلد الذي شهد من الفتن والتحديات ما يفوق ما يقع اليوم ولقرون عديدة ، لكنه صمد وقام من قمقمه كما لو أن شيئا لم يحدث والتأم الجرح وغدا يشتد عوده يوما بعد يوم.
ولكن هذا ليس محصورا في الاقتتال الطائفي، فالاحتلال سيلعب على حبل كل أشكال الخلاف حتى لو كان الناس من دين واحد أو مذهب واحد أو قومية واحدة. وربما لعب على حبل الفوارق الطبقية بين المجتمع الواحد. المسألة هي أن الخلاف المذهبي والطائفي ليس إلا صورة واحدة ممكنة من صور شتى يمكن استغلالها في مخططات التفريق بين المجتمعات التي تعيش على سبيل التنوع. وليس هناك مجتمع لا يعيش التنوع إن طائفيا أو عرقيا أو ثقافيا أو ما شابه، ولكن المشكلة في هشاشة الدول والمجتمعات وضعف سياساتها. لقد فعلت السياسة فعلت فعلها في بلد مثل العراق، لأننا رأينا أهل العراق عاشوا التنوع المذهبي والطائفي قرونا عديدة، وسقط النظام وظلوا فترة طويلة خارج منطق الحرب الطائفية مع غياب الدولة ووجود الاحتلال، ولم نعد نسمع بفتنة تلوح في أفق العراق إلا في الفترة الأخير لما أصبح لا مجال للسيطرة على الوضع العراقي والمنطقة فعمد الاحتلال إلى خلط الأوراق والعمل على إشعال حرب طائفية عبر اللعب بتناقضات المشهد العراقي والتحريض والحرب القذرة والتوجيه عن بعد والتآمر وخلط الأوراق والفوضى البناءة.
على الأقل وفي نظر المحتل، أن الحرب الطائفية هي التي تمكن المسلمين في المنطقة من الإلتهاء بأنفسهم وأن يتركوا لإسرائيل فرصة إعادة بناء إمكاناتها وقوتها والتئام الشارع الإسرائيلي وعودة الثقة للمجتمع الإسرائيلي بجدوى المشروع الصهيوني الذي أشرف على الانهيار، وتخريب الكيان العربي والإسلامي في حروب داخلية بالوكالة وبغير الوكالة وتحويل الكراهية للمشروع الأمريكي والصهيوني إلى كراهية بينية داخل الأمة الإسلامية وإعادة ترتيب المواقف والمشاعر والاصطفافات.
نعم، هناك خلافات وجدت دائما، لكن السؤال هنا : ما الذي أيقظها وصعد بها إلى السطح؟ ولماذا فقط حينما يغرق الاحتلال الأمريكي في العراق ويندحر الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، وتسدد الأمة للمشروع الأمريكي الصهيوني ضربة تاريخية، تصعد خلافاتنا القديمة إلى السطح في توقيت خاطئ وفي ظرفية صعبة؟! وكان علينا أن نسأل كيف اجتمع اليمين المسيحي واليهودي ..الكاثوليك والبروتستانت وغيرهما في المشروع الاحتلالي الراهن للشرق الأوسط وتفترق الأمة شيعة وسنة وهما معا مطالبين أكثر من أي وقت مضى بالتّوحد للدفاع عن بيضة الإسلام ووحدة الكيان والأوطان؟!..لكن ما يجب قوله هنا، أننا رغم ما يعرض على المنطقة من تلويح بفتنة طائفية لن يدوم، لأن هذه الأمة عاشت نوبات من هذه الحروب لكن سرعان ما تسيطر عليها وتعود الأمور كما كانت. فأنا متفائل جدا ولدي ثقة كبيرة بأن الشعب العراقي يملك كما تملك الأمة من اليقظة والذكاء ما يمكنه من تجاوز هذه المحنة.
خلاف سياسي بلبوس طائفي لا يخفى أن الخلاف في الجوهر سياسي. وما يبدو من خلافات مذهبية هو من موظّفات الصراع السياسي. والخلافات السياسية تحتاج إلى لبوس أيا كان نوعه وقيمته. فأحيانا تأخذ لبوسا عرقيا وأحيانا مذهبيا وأحيانا دينيا وأحيانا لا دينيا حسب ما تصله اليد من أرشيف مآزقنا وأزماتنا. فحينما يستفحل الصراع السياسي يصبح كل شيء قابلا للتعبئة والاستغلال. نعم الخلافات العقدية كانت ولا زالت ولم تستطع قرون من تاريخنا أن تذيبها. وقامت دول في التاريخ الإسلامي تارة سنية وتارة شيعية، وكلّها كانت مشمولة في تجاربنا التاريخية. وقد عاش في كلا الدولتين السنة والشيعة معا مع وجود صراع وتعسف وظلم لكنهم ظلّوا يغيرون مواقعهم داخل الأمة الواحدة، يرحلون داخل الأمة الواحدة، يصطفون داخل الأمة الواحدة؛ لم يهجروا خارج الأمة إلى بلدان أخرى.
فالدولة قد تكون اليوم سنية وقد تصبح غدا شيعية أو العكس، بحسب منطق الغلب وقوة الشوكة التي كانت منطقا أثيرا لسقوط الدول وقيامها في المجال الإسلامي. كانت هناك نزاعات ذات طابع سياسي لكنه لم يكن هناك شرخ. وواجه العالم الإسلامي الخطر الصليبي وهو كيان واحد وأمة واحدة. لقد قتل التتار السنة والشيعة، كما قاتل الصليبيون السنة والشيعة معا، كما قاتل الاستعمار الحديث السنة والشيعة معا ... واليوم بات المشروع الأمريكي والصهيوني يقاتل السنة والشيعة كل في موقعه. وبما أن المشكلات السياسية هي مشكلات آنية قابلة للحل السريع بخلاف الخلافات العقدية التي كانت وستظل ما بقي النوع، فإن الحلول في اعتقادي هي سياسية بالدرجة الأولى. و
كما قال السيد شرف الدين الموسوي يوما من لبنان: إن السنة والشيعة جدولان من نهر واحد فرقت بينهما السياسة فلتجمع بينهما السياسة. وفي ظنّي أن من يجري لحل المشاكل العقدية في معمعة الصراع وحمأته سيفعل ذلك عبثا. لأن هذه الخلافات تنحل بكيفيات وطرق أخرى وضمن أطر مختلفة لا تتم في أيام معدودة. إن خلافا لم تحلّه الأمة منذ قرون ومع ذلك كان التعايش قائما واتسع صدر الأمة للخلاف، لا يمكننا أن نحله في مؤتمر واحد ولا بقرار واحد. هذا في حين أن الحلول السياسية بإمكانها أن تخلق المناخ السلمي لقيام حوار جاد وبنّاء لوضع اليد على ما كان مصدر استفزاز طائفي من قبل الفريقين. وما يجري اليوم على خطورته قد يكون مخاضا تتعلم منه الأمة فضيلة الاختلاف السعيد والتعايش السلمي ويمنحها نضجا مزيدا لتخطي أمراضها الطائفية.
حينما تتعدّى الفتنة الطائفية مجالها الطبيعي حتى الماكارثية لم تتحدث يوما عن أن وصول الفكر الشيوعي إلى المجال الأمريكي الذي اعتبره بعض الطهرانيين المسيحانيين/الليبراليين مجالا خالصا للرأسمالية والفكر الليبرالي، لم تستنكر أن تبلغ القناعات كل العالم وتنساح الأفكار في كل اتجاه. ومن هنا، لا اعتراض على الضمير إن هو عانق فكرة هنا أو هناك، ولا مجال لتحميل ذلك أكثر من أن يحتمل وإلاّ هي الماكارثية ودواوين التفتيش.
إن للفتنة بشكل عام تداعيات تتعدى المجال الطبيعي لها، بحكم التقارب والتداخل الثقافي والديني بين هذه الشعوب. لكن التخوف من الفتنة قد يصبح أحيانا فتنة أخرى أو أشد منها. إن الفتنة في مدلولها الديني قد تعني الابتلاء. والمطلوب أن نتعوّد من مضلاّت الفتن لا مطلق الفتن، لأن كل ما حولنا يمكن أن يلعب دور الفتن. فحين سمع علي بن أبى طالب أحدهم يقول:" اللهم إني أعود بك من الفتنة ، قال : أراك تتعوذ من مالك وولدك ، يقول تعالى عز وجل:" إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ولكن قل اللهم إني أعود بك من مضلات الفتن". هذا الابتلاء هو مخاض ستخرج منه الأمة سليمة بفضل جهود علمائها وفضلائها بمناعة أشد وأقوى، وبنضج سياسي ورباطة جأش تكسبها قدرة على السيطرة على مشكلاتها وتدبير خلافاتها بشكل أرقى وانضج مما كان. ولكن لا بد من مخاض على كلّ حال.
فأنت تلاحظ أن الشعب اللبناني أصبح يمثل مدرسة في التعايش المذهبي رغم أنه يفتقر إلى دولة-، لأنه اكتسب وعيا جديدا ونضجا في تدبير خلافاته السياسية وتنوعه بما يراه العالم اليوم ويشهده بعد أن كانت لبنان مسرحا لأكبر حرب أهلية وأبشع محنة طائفية شهدتها المنطقة، ولا زال أعداء لبنان يجتهدون للعودة به إلى أحضان تلك الحرب المشؤومة عبثا. إن الأمة اليوم ، تعيش فترة حرجة واستفزازا خطيرا في ظل الاحتلال الصهيوني والأمريكي لبعض البلاد العربية، فهاهنا تكمن المشكلة. أما ما يتعلق بالبلدان البعيدة عن هذا النوع من التوتر فإننا كلما ابتعدنا من مربع الخطر كلما كانت البلدان المذكورة متمنعة عن تلك التداعيات، فتبدو أكثر استقرارا وامتناعا من هذا المشكل.
إن الوعي مسألة أساسية هنا. فحيثما حل الوعي قالت له العافية خذني معك. ونحن نرى وحدة الأمة واجبا يعلوا ولا يعلى عليه، وإن كنّا نخالف بعض رموز الفتنة المفترضين الذين يخلطون بين واجب الوحدة وحقّ الاختلاف، فيعتبرون التّماهي الفكري مكسبا وما هو بمكسب، بل إن خطابا كهذا من شأنه أن يجعلنا أضحوكة في عين الأمم المتحضرة. إن الوحدة ومناعة الدول واستقرارها هو في التوحد على اختلاف وليس على التوحد بتماهي ساذج كما لو كنّا قطيعا لا يفكر ولا يحسن الاختلاف. فمطلب الوحدة ووظيفتها مسؤولية السنة والشيعة في العالم الإسلامي كل من موقعه وإمكاناته. ولكن بعد شطب الآراء المسبقة ومعايير التخلف والعصبية من ثقافتنا. إننا نتحدث عن ضرورة انبعاث ثورة ثقافية داخل مجتمعاتنا لكي تحسن تدبير ما بين أيديها من أزمات ومن مخلفات هذا الإرث الأزموي الكبير.
مستقبل التقريب هناك إمكانات هائلة تصرف في طريق زرع اليأس في قلوب المسلمين من رسالة التقريب؛ ومثل هذا لا يمكن أن يصدر ممن يشكلون التيار الأكبر في العالم الإسلامي، بل هو هدف التيارات المستحدثة الدخيلة التي ارتبط ماضيها وحاضرها بسياسات الاستعمار قديمه وجديده. وحدهم هؤلاء كما أشرنا مرارا يضجّون من رسالة التقريب ويحسبون صيحتها عليهم، لأنهم يدركون أن لا مستقبل لهم في زمن تعايشي ومتسامح. ففي أحلامهم وجب أن يظل زماننا الإسلامي والعربي متوحشا حتى يضمنوا استمراريتهم كشراذم بنت وجودها على التكفير والإساءة؛ فقد جعلت من تكفير المسلمين ولعنهم وردا مقدسا لا تحيد عنه.
وهؤلاء لن يكونوا هم هدف التقريب لأنهم استنبتوا لغرض التجزئة. ولن يؤثروا على رسالته بدخولهم فيه أو خروجهم منه، لأنهم أقلية مهملة استقوت ولا زالت تستقوي بالتبشير بالمال واستغلال فقر المجتمعات العربية. ومن هنا كان كل ناعق من "تنابلة " التكفير و "زعرانه" من هذه البلدان إنّما يبحث له عن دور في هذه الوظيفة الأثيرة لدى مراكز التكفير لعلها تنتدبه لخدمة نفوذها. إن مستقبل التقريب يسلك طرديا مع اضمحلال هذه الدعوة التكفيرية التي بدأت تفقد بريقها فاضطر أصحابها للتلوّن كالحرباء لتمرير بضاعتهم الكاسدة بالاختباء خلف السنة والجماعة وما هم من السنة والجماعة بل هم أثرية أو سرورية أو جامية موزنبيقية أو مغراوية أو عرعورية أو سميها ما شئت من تلك الأسماء (الكفرجوية) التي تحولت إلى مذاهب يكفّر بعضها بعضا كلّما بات لبعضها نفوذ أو تسلط ما أو غلب على أقرانها. سيظل هذا الصوت القبيح الناشز والثرثار وتلك الوجوه المقرفة التي لا توحي بالتسامح والإيمان، من مسوخ هذه الأمة التي لن يخلو منها زمان ولا مكان. بل ستكون أشبه بكلاب ضالة تنبح من دون انقطاع دون أن يكون لها مكان تأوي إليه. فإن تحمل عليها تلهث أو تتركها تلهث.
وعلى المسلمين أن لا يبادروها بنقاش أو لجاج أو يأخذوا كلامها مأخذ الجد، بل عليهم أن يمضوا في صناعة مستقبلهم التعايشي والتنموي والحضاري وفرضه واقعا تقمع فيه هذه الأصوات النشاز التي عمّرت أكثر مما يجب أن تعمّر ومنحت فرصا انقلبت على العالم الإسلامي دمار وعارا وذلاّ وانحطاطا.
سندرب أنفسنا على التعايش مع هذا النشاز كما تعايش العالم الإسلامي مع خوارجييه ومنافقيه ما لم يلعب شيطان العدوان برؤوسهم فيشطّوا شططا بعيدا، بل لا بد من مراقبتهم وعدم تركهم لأنفسهم الأمّارة بالسوء، لعدوانيتهم المفرطة وظلامية فكرهم وغلوّه وتطرّف نحلتهم وعدم السماح لهم بالتمكّن والتسلط على رقاب المسلمين فيفسد بهم العمران وينهدم بهم الناموس. والأمر نفسه بالنسبة للمؤامرات الأجنبية التي تخطط لتمزيق العالم الإسلامي، فإنّ إحباط مؤامراتها أمر ميسور متى وجدت اليقظة والهمة داخل الأمة. وذلك بعد أن علمنا أن هذا العدو الخارجي لن يتمكّن منّا إلاّ باستغلال هؤلاء الغلاة التكفيريين الذين فعل بهم الأفاعيل ولغّم بهم المجال الإسلامي وجلهم أنشوطة الكوبوي لاصطياد الجياد العربية. وبخلاف من يرسم مستقبلا أسود لصالح التعايش بين جناحي الأمة شيعة وسنة، فإنني أرى أن الآثار المستقبلية لما يجري اليوم فيها الكثير مما هو إيجابي.
فإذا شئنا الحديث من منظور تحليلي واستشرافي، قلنا بأنه ليس كل ما تدبره القوى الخارجية وليس كل ما تخطط له تبلغه. لقد خططت لشرق أوسط جديد وهاهي تتمنى الخروج من ورطة العراق بماء الوجه. ولقد نوت أن يكون احتلال العراق مجرد محطة تعقبها سلسلة من الإحتلالات قبل أن تقسم العالم الإسلامي إلى دول متشددة وأخرى معتدل. بل وفي عز طغيان الاحتلال تكبد المشروع الصهيوني خسارة عسكرية لم تكن متوقعة في الحسبان. ليس كل ما يريده الاحتلال يبلغه، بل أحيانا هو يريد أشياء وينقلب السحر على الساحر. وهذا ما سيحصل نتيجة التحريض على حرب طائفية في العالم الإسلامي تغطي على هزيمة المشروع الاحتلالي، حيث إن دخول الاحتلال على الخط من شأنه فضح وإحباط مؤامراته. فالاحتلال متى اشتد تناست الأمة خلافاتها الجزئية واصطفت ضد العدو الخارجي وكفرت بأصوات النشاز كما حصل يوم تكالب التكفيريون ليلطّخوا من سمعة المقاومة الشريفة ومحاولة النيل من أبنائها الأبطال عبثا. فالحل بالنسبة للعدو الخارجي هو الرحيل. ولقد رأينا كيف أن الاحتلال حينما بدأ يفكر في الرحيل من العراق تصاعدت عمليات التكفيريين ليقنعوه بالبقاء هذا إن لم نقل أن خططهما باتت متكاملة في استحمار هذه الأمة. يكفي أن حديث ما يعرف بالجرائم تكامل في دعاية التكفيريين وبعض الجهات الأمريكية الخفية، لأن العراق بدأ يتمنّع عليهما معا. فحينما تمكنّ العراقيون من احتواء عراقهم بنضال معقد ومتعدد الأبعاد، شعر الأمريكيون والتكفيريون معا أن العراق هرب منهم فسقط خيار الاحتلال مع خيار إمارات الإرهاب، فلجئوا إلى حيلة لم تعد بإمكانها إقناع أصحابها أنفسهم .
إننا سندخل مرحلة جديدة من التعارف، سيضطر الفريقين معا للاعتراف ببعضهما والتعرف إلى بعضهما وتصفية موروثهما من كل ما ليس ضروريا لقيام المذهب. سوف نشهد لا محالة نضجا آخر في التعارف الطائفي والمذهبي والتعايش بين المذاهب أفضل من أي وقت مضى، لا سيما بعد أن أدرك الجميع بأن لا "السنة" ستزول ولا "الشيعة" ستزول، فالتعايش والتعارف والتقارب يصبح واجبا تمليه مصلحة الأمة في حدود ما هو محل اتفاق ووحدة بين الطوائف والمذاهب الإسلامية. لست بمن يستهين بحقيقة الخلاف بين الأمة الواحد، لكنني أرى أن ما يحصل الآن هو أبعد من أن يخدم مصلحة الأمة أو استحقاق هذا الفريق أو ذاك. ففي مثل هذه الحروب المنكرة لن يربح لا السنة ولا الشيعة، بل سيخسران معا أمام العدو الحقيقي للأمة، وحينها سيتحولون إلى فرجة تسخر منها الأمم.
من السهولة أن تقوم معارك هنا أو هناك بين طرفي النزاع، وحينئذ يمكن للسياسة أن تطيل أمد الحرب أو تقصره بحسب المراد، لكن كل حرب من هذا القبيل محكوم بالعودة إلى البداية، التفكير في التعايش السلمي، يحدث هذا حتما، لكن بعد فظاعات لا تحتمل وبأي ثمن؟! أقولها صراحة لن تهزم الشيعة السنة ولن يهزم السنة الشيعة، ولكنهما معا يملكان أن يصطفا معا للانتصار على العصبية والطائفية حتى يملكا تدبير خلافهما على أسس علمية وحوارية تقرب ولا تفرق.. تسقط الزائد من مظاهر الغلو وتقلل من مسببات الشقاق.
إن قدرنا أن نحارب التخلف المحدق بنا لا أن نحارب بتخلّف. فلما يصبح الموضوع يتعلق باصطفافات مذهبية وطائفية وجب أن يرى كل مسلم إلى الآخر كنفسه لا كعدوه. لأن خلافنا إن كان صادقا واجتهادا في طريق الخلاص للأمة فلا يكون طريقا في ذهاب ريحها وضعفها وخرابها. ومع ذلك أكرر وأقول من جهة الاستشراف، لن يحدث في الأمة من هذا النزاع أمر جديد لم تجربه الأمة ولم تدرك نتائجه وتداعياته. هذه نوبة عارضة على الأمة فلا نخشاها أكثر من اللازم ولا نتجاهلها أكثر مما ينبغي. بل هذه محطة اختبار للعقل المسلم في أن ينفتح على خلافاته برؤية جديدة وثقافة أخرى. وأحسب أن ثمة جديد في الموضوع علينا أن لا نستهين به؛ وهو بداية تشكل ثقافة جديدة في المصارحة والعتاب تتم بنضج آخر لم نعهده في تاريخ خلافنا. فرب ضارة نافعة. والفتنة أحيانا ابتلاء يراد منه التمحيص وفرز الحق عن الباطل. يوجد فيما بين السنة والشيعة من خلاف كثير من الأشياء الباطلة التي لو تأملناها لوجدناها مما لا يدخل في موارد الخلاف الحقيقي. ولوجدنا أن موارد الخلاف هي أقل بكثير مما يتوهم كل فريق. فالخلاف قطرة كبرها الجهلاء.
واجب التوعية بواجب الوحدة لعلّ شيئا من هذا موجود ويتحقق تباعا وبصورة محترمة. بل إن الأمر يتعلق بتشكل ثقافة جديدة نابعة من صلب المجتمع الشيعي والسني معا، تسعى لتجاوز حالة التنميط التي حكمت العلاقة بين الطرفين. وحينئذ يجب التعرف على هذه الاتجاهات والتكامل معها. فمنذ بداية القرن الماضي كانت محاولات حثيثة لعلماء أجلاء توج بها مشروع دار التقريب بالقاهرة ولا تزال تداعياته مستمرة في إطار منظمات للتقريب بين المذاهب الإسلامية، فضلا عن وجود نشاطات فردية ومؤسسية تعمل على نشر الثقافة التقريبية والوحدوية و تبشيع الثقافة الطائفية، وهو الأمر الذي تعدى مجرد التوعية إلى دائرة الفتوى والتأصيل الفقهي لتدبير الخلاف وحماية الوحدة من خطر الطائفية. وكما قلت، إن الأمة اليوم مهيأة أكثر لأن تحل المشكل الطائفي الذي عاشته قرونا خلت لم تكن هناك شروط موضوعية تساعد على رأب الصدع كما هي اليوم متوفرة في ظل الدولة الوطنية الحديثة وثقافة الاجتماع والتعايش السلمي وثقافة الحوار وخطاب التواصل وتعقد المصالح واتساع مدارك الناس ونضج العقل البشري وما شابه. ويحتاج الأمر إلى نوع من التراكم في هذا المجال، ولا أدل على ذلك أن الكثير من الدوائر الإعلامية وغيرها أصبحت تضع لها محاذير في طليعتها نبذ الطائفية وخطاب العنف والتكفير والتجديف...
إن الحروب الطائفية لا تحل الخلاف بل تعمقه بمزيد من التجديف والنفور والوحشة من الآخر، بينما الحوار والتقارب يزيل أكثر التناقضات ويقضي على التجديف، ويدخل المختلفين في نوع من الاقتصاد في الخلاف يغدوا فيه الاختلاف أقل بكثير مما كان عليه إبان الصراعات والتطاحنات الطائفية المذهبية. فمثلا في هذه الحروب يصبح من السهل على أي طرف أن يتهم الآخر بأنواع من التهم وربما ينسج له منها أساطير ويتفنن في ذلك أيما تفنّن. لكن و في زمن التواصل والتقارب، لن يستطيع الشيعي أن يتهم السني بأنه مبغض لأهل البيت ولا أنه قاتل الحسين. ولا يمكن للسني أن يصدق حكاية من اتهم الشيعة بالقول أن الرسالة نزلت بالخطأ على محمد ( ص ) كما ردّدّ الكثير من الجهّال بحقيقة نشوء المذاهب الإسلامية وآثارها العلمية.
سيكتشف الفريقان بأن السنة غير آبية للتشيع لأهل البيت ولا التشيع آبي للتسنن لسنة الرسول (ص). وبأن الخلاف مهما حاول البعض تهويله عبر التفتيش في المظان عن موارد الخلاف، لا يرقى إلى أن تنقسم الأمة بموجبه إلى فسطاطين. بل كثير من مواد الخلاف هي وهمية كبرّها الجهل والعصبية والشقاق أو جادّة استهان بها الجاهلون بأسرار الخلاف وأدلّته. وفي ظني نستطيع أن نتوصل إلى مراتب متقدمة في سبيل الاقتصاد في الخلاف قريبة من الدرجة الصفر. إننا وبكل بساطة نقول: إن المسلمين عاشوا جميعا في كنف أمة واحدة حتى في عصر نشأة الخلاف، فما الذي تغيّر حتى لا نستمر أمة واحدة وليكن الخلاف بيننا ما كان.
لولا نفر من كل فرقة حكيم هناك جهود تبدل من قبل الطوائف والمذاهب لا شكّ في تلك الجهود ونبل رسالتها. وثمة دائما حكماء وفضلاء من المدرستين. وشخصيا أعرف من الطرفين أناسا يعيشون للوحدة والتقارب بين المسلمين بشكل يفوق المتوقع. بل إن دور العلماء والقياديين كبير وخطير في آن، لأن أي خطأ في التعبير يوشك أن يشعل نارا في الهشيم. لكن لا يهم أن نسقط ونقوم مجددا. أن نخطئ ونؤوب مرة أخرى. فالجميع في الفتنة يكتوي بنارها. هناك تنافس بين خطاب التسامح وخطاب التشدد في كلا الطرفين. وفي اعتقادي أن الغلبة ستكون في نهاية المطاف للاتجاه المتسامح؛ لأن المستقبل كفيل بأن يحجم من سلطة خطاب التشدد. المسألة لا تتعلق بالعلماء بهذا العموم، بل تتعلق بعلماء صالحين، لأن نار الفتنة قد تجد من ينفخ فيها من علماء غير صالحين، أو كما قال (ص): " إياكم والجهال من المتعبدين والفجار من العلماء فإنهم فتنة كل مفتون"!، فنفهم أن الزيت الذي يصب على الفتن هو من جنس جهل الطيبين وفجور العلماء. فوجب على المتعبد أن يتعلم وعلى العالم أن يرعوي.
إن المساعي متواصلة والجهود المبذولة في هذا الطريق موصولة. آخرها مؤتمر المذاهب الإسلامية المنعقد بالدوحة وقبله مؤتمرات من هذا القبيل انعقدت بعمان ودمشق وطهران ولبنان والمغرب وغيرها. والمساعي التي تقوم بها منظمات تؤمن بالتقارب والوحدة بين المسلمين في منشوراتهم وخطبهم وندواتهم، على نقائص في استراتيجيتها وثقوب في سياساتها. مثال ما يقوم به المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ومؤسسات أخرى وموقعكم الإلكتروني ضمن هذه الجهود، كذلك الفقهاء والمراجع والمفكرون كل من موقعه وكل بحسبه. وبين يدي الآن كتاب قيم للأستاذ محمد سليم العوا جاء في وقته وهو كتاب صغير في حجمه ولكن عظيم في ميقاته وظرفه وغايته، يتحدث عن الشيعة والسنة ويقنّد فيه مزاعم التكفيريين و يسعى لمزيد من التعارف والتقارب بينهما. ولو سعى أعلام آخرون السعي نفسه وسلكوا مسلك د.محمد سليم العوا وأمثاله لكفانا الله شر فتنة نرجو الله أن لا تتفاحش فيكون فيها الحليم حيران. كما لا يفوتنا الإشارة إلى قناة التقريب التي أطلقها المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب في زمن مناسب جدّا. ويجب أن لا نكتفي بهذا القدر وفي تصوري أن ثمة دولتين كبيرتين تملكان أن تقدم الكثير في هذا الاتجاه. بل إن إشرافهما وتبنيهما السياسي لهذا الدور وأخذه بالقوة من شأنه أن ينهي القسم الأعظم من الخلاف في هذا العصر؛ أعني الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية. وكما ذكرت قبل قليل إن السياسة بإمكانها أن تلعب دورا كبيرا في هذا الخصوص، ووضع إمكانات الدولتين في هذا الغرض النبيل كفيل بأن يبدد الكثير من سحائب هذا الخلاف ، فالحل في يدنا إن شئنا ذلك ، أو هو الطوفان لا سمح الله! Monday, November ۰۱, ۲۰۱۰