لقد تبلورت الثورة الاسلامية الايرانية على اسس انسانية واخلاقية. واسلامية النظام تقتضي ان تقف الجمهورية الاسلامية الايرانية الى جانب الانسان بما هو انسان. وان تنظر الى الجميع نظرة واحدة.
شارک :
وكالة انباء التقريب (تنا) : بقلم غضنفر ركن أبادي (سفير إيران في لبنان )
رجل دين مسيحي يعمّد طفلاً في طهران. احدى كنائس الأرمن في ايران.
تعدّ منطقة الشرق الاوسط مهدا ومنطلقا للاديان التوحيدية، ومنها المسيحية، وعليه فإن مسيحيي المنطقة يعيشون في ارضهم الاصلية، ويعدون جزءا من نسيج الشرق ومنطقة الشرق الاوسط. كما ان سكان الشرق، وخاصة منطقة الشرق الاوسط، وبصرف النظر عن انتمائهم الديني، هم مشرقيون وشرق اوسطيون. ولقد عاش المسيحيون والمسلمون في سلام واطمئنان لسنوات طوال. ففي لبنان على سبيل المثال تجد مناطق كثيرة يقطنها المسيحي والمسلم، ويعيشان معا في مودة ومحبة بصرف النظر عن الانتماءات الدينية والطائفية.
لقد تبلورت الثورة الاسلامية الايرانية على اسس انسانية واخلاقية. واسلامية النظام تقتضي ان تقف الجمهورية الاسلامية الايرانية الى جانب الانسان بما هو انسان. وان تنظر الى الجميع نظرة واحدة. فاحترام الانسان، بصرف النظر عن دينه وطائفته وقوميته، يشكل اصلا اساسيا في السياسة الخارجية الايرانية . وهذا الاصل لا ينحصر داخل ايران، بل ان الجمهورية الاسلامية تعتمده كأصل عالمي. وعليه فان نظرة النظام الاسلامي الايراني الى البشر، من اي دين وطائفة، هي نظرة متعادلة. وتتمايز هذه النظرة عندما يطرح بحث الحق والباطل والظالم والمظلوم والمعتدي والمعتدى عليه. في مثل هذه الحال فان الجمهورية الاسلامية تقوم بواجبها طبق الاصول الانسانية والاخلاقية والاسلامية المذكورة، وتعتبر ان من واجبها ان تقف الى جانب الحق والمظلوم والمعتدى عليه، وفي مواجهة الباطل والظالم والمعتدي.
يوجد في ايران حوالى ثلاث مئة الف مواطن مسيحي، تشمل الآشوريين والكلدانيين والارمن والكاثوليك والبروتستانت والانجيليين، واكثرية مسيحيي ايران هم من الارمن. المسيحيون في الجمهورية الاسلامية ، رغم انهم يعتبرون اقلية، لكنهم في الحقيقة مكون اساسي في نسيج المجتمع الايراني، ويتمتعون بالحرية الكاملة والحقوق السياسية والاجتماعية. ففي مجال الشؤون الاجتماعية يدير المسيحيون جميع شؤونهم المتعلقة بالزواج والطلاق والوصية وتقسيم الارث طبق الاحوال الشخصية المسيحية. فالمادة ۱۳ من دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية تنص ان: "الايرانيين الزرادشت، والكلدانيين (اليهود) والمسيحيين هم الاقليات الدينية الوحيدة المعترف بها، وهم احرار في اقامة مراسمهم الدينية ضمن حدود القانون، ويديرون احوالهم الشخصية وتعاليمهم الدينية طبق اديانهم".
في مجال التعليم والثقافة توجد في ايران اكثر من ۵۰ مدرسة خاصة مسيحية، ومن جملة النشاطات التي يمارسها المسيحيون في ايران: نشر الصحف والمجلات المتعددة مثل: ارارات، اراكس وغيرها، اضافة الى طباعة الانجيل باللغة الفارسية وغيرها. كما يوجد اكثر من ۵۰ مركزا ثقافيا مسيحيا في طهران وحدها. اضافة الى وجود مجتمعات ثقافية ورياضية باسم ارارات ومراكز عدة لرعاية كبار السن والايتام الخاصة بالمسيحيين.
ويتمتع مسيحيو ايران بحرية اقامة المراسم الدينية والعبادية في شكل كامل. وللمسيحيين في طهران وباقي المدن الايرانية كنائس. واحدى اقدم كنائس العالم موجودة في محافظة آذربايجان الغربية في ايران، واسمها كنيسة قره، ويعتقد ان هذه الكنيسة هي مزار "تاديوس" احد تلامذة السيد المسيح وحوارييه، وقد بنيت في القرن السابع الميلادي، وسجلت هذه الكنيسة العام ۲۰۰۸ في منظمة الاونيسكو كتراث ديني عالمي.
في المجال السياسي ايضا للمسيحيين دور فعال، ففي مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) للمسيحيين ثلاثة نواب، للآشوريين والكلدانيين نائب، وللارمن نائبان. دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية لحظ موضوع تزايد عدد السكان ومنهم المجتمع المسيحي في ايران، لذلك ورد في المادة ۶۴ من الدستور زيادة عدد نواب المسيحيين في المجلس ايضا.
تقول المادة ۶۴ من الدستور: "للآشوريين والكلدانيين نائب في المجلس، ولأرمن الشمال والجنوب سويا نائبان، وعند زيادة تعداد اية اقلية مسيحية يضاف لنوابها نائب واحد في المجلس كل عشر سنوات وعن كل ۱۵۰ الف نسمة". لمسيحيي ايران نشاطات واسعة في المجالين الاجتماعي والسياسي، وكان لهم دور اساسي في انتصار الثورة الاسلامية الايرانية ايضا، الى جانب المسلمين في اسقاط نظام الشاه الملكي الاستبدادي، كما كان للمسيحيين حضور فاعل في ثماني سنوات من الحرب العراقية المفروضة على ايران، وقدموا للثورة الاسلامية الايرانية اكثر من مئة شهيد خلال هذه الحرب.
۹۸ في المئة من سكان الجمهورية الاسلامية الايرانية هم من المسلمين، ورغم ان المسيحيين اقل من ۲ في المئة الا ان حصتهم في البرلمان اكثر بكثير، في حين ان الدول الغربية ورغم وجود ۲۰ – ۳۰ في المئة من عدد السكان من المسلمين في بعض تلك الدول، إلا أنهم لم يمنحوا المسلمين أي نائب في المجلس.
ليس المسيحيون وحدهم الذين يواجهون أخطارا وتهديدات في المنطقة، فكل سكان المنطقة، سواء المسيحيون أو المسلمون، هم مهددون ويواجهون خطر الفتنة والانقسامات والخلافات. كل المشكلات مصدرها واحد هو الغزو والاحتلال وأولئك القادمون من وراء الحدود ومن خارج المنطقة ويتدخلون في أمور المنطقة. فالخطر الذي يهدد مسيحيي الشرق اليوم، ولا سيما الوجود المسيحي في فلسطين المحتلة، يكمن في الكيان الصهيوني وسياساته العنصرية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الاميركية. إن السياسات الخاطئة التي تنتهجها الولايات المتحدة في المنطقة هي العنصر الرئيسي الذي يهدد استقرار المنطقة ويعرض بالتالي مصالح شعوبها الى الخطر. في امكانكم ملاحظة جذور المشكلة ومعرفتها جيدا من خلال رسالة الجنرال عون الى السينودس. فقد أشار الجنرال عون في رسالته هذه بوضوح الى الاخطار التي تهدد الوجود المسيحي. إن اقامة اسرائيل وسياسة الاحتلال والعدوان، كل ذلك يشكل أساس المشكلات التي تعاني منها المنطقة ويطال لهيبها اتباع كل الديانات والطوائف. أساس المشكلات هذه لاحظها وتناولها ايضا البيان الختامي الصادر عن مؤتمر السينودس الذي عقد في روما أخيرا.
لا شك في ان تحصين وضع شعوب المنطقة وطوائفها يمكن ان يتحقق متى تم وضع حد للتهديدات والاخطار التي أشرنا اليها وانهاء الاحتلال. ولمواجهة الاخطار لا بد من الوعي واليقظة. هناك وعي جماهيري لطبيعة المخططات والفتن، وهناك دور مهم تتولاه الشخصيات الدينية والسياسية في بلورة هذا الوعي وفي خلق ظروف الوحدة بين الاديان والطوائف. يجب العودة الى أساس الدين والتأكيد على القيم والمبادئ الانسانية والاخلاقية التي تشكل القاسم المشترك بين مختلف الاديان عبر التمسك بتعاليم الانبياء.
ان الحركة التي قام بها القس الاميركي أخيراً في الاساءة الى القرآن الكريم لم تكن في الواقع إلا حركة او مشروع مؤامرة خططت لها الدوائر الصهيونية والاستكبارية بهدف اثارة الفتنة بين الاديان في مختلف أنحاء العالم. وكان لي العديد من اللقاءات بهذا الخصوص مع شخصيات مسيحية دينية وسياسية لبنانية، ولا سيما مع غبطة البطريرك صفير، تحدثنا خلالها عن ضرورة اجراء مشاورات بين كبار المراجع الدينية الاسلامية والمسيحية من أجل التصدي لمثل هذه المخططات. نحن نرى أن هذه المخططات لا تعني بأي شكل من الاشكال المؤمنين المسيحيين الحقيقيين، ولا تعني أتباع الديانة المسيحية عموما.
مشكلة المسيحيين اليوم هي مشكلة الانسانية برمتها. يكفينا ان نتصور، أو نفترض، أنه لو كان السيد المسيح بيننا اليوم في مجتمعاتنا هذه، هل كان سيوافق على هذه الجرائم التي ترتكب ضد البشرية باسم الدين؟ هل كان يوافق على المجازر التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين ولبنان؟ هل كان يوافق على الصمت تجاه هذه الجرائم؟ لماذا تعرض السيد المسيح للأذى والملاحقات؟ لأنه لم يرضخ للظلم والعدوان والاضطهاد والممارسات اللاانسانية.
ما نتوقعه نحن من الشخصيات والصروح المسيحية العليا، ولا سيما من الفاتيكان، هو أن تقوم بالبحث عن الجذور الاساسية للأزمة. في اجتماع السينودس كانت هناك اشارات الى جذور هذه المشكلة. يزعم الصهاينة انهم شعب الله المختار في الارض. فالنظرة الاستعلائية والعنصرية هي أحد أبرز سمات الكيان الصهيوني. الاحتلال والعدوان هما حصيلة هذه النظرة الاستعلائية وحصيلة روح التسلط والهيمنة لدى هذا الكيان وهذا الاحتلال والعدوان هو السبب في اثارة الاضطرابات وخلق حالة من عدم الاستقرار لكل سكان الشرق الاوسط والمسيحيين والمسلمين على السواء. ولا يمكن التوصل الى حل لهذه المشكلة طالما لم يتم وضع حد لهذا الكيان ولسياساته.
إن وجود الاحتلال في المنطقة، سواء في فلسطين او العراق، يشكل مصدر فوضى وقلاقل لكل سكان المنطقة. وكان غبطة البطريرك صفير واضحا في قوله عندما أكد أن القوات الاميركية لم تأت الى العراق لكي تحمي المسيحيين وغيرهم، بل جاءت الى العراق لتحقيق مصالحها الخاصة وهي السيطرة على العراق وثرواته. لربما شهدتم في الايام الماضية مسرح الجريمة الارهابية في العراق والهجوم على كنيسة سيدة النجاة في العراق، وقتل وجرح العديد من المؤمنين المسيحيين الابرياء في هذه الكنيسة والناجم عن الاحتلال والعدوان، أو الهجوم الذي تعرضت له كنيسة المعمدانية في القدس المحتلة على يد الصهاينة والناجم عن السياسة اللاانسانية والعنصرية التي يتبعها الكيان الصهيوني. وبالطبع فاننان ندين بشدة كل هذه الجرائم.