"إن تسليم العرب بعد سنوات من العناء والنضال بكيان عربي على جزء من فلسطين لا مبرر له سوى القنوط من تحقيق هدف التحرير كاملاً "
شارک :
آن الأوان ليتوحد الموقف العربي حول قضية فلسطين . فالعرب عاشوا مدة طويلة من الزمن كانوا خلالها في حال تعارض لا بل نزاع حول مفهوم قضية فلسطين وحول مفاهيم العمل من أجلها . كانت القضية توجز تطلع العرب جميعاً إلى تحرير فلسطين من الاحتلال والهيمنة الصهيونية . ومع الزمن انقلب هذا الطموح إلى المطالبة المتواضعة بكيان في الضفة الغربية عاصمته القدس يتمتع بالسيادة والاستقلال وتكون بقية فلسطين كياناً "إسرائيلياً" يناصب العرب العداء . لو كان العرب أمة متماسكة لكانت هناك أكثر من حاجة لمراجعة المواقف الرسمية توصلاً إلى الإجماع أو شبه الإجماع على نظرة واحدة للقضية يرى فيها العرب حلمهم بتحرير فلسطين كل فلسطين وقيام دولة عربية على أرضها تضم الشعب الفلسطيني قاطبة ومعه ربما جاليات أخرى، ومنها جالية يهودية . يكاد لا يكون في العالم كيان لا يضم إلى جانب أهل البلاد، جاليات من هويات مغايرة . فليكن ذلك في فلسطين العربية . إن تسليم العرب بعد سنوات من العناء والنضال بكيان عربي على جزء من فلسطين لا مبرر له سوى القنوط من تحقيق هدف التحرير كاملاً . وهذا غير مقبول وغير مشروع . إنه غير مقبول باعتبار أن فلسطين عربية في أصولها وواقعها كما في رهانات أبناء الأمة في أكثريتهم الساحقة . فلمَ التنازل المجاني؟ ومن جهة أخرى فإن الصهيونية حركة استعمار واستغلال وهيمنة، إن تُركت على رسلها استولت على فلسطين أو معظمها وجعلت من وجودها منطلقاً للسيطرة على إمكاناتها وثرواتها ومواردها ومسارها . قلّ أن يوجد في التاريخ أمة تطالب بنصف حق . فالحق يكون واحداً متكاملاً أو لا يكون . وهكذا الحق العربي في فلسطين السليبة . فإما أن يكون حقاً واحداً متكاملاً أو لا يكون . فنحن إما نكون أو لا نكون أصحاب حق مشروع في فلسطين . ولا أعتقد أن بين العرب من ينكر على أمته حقها الكامل والمشروع في فلسطين من البحر إلى النهر . فعلامَ كانت التسوية المجانية بالتنازل عن أكثر من نصف هذه الأرض العربية؟ نحن نرى أنه ما كان من مبرر أو موجب لذلك سوى الكلل والتردد والخضوع لإرادات متسلطة تتحكم بها النظرة الصهيونية حيال فلسطين . ونحن نرى أن لا مساومة على حق وطني أو قومي أياً تكن الاعتبارات . لا بدّ أن يعود العرب إلى أصالة إيمانهم ومعتقدهم فينضووا جميعاً تحت لواء المطالبة بتحرير فلسطين كلياً وإقامة كيان عربي على أرضها تكون عاصمته بالطبع القدس . هذا ما ينبغي أن تكون عليه قضية العرب المركزية مهما تطلب تحقيق الهدف الأبعد من جهد وعناء ومهما اكتنفه من تعقيدات وصعوبات وأياً يكن رأي القوى العظمى والفاعلة في العالم والتي رهنت إرادتها في هذا المضمار للحركة الصهيونية العالمية للأسف الشديد . هذه النظرة إلى قضية العرب المركزية لن تستقيم إلا بتوحيد الموقف الفلسطيني حولها أولاً . فليس من المتوقع أن يسلّم العالم بهذه النظرة المشروعة من جانب العرب إن لم يكن الفلسطينيون أنفسهم مؤمنين بها ويلتزمونها ويناضلون من أجلها بكل الوسائل المشروعة المتاحة . هذا مع العلم، للأسف الشديد، أن أكثر، لا بل أبرز، التنظيمات الفلسطينية هذه الأيام باتت تكتفي في صوغ أهدافها المعلنة بالمطالبة بتقسيم فلسطين على الوجه الذي يقيم لعرب فلسطين كياناً مستقلاً ويترك القسم الأكبر من فلسطين للصهاينة المغتصبين . إن ذريعة الذين يتواضعون في مطالبهم إنما تتمحور في أكثر الحالات على دعوى الواقعية وانتصاب عقبات وصعوبات جمّة تعترض سبيل مطلب التحرير وإقامة الدولة العربية على مجمل أرض فلسطين . ونحن من الذين يرون أن القضية الوطنية والقومية تفترض نضالاً وجهاداً عنيدين، لا ينيان مهما بلغت العقبات والصعاب . أما التنازل المجاني عن جوانب مبدئية من القضية فهو في غير محله ويجب أن يكون مستبعداً في كل الأحوال . وأخشى ما نخشاه أن يؤدي التنازل عن بعض الأهداف إلى التخلي عنها كلها . فمن يرضى بأقل من حقه لا يعود له حق في نهاية المطاف . أخيراً، فنحن من الذين يؤمنون بأن قضية فلسطين ينبغي أن تكون حافزاً للعرب، في شتاتهم الأليم اليوم، لأن يرصوا صفوفهم وينبذوا كل ما يفرق بينهم توصلاً في يوم من الأيام إلى الوحدة الناجزة بين شعوبهم . أوروبا، على تباين شعوبها وأقطارها، أقامت اتحاداً فيما بينها . فلمَ لا يكون العرب، وهم أمة واحدة، موحدين، متكافلين متضامنين؟