تاريخ النشر2011 16 November ساعة 14:54
رقم : 71362
الرئيس سليم الحص

"لبيـكِ أيتـها الأمـة"

تنا بيروت
"ونحن العرب جديرون بالإنجاز القومي الساطع، والمسيرة الواعدة إنما تنطلق أولاً بتذليل المشكلة القائمة في سوريا. والمطلوب تضافر الجهود العربية في هذا السبيل. وتوافق الإرادات داخل القطر السوري."
"لبيـكِ أيتـها الأمـة"
سوريا كانت ولا تزال تختصر الوطن العربي برمّته في ما قد يصيبها من صروف الدهر، وهي في هذا الموقع متميّزة. كثير من الأقطار العربية تواجه أحياناً انتكاسات في حياتها الوطنية فتبقى مشكلتها قاصرة عليها. أما سوريا فهي من الأقطار العربية القليلة التي تصدّر القضايا التي تواجهها إلى دول الجوار العربي وأحياناً إلى سائر الأقطار العربية.
وسوريا تواجه مشكلة هذه الأيام لم تكن في حسبان أحد قبل حين. وكانت قبل ذلك تبدو على كثير من المنعة والاستقرار. فإذا بالأحداث الأمنية تبدّد صفاءها ويتبدى في الأفق مشروع حرب أهلية. ويتفاقم الوضع على نحو جعل من سوريا مسرحاً لاختلالات أمنية خطيرة تنذر بالتطور إلى حرب أهلية إن اشتعلت فإنها تنذر لا قدر الله بأن لا تبقي ولا تذر. وإذا كانت سوريا في موقع تصدير القلاقل فأخشى ما نخشاه أن يكون بلدنا لبنان أول بلد يتلقى مفاعيلها وارتداداتها نظراً لتجاور البلدين الشقيقين على امتداد حدود لبنان الشمالية والشرقية لا بل نظراً لتداخل أوضاع البلدين الشقيقين حتى في التفاصيل اليومية الدقيقة. ونحن من الذين يشعرون أن لبنان لا يستطيع عملياً درء انعكاسات ما قد تتعرض له سوريا من تقلبات ولو حاول أو سعى. فالتفاعل المباشر والوثيق بين البلدين هو قدرهما. وهذا التفاعل ناجم عن تداخل نشط بين البلدين الشقيقين على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهناك الكثير من قرابات النسب بين الشعبين التوأمين.
لذا هذا الهم الذي يستشعره اللبناني عموماً هذه الأيام جراء تفاقم الوضع في الشقيقة سوريا، ونحمد الله على أن الوضع ما زال في مستوى عدم الاستقرار ولم يتفجّر على نطاق يتجاوز حدود الضبط، ولكن الخوف يبقى ماثلاً من أن يتطور الوضع نحو الأسوأ، لا سمح الله، فيما لو لم تُبذل جهود حثيثة لاحتواء الأزمة ومن ثم القضاء عليها. وهذا يتطلب إطلاق حوار على أوسع نطاق ممكن بين تيارات الشعب يكون من شأنه إحلال التداول والتفاعل السلمي الهادئ محل الاحتكام للعنف في إيجاد الحلول الناجعة للقضايا العالقة.
وإذا كان الحل يمكن أن يصدر عن حوار وطني يُعقد فمثل هذا الحوار ينتظر من يبادر إليه ويرعاه وينظمه. والأفضل لا بل الأفعل أن يعقد الحوار الوطني المنشود ضمن حكومة ائتلافية، حكومة اتحاد وطني تجمع الأطراف كافة. وهذا يقود إلى تساؤل مشروع: أين هي جامعة الدول العربية؟ ما الذي يحول بينها وبين تبني مثل هذه المبادرة الإنقاذية؟ والأمر رهن إلى حد ملحوظ بما يمكن أن يقدم عليه أمين عام الجامعة الدكتور نبيل العربي، وهو حديث العهد في هذا الموقع، فإذا ما أقدم على عمل ناجع على هذا الصعيد فإنه سيرسي بذلك مدماكاً يمكن أن يبني عليه مستقبلاً صرحاً من الإنجاز في العمل العربي المشترك لما فيه خير الأمة جمعاء.
ونحن من الذين يراهنون على أن يتوثق العمل المشترك على الوجه الذي ينجم عنه مزيد من التلاحم والتعاون والتلازم بين الشعوب العربية على نحو يمهد مع الوقت، الذي نرجو أن لا يطول، لاتحاد حقيقي بين الأقطار العربية يستولد في لحظة مباركة وحدة ناجزة بين عناصر الأمة الواحدة. عند ذلك تتوطد الفرص أمام الأمة لتبني لها مكانة مرموقة بين أمم العالم وتتمكن من الإسهام في تطور الحضارة الإنسانية على الوجه الذي يرضي طموح الأجيال الطالعة لهذه الأمة. فأين نحن من هذا الهدف الأسمى؟
كل ما نرجوه في المرحلة الحاضرة التنبه إلى ما تكتنز الأمة العربية من طاقات وإمكانات ومن ثم إرساء ركائز العمل المنهجي في سبيل تحقيق المرتجى مهما كان بعيد المنال على ما يبدو في الظروف الراهنة. والإنجاز على الصعيد القومي لا يتحقق إلا بتوحيد الجهود والتضحيات، ونحن العرب جديرون بالإنجاز القومي الساطع، والمسيرة الواعدة إنما تنطلق أولاً بتذليل المشكلة القائمة في سوريا. والمطلوب تضافر الجهود العربية في هذا السبيل. وتوافق الإرادات داخل القطر السوري.


المصدر : صحيفة "السفير"
https://taghribnews.com/vdcauen0.49n6i1kzk4.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز