"المطلوب أن يبادر العرب جميعاً إلى مجاراة أرقى الأمم في تقدمهم الثقافي والحضاري. فهم يتمتعون بكل الإمكانات في هذا السبيل، فليس ثمة ما يعوزهم من المقومات المفترضة"
شارک :
العلاقة بين قرار السلطة في بلد ما وإرادة الشعب تتوقف على مدى ما يطبق في ذلك البلد من الديموقراطية بطبيعة الحال. فالبلد المغرق في الديموقراطية يكون فيه قرار السلطة هو إياه قرار الشعب. ومدى التطابق بين الاثنين يتوقف إلى حد بعيد على قدر ما يأخذ به البلد من الممارسة الديموقراطية. وما يحدّ من ديموقراطية القرار في لبنان عوامل عديدة لعل أهمها التعددية الناتئة في المجتمع بوجود طوائف ومذاهب انقلبت مع الوقت عصبيات كثيراً ما يتوقف عليها مضمون القرار وصياغته، وكثيراً ما تكون الحصيلة تعطيل القرار كلياً. فالقرار الذي يتبناه فريق طائفي أو مذهبي من الشعب قد يعارضه فريق آخر، فتكون الحصيلة أحياناً كثيرة عدم صدور القرار، وفي أحسن الاحتمالات تكون الحصيلة قراراً معدلاً. هذا شأن المجتمعات التعددية، ومعظم مجتمعات العالم هي فعلياً بأقدار متفاوتة ذات طابع تعددي سواء إثنياً أم اجتماعياً أم ثقافياً. فالمعروف أن عدداً من أقطار العالم تضم إثنيات أو ثقافات متعددة، وبعضها تضم فئتين أو أكثر. وكثيراً ما تكون التعددية في المجتمع مزية بما يترتب عليها من حيوية وتفاعل بنّاء. وهذا ما ينطبق إلى مدى ملحوظ على بلدنا لبنان. فلبنان يتسم إلى حد ما بالتعددية الإثنية. فأكثرية شعبه من العرب، إلا أنه يحتضن أيضاً جالية أرمنية، وكذلك أقليات إثنية أخرى. والعربية هي اللغة السائدة فيه، إلا أن شعبه في أكثريته يتقن الفرنسية أو الانكليزية أو الإثنتين معاً، هذا إلى العربية بطبيعة الحال. هذه الظاهرة تلازمت مع تقدم ثقافي متميز في المنطقة العربية. هذا التميز معرّض للانقراض العاجل مع استمرار التقدم الملحوظ في الجوار العربي على كل صعيد وفي كل مجال. وسيأتي يوم، قد لا يكون بعيداً، سيغدو شأن لبنان شأن سائر الأقطار العربية، وهذا ما نتمناه من مستقبل للإخوة العرب يتحلى بتقدم مرموق. والمطلوب أن يبادر العرب جميعاً إلى مجاراة أرقى الأمم في تقدمهم الثقافي والحضاري. فهم يتمتعون بكل الإمكانات في هذا السبيل، فليس ثمة ما يعوزهم من المقومات المفترضة. والعرب لن يبلغوا شأوهم المرتجى إلا كأمة لها شأنها. قدر العرب، على ما نرى، أن يتحدوا في نطاق أمة واحدة موحدة. هكذا يتحقق ما يصبون إليه من وزن في العالم ويكون لهم الدور السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي الذي يستحقون على الساحة الدولية التي كان ولا يزال فيها الحق للقوة. وحق العرب هو اليوم مهدد على مسرح التنافس لا بل التناحر الدولي. وأبرز دليل على ذلك ما يدور في فلسطين من جرائم ومآس. فلسطين كانت ولا تزال ضحية الضعف العربي المستحكم. هي أبلغ شاهد على هزال موقف العرب وضعفهم. فالأمة العربية، على الرغم من رجحان حجمها على الساحة الدولية، واتساع رقعة انتشارها بين الشرق والغرب، ووفرة ثروتها وإمكاناتها المادية، ناهيك بتاريخ الأمة المشرّف, تستدرج القول: لن تكون للعرب قيامة حقيقية ما لم يرصّوا صفوفهم، ويعبئوا كل إمكاناتهم، ويوجهوا كل طاقاتهم في سبيل النهوض من هجعة طال الزمن عليها. عليهم أن يدركوا أن مصيرهم هو أولاً وآخراً في يدهم، وأن الاستسلام لواقع آسِن ليس قدراً محتماً لا محيد عنه. نحن العرب أمة واحدة بكل المقاييس. مع ذلك فإننا لا نُشعر العالم بوجودنا كما ينبغي. فلا نبدي حراكاً حيال ما يواجهنا هذه الأيام من أخطار وتحديات. فالعالم يمور اليوم بالاضطرابات، والعالم العربي لا يسلم من تداعياتها المباشرة وغير المباشرة. مع ذلك فإننا لا نشهد تحركاً مباشراً على مستوى العمل المشترك لتدارك ما يدور على الساحة الدولية والعالم العربي من أحداث وما يتهدد المنطقة من مخاطر. العرب فعلياً يواجهون مصيرهم على شتى المستويات، مع ذلك فليس من تحرّك عربي مشهود على مستوى ما يواجهون من تحديات.