"إسرائيل" ومعضلة تعاظم قوة إيران.. الخيارات الصعبة؟
تنا
هواجس "إسرائيل" تجاه إيران لا تقتصر على برنامجها النووي، إذ عبّرت أوساط إسرائيلية حديثاً عن مخاوف كبيرة من تنامي القدرات العسكرية الإيرانية وكشف طهران عن تصنيعها طائرات مسيرة قادرة على الوصول إلى حيفا و"تل أبيب".
شارک :
تَعدُدْ هواجس "إسرائيل" وارتفاع وتيرتها ومصادرها تجاه حال الصراع القائمة مع إيران إزاء برنامجها النووي ومنظومتي الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة أمام حال الفشل الكبيرة التي يسجلها خبراء إسرائيليون بين حين وآخر، وإقرارهم بعدم مقدرة "إسرائيل" على القيام بمواجهة عسكرية مباشرة مع إيران لإحباط برنامجها النووي منذ سنوات طويلة أو الحد من تعاظم قوتها العسكرية والإخلال بشكل مباشر بموازين القوى، يرجع إلى حال القلق الإسرائيلية من فاتورة الخسائر الكبيرة التي ستتكبدها "إسرائيل" إزاء أي مواجهة عسكرية مع إيران.
اعترافات جديدة كشفها اللواء احتياط في "الجيش" الإسرائيلي، إسحاق بريك، عن تخطيط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية منذ عام 2008 لشن هجوم عسكري على البرنامج النووي الإيراني، وإنفاقها 11 مليار شيكل إسرائيلي كميزانية تهدف إلى تعزيز قدرات سلاح الجو الإسرائيلي للهجوم المباشر على إيران وإحباط برنامجها النووي.
اللواء بريك يقر في تصريحات جديدة له على القناة 12 الإسرائيلية بفشل رؤساء الأركان الإسرائيليين على مدار سنوات طويلة، إذ يشير إلى أنّ "إسرائيل"، وبعد مرور 14 سنة، تقف عاجزة عن الإقدام على مثل هذه الخطوة (ضرب إيران عسكرياً)، نتيجة ما أسماه ارتفاع وتيرة الهواجس وكلفة الفاتورة الكبيرة التي قدّر خبراء إسرائيليون أنها باهظة، أو ما أسموه ميزان الرعب الذي أصبحت إيران وأذرعها تشكله في المنطقة، وحال التخوف من اندلاع حرب إقليمية متعددة الساحات بعد نجاح إيران في بنائها نفوذاً ممتداً لها على مدى 20 عاماً، ناهيك بآلاف الصواريخ التي ستسقط في قلب "تل أبيب"، وستخلف آلاف القتلى الإسرائيليين.
هواجس "إسرائيل" تجاه إيران لا تقتصر على برنامجها النووي، إذ عبرت أوساط إسرائيلية حديثاً عن مخاوف كبيرة من تنامي القدرات العسكرية الإيرانية وكشف طهران عن تصنيعها طائرات مسيرة قادرة على الوصول إلى حيفا و"تل أبيب"، وهو ما زاد وتيرة الهواجس الإسرائيلية وارتفاع حال القلق تجاه قدرة إيران على تطوير منظومة طائراتها المسيرة، الأمر الذي وصفته أوساط إسرائيلية بتنامي حال التهديد الإيراني وفشل الاستراتيجية الإسرائيلية في كبح جماح إيران في المنطقة.
الحديث عن امتلاك إيران هذا النوع من الطائرات المسيرة، يعني أنّ "إسرائيل" أصبحت تعيش على مدار اللحظة في دائرة الخوف والقلق، وهذا يعدّ مساراً طبيعياً يجب أن يلازمها كلّ لحظة كدولة احتلال في المنطقة، كما أنّه يعدّ تغيراً في موازين القوى لمصلحة إيران التي أصبحت تتطور في كل لحظة، والتي نجحت في الإخلال بموازين القوى الإسرائيلية.
وبما أنَّ موازين القوى في المنطقة لم تعد تصبّ في مصلحة "إسرائيل"، كما كانت في السابق، فإن أقصى ما تستطيع فعله تجاه إيران هو اتباع استراتيجية المعارك المحدودة التي تستخدم خلالها الحرب السيبرانية كنوع من الحرب الباردة، أو تنفيذ الاغتيالات بحق علماء وخبراء إيرانيين، بهدف التخريب أو التشويش على تصاعد حال التطور الإيرانية الواضحة في مجال برنامجي الصواريخ والطائرات المسيرة والبرنامج النووي من جهة أخرى.
العهد الذي كانت "إسرائيل" تتفاخر فيه بتفوقها العسكري في المنطقة ولى إلى غير رجعة، وما زاد من التعبير عن حال القلق الإسرائيلي بشكل صريح هو قناعتها بنجاعة الصناعات الإيرانية في مجال الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة، وما يحكى عن قيام روسيا بشراء مجموعة طائرات مسيرة إيرانية في حربها الدائرة مع أوكرانيا.
قوة الردع الإسرائيلية أصبحت متأكلة أكثر من أي وقت مضى أمام تنامي قوة إيران ومحور المقاومة في المنطقة، وبعد المعادلات التي نجحت قوى محور المقاومة في فرضها، سواء مع حزب الله وأزمة حقول الغاز الأخيرة أو معادلات الردع والرعب مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
التهديدات الإسرائيلية التي تطلقها "دولة" الاحتلال بين الحين والآخر ما هي إلا بروباغاندا إسرائيلية مقصودة تهدف إلى رفع معنويات المجتمع الإسرائيلي. أما النشاط العسكري والمناورات التي تقوم بها "إسرائيل" بين الفينة والأخرى، فإنها تهدف إلى إشغال الرأي العام الإسرائيلي، سواء على الحدود مع لبنان أو على الجبهة الجنوبية مع المقاومة في فلسطين، ورسالتها أنَّ القوة العسكرية الإسرائيلية ما زالت متنامية وتستطيع الدفاع عن "إسرائيل" في أيّ مواجهة محتملة.
عملياً، "إسرائيل" في هذه المرحلة أكثر عجزاً عن شن حرب عسكرية مباشرة على إيران بمفردها، ما لم تكن هناك موافقة وتأييد أميركي. في المقابل، فإن توجهات الإدارة الأميركية الحالية ورغباتها لا تميل إلى هذا الخيار، في ظل استمرار حال الرهان الأميركية حتى اللحظة، ورغم المعوقات، على العودة إلى الاتفاق النووي، إدراكاً منها أنه ضرورة أميركية وأوروبية في الدرجة الأولى.
الكابح الآخر الذي يمنع "إسرائيل" من القيام بعمل عسكري مباشر ضد إيران هو إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تعيش أزمة داخلية غير مسبوقة من جهة، وحال اللااستقرار السياسي الإسرائيلي والصراعات الإسرائيلية الداخلية المتفاقمة والمستمرة من جهة أخرى.
تعاظم القوة والقدرة الإيرانية أصبح محفوراً في الذاكرة الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد بوسع "إسرائيل" شن حروب عسكرية استباقية أو وقائية كبيرة لتغيير الواقع أمام قوة إيران المتصاعدة في المنطقة.
وقد أصبحت خشيتها الكبيرة من الذهاب إلى مواجهة عسكرية سيناريو يمثل رادعاً لها، جعلها تتراجع أكثر وتكون حذرة في التعاطي مع موازين القوة والردع التي تمتلكها إيران ومحور المقاومة بأكمله، الذي يستند إلى إمكانيات عسكرية هائلة، وإلى قدرة وشجاعة وإرادة في أي مواجهة في حال فرضت.