تاريخ النشر2011 25 October ساعة 15:33
رقم : 68443
نصوص من الصحافة الإسرائيلية

بعد إتمام صفقة شاليت إسرائيل تراجع حساباتها وتفتح سجلات الربح والخسارة

تنا ـ بيروت
أما في إسرائيل فالوضع مختلف تماما. فبعد أن كانت وسائل الإعلام طوال الحملة الشعبية من أجل الإفراج عن شاليت متعاطفة مع الحملة، سرعان ما غيرت موقفها، باسم الموضوعية الصحافية، وشرعت بإظهار الثمن المدفوع مقابل شاليت.
بعد إتمام صفقة شاليت إسرائيل تراجع حساباتها وتفتح سجلات الربح والخسارة
أنجزت إسرائيل وحماس المرحلة الأولى والأساسية من صفقة تبادل الأسرى وعمت الفرحة المناطق الفلسطينية واسرائيل على حد سواء. وبعد أن هدأ غبار الصفقة شرع البعض في كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحساب مقادير الربح والخسارة في جانبيهما. وبعيدا عن المبالغات، فإن الانطباع السائد في الجانب الفلسطيني حول الصفقة أنها كانت «أفضل الممكن» في الظروف الراهنة ومن دون تجاهل نواقصها. ورغم تأكيد الحكومة الإسرائيلية وقادة الأذرع الأمنية أن هذا أيضا هو التوصيف الإسرائيلي، إلا أنه يصعب الإيمان بأن هذا هو الحال. 

في الجانب الفلسطيني يدور النقاش حول ما إذا كان إنجاز الصفقة سيصب في خانة تسهيل مساعي المصالحة أم سيخلق عوائق جديدة أمامها. وكذلك ثمة من يتساءل من دون أجوبة قاطعة حول ما إذا كانت وحدة المشاعر التي تبدت إزاء الأسرى عموما في أوساط الشعب الفلسطيني قد تنعكس ضغطا على كل من حماس وفتح لإنجاز المصالحة. 

أما في إسرائيل فالوضع مختلف تماما. فبعد أن كانت وسائل الإعلام طوال الحملة الشعبية من أجل الإفراج عن شاليت متعاطفة مع الحملة، سرعان ما غيرت موقفها، باسم الموضوعية الصحافية، وشرعت بإظهار الثمن المدفوع مقابل شاليت. وطفحت الصحف الإسرائيلية بتقارير تظهر الأخطار التي قد تواجهها إسرائيل جراء هذه الصفقة. غير أن التعاطي الإعلامي في هذا الشأن كان جزءا من نقاش أوسع طال كلا من المستوى السياسي والعسكري والفكري في إسرائيل. وبدا جليا أن معارضي الحلول الوسط في اليمين السياسي والديني عارضوا في الغالب الصفقة ووجهوا انتقادات شديدة لها. لكن كثيرين صمتوا، وبعد إنجاز الصفقة فتحوا أفواههم، بأشكال مختلفة. 

فالحاخام العسكري الأكبر السابق الجنرال أفيحاي رونسكي عقب على الثمن الباهظ لصفقة شاليت بالقول انه «عندما تأتي لتعتقل مخربين مثل قتلة عائلة بوغل، ينبغي ببساطة اطلاق النار عليهم. تصفيتهم. إنهم مخربون قتلوا أناسا ويجب قتلهم في غرف نومهم». وأشار الحاخام إلى أن بوسع إسرائيل مواصلة فعل ذلك بطريقتها: «لقد سبق ان حصلت مثل هذه الامور. قتلة كبار تلقوا عقابهم عن طريق الاحباط المركز او بوسائل اخرى، دون الحديث أكثر مما ينبغي ودون النشر».
إذاً، الحاخام يفتي بالقتل، وماذا عن غير الحاخامات. زعيمة المعارضة تسيبي ليفني شرعت بشن هجوم جبهوي على صفقة شاليت واعتبرتها ضارة بإسرائيل وخطرا عليها. وبعد أسبوعين من صمتها على الصفقة أعلنت ليفني أن «حماس تعززت جراء الصفقة ونالت شرعية. والمؤيدون للصفقة يفهمون ذلك. وإسرائيل حاليا تفقد قدرتها الردعية». 

وفي إسرائيل شعور متعاظم بأنه رغم الادعاء القيمي بأن إسرائيل تدفع الكثير من أجل استعادة أسراها فإن النقاش حول الثمن واسع. والثمن هذه المرة لا يرتبط بقضية شاليت. فقد سبق وشكلت الحكومة لجنة برئاسة القاضي مئير شمغار وعضوية عسكريين وفلاسفة للبحث في تحديد قواعد ملزمة لأي حكومة بشأن التفاوض من أجل تبادل أسرى. وتم تقديم تقرير اللجنةالذي بعد النظر فيه تم الإعلان عن أنه لن يدرس ولن ينفذ إلا بعد إنجاز صفقة شاليت. 

ويبدو أن هناك خلافا فكريا عميقا في كل من الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي حول هذه التوصيات. فهي تقيد أي حكومة ويمكن أن تقود إلى مقارنات ضارة بين ما جرى في الماضي مع أبناء عائلات معينة وما سيجري مستقبلا. ولهذا، فإن توصية الجيش كانت بشكل ما الابتعاد عن تبني قواعد ملزمة وترك الباب مفتوحا أمام هامش مناورة واسع للحكومة. فالمسألة ليست فقط ما يمكن أن توصله من رسالة للعدو، وإنما الأهم أن لا تقيد نفسك بقواعد تأتي ظروف تقلبها رأسا على عقب. ونتنياهو، على سبيل المثال، برهن على أن الأمور تبدو من شرفة رئيس الحكومة غير ما تبدو من أي مكان آخر. وهذا ما دفعه لابتلاع مواقفه من الخضوع للإرهاب.
وربما لهذا السبب دعت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، بعد أن استمعت إلى تقرير من رئيس الشاباك وجهات أخرى، حكومة نتنياهو إلى تبني إجراءات واضحة تشكل خطوطا أساسية لمواجهة حالات الأسر مستقبلا. ومن المقرر أن تبدأ لجنة الخارجية والأمن بسلسلة مداولات تشكل أساسا لوثيقة توصيات ستقدم للحكومة. 

وطالب رئيس الكنيست روبي ريفلين الحكومة الإسرائيلية بتبني قواعد لافتداء الأسرى وإدارة المفاوضات مع آسريهم. وقال ان تقرير شمغار يمكن أن يقر في الحكومة، لكن لا ينبغي إقراره كقانون في الكنيست من أجل إبقاء هامش مناورة بيد الحكومة. ومن المقرر أن يبحث الكنيست عند بدء دورته الشتوية هذا الأسبوع مشروع قانون حول الثمن الذي يمكن لإسرائيل دفعه في مقابل الأسرى وعلى قاعدة «واحد في مقابل واحد» وأحياء بأحياء وموتى بموتى. ولا تتعلق مشاريع القوانين بهذا الشأن في المعارضة أو المتطرفين، بل ان الحكومة نفسها تنوي تقديم مشروع قانون كهذا لأن «مشاكل ضميرية تجعل صعبا رسم الحدود في هذا المجال». 

غير أن النقاش في إسرائيل لم يتوقف عند الآثار السياسية والعسكرية للصفقة بل تعداه إلى الجانب القيمي والمفهومي. واستغل معلقون تصريح رئيس الأركان بني غينتس الذي اعتبر فيه جلعاد شاليت «بطلا». ورأى بعضهم أن في مثل هذا التوصيف انتهاكا لمفهوم البطولة في الجيش الإسرائيلي، وتناقضا معه ايضا، خصوصا عندما يصدر عن قائد الجيش. بل ان المعلق السياسي في «معاريف» بن كسبيت، تحت عنوان «البطل نقيض البطولة»، كتب مخاطبا جلعاد شاليت نفسه: « انت البطل الاكثر مناهضة للبطولة التي يمكن تصورها. انت تحتفظ برقم قياسي نادر، خاص، لن يحطم ابدا. انت الشخص الوحيد الذي التقطت له صور في نصف ساعة مع رئيسي أركان: لحماس وللجيش الاسرائيلي». 

المصدر صحيفة "السفير" - حلمي موسى
https://taghribnews.com/vdcgwt93.ak97t4r,ra.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز