تثير التقديرات باحتمال حدوث تقدم في المفاوضات بين إيران والقوى العظمى الست قلقا متزايدا في إسرائيل. وكلما بدرت تلميحات من أوساط دولية أو غربية تفيد بأن الاتفاق ممكن، يسارع قادة إسرائيل إلى التشكيك في ذلك معتبرين أن لا هدف لإيران من المفاوضات سوى كسب الوقت ومجرد خداع. وينصب القلق الإسرائيلي أساسا حول احتمال توافق إيران والغرب على امتلاك إيران حق تخصيب اليورانيوم ولو بنسبة متدنية لأغراض سلمية. وعلى الرغم من أن في القيادة الإسرائيلية من يقبل باتفاق كهذا شرط إخضاع كل المؤسسات النووية الإيرانية للرقابة الدولية الحازمة فإن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يريد أن يحقق لإسرائيل نصرا بتجريد إيران من قدرتها النووية.
وفي كل الأحوال، وبرغم شيوع أجواء التفاؤل باحتمال حدوث اختراق في لقاء بغداد الذي سيعقد غدا فإن مصادر إسرائيلية تشير إلى أن الاختراق الحقيقي يمكن أن يحدث في العاصمة التركية وليس في بغداد. وترى هذه الأوساط أن الدور الذي تلعبه تركيا في الوساطة في الشأن النووي الإيراني يجعل منها الجهة التي ستمنحها الأطراف قصب السبق وتسجل النقاط في خانتها.
وبحسب المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت» أليكس فيشمان فإن «كسب الوقت» ليس هدفا حصريا لإيران في المفاوضات بل هو أيضا هدف للإدارة الأميركية. وفي نظره فإن الإدارة الأميركية التي تعرقل كل عمل عسكري قبل الانتخابات لا ترى أيضا أن من مصلحتها التوصل لاتفاق نووي مع إيران قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل. وأوضح أن الأميركيين يسعون خلال هذه الفترة فقط إلى وقف ساعة المشروع النووي الإيراني عن الدوران. وقد وفرت إيران الفرصة لأميركا عبر عرضها أمام الوكالة الدولية للطاقة النووية استعدادها ليس فقط لعرض كل منشآتها النووية للرقابة بل كذلك عرض مسؤولين عسكريين للتدقيق. ويشكك الإسرائيليون في إمكانية تنفيذ إيران لعرض «التعري» هذا.
واعتبر المراسل أن الإيرانيين يبذلون جهدهم بعد أن غدت العقوبات فاعلة وخشية العواقب من دخول العقوبات المشددة حيز التنفيذ في أواخر الشهر المقبل. وأوضح فيشمان أن الأميركيين يحاولون استغلال إحساس الإيرانيين بالضائقة ودفعهم إلى تقديم تنازلات خصوصا وقف التطوير النووي على الأقل إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.
وكتب فيشمان أن «إسرائيل ترى هذه المشاهد وصارت تقضم أظافرها. فمن أجل خصي الانتقادات الإسرائيلية المتوقعة – وأيضا تهدئة نتنياهو وأصدقاء إسرائيل في الكونغرس - وعدت إدارة أوباما بأنها لا تنوي إزاحة العقوبات عن إيران. وفي الأيام الأخيرة أوضح الأميركيون لجهات إسرائيلية عليا: إذا طرأ تطور دراماتيكي في الموقف الإيراني، فلن تنفذ العقوبات الثقيلة الجديدة المقررة في نهاية حزيران ومطلع تموز المقبلين، لكن العقوبات الحالية ستستمر. وإذا واصل الإيرانيون مفاوضاتهم العقيمة فإن العقوبات ستنفذ بكامل الشدة». عموما تتلخص المطالب الأميركية من إيران بالتالي: وقف النشاط في منشأة فوردو، وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة ٢٠ في المئة، وإخراج ما تم تخصيبه بنسبة ٢٠ في المئة إلى خارج إيران.
وفي «يديعوت» أيضا نقل المراسل السياسي شمعون شيفر عن «مستوى سياسي رفيع» في إسرائيل تقديره بأنه في أعقاب المفاوضات الجارية مع إيران صار أن «الخيار العسكري والهجوم المبادر به على المنشآت النووية الإيرانية أزيح عن جدول الأعمال، على الأقل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية». وأشار إلى أن القيادة الإسرائيلية «في الغرف المغلقة تصك أسنانها ولكن يتعذر عليها تجاهل الخطوات الجارية أمامنا، والتي تبقي الطائرات الإسرائيلية والأميركية على الأرض».
وكان المعلق الأمني لـ«يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان قد أشار إلى أن الكلام عن ضربة عسكرية لإيران شكل دافعا لدول كثيرة لممارسة الضغط عليها. وأشار إلى أن الحديث عن احتمال التسوية ليس أكثر من أمنية لدى الغرب الذي يقفز على كل بادرة إيجابية من إيران. وشدد على أن هذه الأنباء تستقبل في إسرائيل بمرارة. وكان حامي شاليف في «هآرتس» قد أشار إلى أن الاتفاق النووي مع إيران قد يتبدى في النهاية كـ«مفاجأة تشرين الأول» أي الخطوة التي تعد للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وأوضح أن أي اتفاق مع إيران يشكل تحديا لإسرائيل في الأيام العادية فما بالكم في حمى الانتخابات الأميركية. فـ«مفاجأة تشرين الأول نموذج العام ٢٠١٢ قد تتبدى كقنبلة سياسية موقوتة لا أحد يعرف بيد من سوف تنفجر». فالجمهوريون سينتظرون موقف نتنياهو قبل مهاجمة الرئيس لأنه «ألقى بإسرائيل تحت دواليب الحافلة» ليروق في عيون «أصدقائه المسلمين». والديموقراطيون يرون أن استطلاعات الرأي الأميركية تظهر تشددا تجاه إيران وهناك غالبية تؤيد الهجوم العسكري عليها إذا فشلت العقوبات. ومع ذلك فإن في أميركا من يؤمن بأن إسرائيل ستوافق على حل تنال فيه إيران حق تخصيب بحدود متدنية وتحت إشراف دولي.