متغيرات الميدان السوري تنعكس على لبنان...رئاسة ومخطوفين.
تنا-بيروت
لقد ظن الفريق اللبناني المنتظم في العدوان على سورية ان تجارته رابحة بكل تأكيد، وان هي الا أيام وأسابيع وينتصر العدوان ويحقق أهدافه ويرتد على لبنان فيطيح بالمقاومة وأركانها ومواقعها ما يفتح الطريق امامه الى استلام السلطة بشكل استئثاري منفرد بعيدا عن محاسبة او رقابة او مشاركة أحد.
شارک :
العميد د. امين محمد حطيط
مع بدايات العدوان سورية توزع اللبنانيون فرقاء ثلاثة، فريق انتظم في قوى العدوان وأعلن نفسه نصيرا لما اسماه "ثورة الشعب السوري " وفريق رأى ان العدوان لا ينحصر في سورية انما يستهدف المنطقة برمتها وتحديدا محور المقاومة وهو جزء من هذا الاستهداف اما الفريق الثالث والذي تمثل بالموقف الرسمي اللبناني فقد اتخذ موقعا نظريا مخادعا عنوانه "النأي بالنفس " لفظيا ودعم أعداء سورية واعداء محور المقاومة عمليا.
لقد ظن الفريق اللبناني المنتظم في العدوان على سورية ان تجارته رابحة بكل تأكيد، وان هي الا أيام وأسابيع وينتصر العدوان ويحقق أهدافه ويرتد على لبنان فيطيح بالمقاومة وأركانها ومواقعها ما يفتح الطريق امامه الى استلام السلطة بشكل استئثاري منفرد بعيدا عن محاسبة او رقابة او مشاركة أحد.
لكن مجريات الميدان السوري في السنوات الأربع الأولى ثم تنامي قوى الدفاع عن سورية في السنة الأخيرة ، سفهت أحلام مكونات جبهة العدوان كبيرهم و صغيرهم ، اصيلهم و تابعهم ، و دفعت اطراف هذه الجبهة للبحث بشكل او باخر عن مخارج تحفظ لكل منهم موقعا يحدد فيه خسارته و تجبره على التنازل اليوم عن جزء من طموحاته ليحتفظ بما هو اهم حتى لا يصل الى يوم يطاح فيه بكل ما في اليد و ما في الاحلام و في هذا السياق فتح ملف رئاسة الجمهورية بمبادرة من تيار المستقبل العامود الفقري للفريق اللبناني الداعم للعدوان ، ثم انجز ملف تبادل العسكرين المخطوفين لدى إرهابية "النصرة"، بشكل طرح أسئلة كثيرة حول الملفين ، خاصة لجهة التوقيت والاسباب فما هي الاجابات و الدلالات؟
نبدأ بملف رئاسة الجمهورية اللبنانية، الذي فتحه رئيس تيار المستقبل \ اللبناني -السعودي سعد الحريري بترشيح غير معلن رسميا للنائب سليمان فرنجية، ترشيحا فاجأ البعض ولم يتفهمه البعض الاخر وتلقفه فريق باعتباره مخرجا من الازمة التي يتخبط فيها لبنان منذ نيف و20 شهرا، وهنا نتوقف عند مسائل عدة ونطرح حولها تساؤلات واستفسارات؟
فالنائب سليمان فرنجية هو ركن في قوى 8 اذار التي تشكل حاضنة للمقاومة وحليفة لسورية ومناهضة للنهج العدواني الأميركي عليها. ثم انه بالشكل الشخصي يعتبر صديقا حميما وشخصا لصيقا بالرئيس بشار الأسد الذي تعمل السعودية كل ما في وسعها لإزاحته عن موقعه الذي اختاره الشعب السوري اليه. وهنا يمكن اللغز الكبير اذ كيف توفق السعودية بين عدائها للرئيس الأسد وسعيها لتنصيب صديقه الخاص رئيسا للبنان؟
اننا لا نرى تفسيرا للموقف السعودي الذي عبر عنه الحريري بترشيح غير علني لفرنجية الا ما يلي.
ان السعودية باتت تخشى حقيقة على نظام الطائف الذي فرضته على لبنان ومكنها من حكم هذا البلد بواسطة لبناني يحمل جنسيتها سواء كان هو في السلطة او عين من يدير المنصب بالنيابة عنه. و بالتالي اعتبرت السعودية ان "التنازل" عن رئاسة الجمهورية مقابل الاحتفاظ بالطائف و بالأكثرية النيابية و برئاسة الحكومة و بكل الأجهزة المتصلة بها و التي تحل مكان الوزرات بما فيها جهاز امن الأمر الواقع – فرع المعلومات - تعتبر نفسها رابحة في الصفقة فهي تترك منصبا جرد من صلاحياته الفعلية و تحتفظ بكل عناصر السلطة الأخرى ، و تتذكر السعودية انها تمكنت في العام 2005 ان تحاصر رئيسا قويا و تتنزع السلطة بكاملها في الدولة بشكل مكنها من وضع لبنان تحت الفصل السابع – قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان – فاذا استطاعت السعودية بقانون انتخاب يناسبها ان ترجع جماعتها الى مجلس النواب بأكثرية نيابية تفرض حكومة لها لا يستطيع رئيس الجمهورية وقف اعمالها او اقالتها ، فأنها تكون ربحت كل شيء و استبقت الخسارة التي باتت محدقة بموقعها من الباب السوري .
ان السعودية ترى مصلحتها في ان تقدم لفريق 8 اذار كأسا من عسل مسموم يؤدي الى تصدعه، ويفقده أي امل باستثمار متغيرات الإقليم وصمود سورية ومحور المقاومة لأنها تتوقع ان يسبب ترشيح فرنجية نزاعا بينه وبين العماد عون واحراجا لحزب الله ما يؤدي الى التناحر والتشتت وعندها يتشكل مشهد في صورة من اثنين تكون في كليهما السعودية هي الرابح المحافظ على مواقعه المسيطرة على لبنان. فأما ان يمرر الترشيح وبالشروط السعودية، وهنا يتحقق ما املته السعودية وعرضناه أعلاه، او يرفض الترشيح ويتصدع فريق 8 اذار ما يفتح الطريق امام حل تخبئه السعودية وتفاجئ به الاخرين ويبقيها ممسكة بالسلطة في لبنان.
ان تفادي الالغام التي زرعت في حقل 8 اذار يستوجب برأينا حسن إدارة للملف وتجنب الكمائن التي نصبت وذلك عبر ما يلي:
التمسك بمنطق الحل بالسلة الكاملة التي طرحها السيد حسن نصر الله بحيث يكون قبل أي تعيين او ترشيح اتفاق على قانون الانتخاب الذي يضمن حسن التمثيل ويضع حدا للاستئثار والتهميش، ثم يكون اتفاق على تقاسم الرئاسات في السلطة التنفيذية بين 8 اذار و14 اذار بحيث يعين كل فريق الشخص الذي تسند الرئاسة اليه او يقبل كل فريق بان يعين الاخر منه الشخص المناسب (8اذار يعين رئيس الحكومة من 14 اذار والأخير يعين رئيس الجمهورية من الأول).
وضع جدول زمني تنفيذي للاتفاق بحيث لا يتعدى الست أشهر تبدأ بإقرار قانون انتخاب ثم انتخاب رئيس جمهورية ثم تعيين حكومة تجري انتخابات ثم تعيين حكومة تحكم وفقا للاتفاق.
وهنا على المعنيين في 8 اذار ان يتذكروا دائما ان الريح الإقليمية تملأ شراعهم فلا يستعجلوا امرا قبل اوانه ولا يفرطوا بمكسب بات في متناول أيديهم، ولا يهدروا فرصة تصويب العمل وتصحيح النظام اللبناني.
اما ملف العسكريين ورغم ما احدثه من انفراجات نفسية ومعنوية حتى وميدانية في بعض جوانبه فأننا نلفت بان هذا المألف هو أيضا ثمرة من ثمار متغيرات الميدان في سورية فجبهة النصرة التي سوفت وماطلت كثيرا في السابق لم تكن مستعدة لحل المسألة لو كان بإمكانها الاحتفاظ بالورقة والابتزاز بها. فهذه الجبهة الإرهابية باتت تعلم ان فرص بقائها في القلمون تضيق وان ما يمكن ان تحصل عليه اليوم من باب المخطوفين لا يمكن ان تحصل عليه غدا. وبالتالي فأننا ومع ربطنا الوثيق لحل القضية بمتغيرات الميدان السوري في غير صالح الإرهابيين فأننا نسجل هنا ما يلي:
احتاجت قطر الى عمل تعود فيه الى ميدان التأثير الإقليمي في زمن بات الكثيرون يتحدثون عن وجوب الحل السياسي للازمة السورية وتدخلت في الملف ودفعت الأموال لجبهة النصرة "لتحملها" على القبول بالاتفاق ولتثبت مقدار تأثيرها على ثاني اهم تنظيم إرهابي تكفيري عامل في سورية ما يمكنها من حجز موقع ما على طاولة البحث في الحل السياسي.
احتاجت القيادة الراعية للعدوان على سورية وفي ظل اضمحلال ما تسميه المعارضة المعتدلة وافتضاح امر المسلحين العاملين في سورية بأنهم جميعا ارهابيون بتسميات متعددة، احتاجت الى تلميع صورة جبهة النصرة واظهار “إنسانيتها" لتتمكن من الاستناد الى مناطق نفوذها ومن ثم اشراك من يثب=لها مع تغيير الأسماء اشراكهم في الحل الذي يضمن مصالح العدوان في تركيبة الحكم السوري المنتظر من قبلهم.
اما سورية والمقاومة واللتين سعيا من اللحظة الأولى لأنهاء هذا الملف استغلتا ما ذكر وسارعتا لاستثماره لما فيه من جانب انساني أولا ثم لما يمنحهما من حرية أوسع في العمل الميداني فيما تبقى من ار ض يتواجد فيها الارهابيون في السلسة الشرقية، فضلا عن الامر يشكل فرصة أخرى تؤكد فيها سورية مقدار حرصها على المصلحة اللبنانية في الوقت الذي يناصبها العداء قسم من اللبنانيين ومعظم حكومتهم عداء منعهم من قول كلمة شكرا سورية.
كل هذه العناصر ما هي الا نتيجة مباشرة للمتغيرات التي حصلت في المشهد السوري ميدانيا و سياسيا متغيرات بدونها ما كان التبادل ليحصل و ما كان احد من الإرهابيين او رعاتهم ليتحرك للاستجابة للتنفيذ ، نؤكد هذا بعد ان اظهرنا كيف كان تأثير المتغيرات ذاتها على ملف رئاسة الجمهورية لنقول عبثا الحديث عن نأي بالنفس او انفصال بين لبنان و ما يجري في سورية ، و لهذا و بما ان المستقبل في سورية واعد لصالح محور المقاومة الى درجة اكثر مما يتوقع المتفائلون نقول مهلا لا تتسرعوا و لا تفرطوا بمكاسب ستكون اكبر ان انتظرتم و صبرتم بعض الوقت .