الدكتور أمين حطيط ل " تنا" : السعودية بإلغاءها الهبة أرادت أن تشدد الخلاف بين حزب الله والمستقبل
تنا - بيروت
اكد الباحث الاستراتيجي الدكتور امين حطيط ان الهدف السعودية من هبتها للجيش اللبناني هو تغيير عقيدته وتضعه في مواجهة بينه وبين المقاومة التي باتت تزعج الارهابيين في سوريا.
شارک :
في آب 2014 أعلنت المملكة العربية السعودية عزمها تقديم هبة عسكرية للجيش اللبناني، عبر عقود تجارية أبرمتها مع مصانع السلاح في فرنسا, حيث بلغت قيمة هذه الهبة 3 مليارات دولار, وقد تزامن إعلان هذا الخبر مع زخم المفاوضات النووية بين إيران والغرب , ولأن السعودية تعتبر نفسها المتضرر الأكبر من هذا الاتفاق، جاء الاعلان حينها عن الصفقة، والتي تبين فيما بعد انها عبارة عن رشوة مغرية لفرنسا المأزومة اقتصاديا كما حال الاتحاد الاوروبي كله، لعرقلة الإتفاق النووي.
ولاقى الخبر السعودي ترحيبا من الجانب اللبناني فأعلن الرئيس البناني السابق ميشال سليمان موافقة الحكومة اللبنانية على الهبة السعودية وبشكل رسمي . واستلم الجيش اللبناني الدفعة الأولى من هذه الهبة في نيسان 2015 على ان يستلم الدفعة الثانية في ايار 2015 إلا أن السعودية جمدت هبتها بذريعة مراجعتها اللوائح التي تم الإتفاق عليها مبدئيا لتعيد إحياءها في 27 كانون الثاني 2015 مع تغيير في موعد التسليم ومراحله وفقا للإتفاق الجديد بحيث تسلم الصفقة في 2023 .وتم تقسيم تسليم الهبة السعودية للجيش اللبناني الى ثلاث مراحل , تبدأ الأولى من نيسان 2016 الى نيسان 2017, والثانية تبدأ في 2018 وتمتد حتى نهاية 2019 , أما الدفعة الثالثة فتبدأ من نهاية 2019 حتى 2023 وقابلة للزيادة .
الإّ أن السعودية ومنذ أيام ليست ببعيدة أعلنت عن قرارها وقف الهبة العسكرية ، بذريعة مواقف لبنان من قضايا عربية مشتركة حسب رأيها ونظرا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين حسب زعمها, لاسيما الموقف الأخير المناهض لها في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الاسلامي, بعد أن تفرد لبنان عن الإجماع العربي والإسلامي حول إدانة إيران ومصادرة حزب الله لإرادة الدولة.
وفي السياق استصرحت وكالة " تنا " الباحث الإستراتيجي العميد الدكتور محمد أمين حطيط , الذي قال أنه حول الأسباب التي دفعت السعودية الى إقرار وقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني وعلاقة حزب الله في ذلك يجب أن نعود الى أصل الهبة المزعومة , لافتا الى أن هذه الهبة بخلفية , كانت تهدف الى تحقيق أهداف ثلاثة, الهدف الأول يتصل بالتمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان والتي تصورت السعودية أنه وبالتمديد له ستكون هي صاحبة الوصاية على لبنان نظرا لتبعيته لها, أما الأمر الثاني، فكانت تهدف السعودية من خلاله الى تغيير عقيدة الجيش ومصادرة قراره لتضعه في مواجهة مع المقاومة التي تزعج الإرهابييين في سوريا , فشاءت أن تضع الجيش في مواجهتها بإعطاءه 3 مليارات دولار من السلاح ليقاتلها .
وتابع حطيط وبالنسبة للمسألة الثالثة كانت تتعلق بفرنسا, لأن السعودية شاءت من هذه الهبة أن تشتري الصوت الفرنسي في مجلس الأمن, والموقف الفرنسي في العلاقات الدولية , مؤكدا أن كل هذه الأمور سقطت, لأن التمديد لم يحصل, والعقيدة القتالية للجيش لم تتبدل, وفرنسا هُمشت على الصعيد الدولي .
وأردف حطيط قائلا, ثم جاءت بعد ذلك ظروف معاكسة للسعودية بسياستها , ظروف داخلية وخارجية , ومنها التردي الحاد في واقعها المالي لدرجة أن هناك عجز بمئة مليار دولار وقعت به الموازنة السعودية لهذا العام , بالإضافة الى الخلاف حول طبيعة الهبة أهي من الأموال الخاصة أم العامة ؟ وهل هي من تركة عبدالله الملك المتوفي أم من الخزينة العامة؟
وإذ اعتبر حطيط الى أن هناك عنصرا آخرا جاء إضافيا في هذا الموضوع من حيث التوقيت, وهو أن سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عندما أطلق موقفه الشهير الأخير, والذي عُدّ بمثابة الإعصار الإستراتيجي ضد إسرائيل, والذي قال فيه أن عدة صواريخ تسقط على حاويات الأمونيا في حيفا تنتج مفاعيل قنبلة نووية, واحتل هذا الخبر مركزا رئيسيا على الساحة الإعلامية الدولية , أكد أن اسرائيل شاءت بتوافق مع السعودية أو بضغط عليها أن تحدث خبرا يَحجُم هذا الخبر وتسقطه ُمن مرتبة الخبر الأول في العالم الى مرتبة متراجعة .
وأضاف حطيط شاءت السعودية أن تتابع تحريضها على حزب الله وتحمله مسؤولية إلغاء الهبة وتنشأ فتنة داخلية لتلهي حزب الله عن معاركه الإستراتيجية, سواءً في مواجهة إسرائيل في الجنوب او في مواجة الإرهابيين في سوريا , لافتا الى أن كل هذه العوامل تضافرت لنصل الى النتيجة التي نحن في مواجهتها الآن.
وحول ما إذا كان القرار سيشدد الخلافات بين تيار المستقبل وحزب الله , قال حطيط أن تيار المستقبل هو في وضع مُربك ومشتت وهو حائر في مواقفه , فهو يعلم أن زعيمه لا يستطيع أن يعود الى رئاسة الحكومة إن أغضب حزب الله, وهو لا يستطيع أن يستمر قطبا رئيسيا في السياسة السعودية إن أغضب السعودية, ولذلك تيار المستقبل بتعدد سياسيه يتوزعون الأدوار, هذا يهاجم حزب الله, وهذا يتملق في حزب الله في شكل يظهر التباين والإختلاف, حتى يُبقي العلاقة مع السعودية قائمة, ويبقي العلاقة مع حزب الله قائمة, مشيرا الى أنه وعلى هذا الأساس نحن لا ننتظر اشتباكا فعليا حادا بين حزب الله وبين تيار المستقبل, ولا ننتوقع أيضا ان ينقطع الحوار , كما لانتوقع أن يكون هناك خلل في الشارع على الصعيد الأمني بين جمهور هذا التيار وجمهور الحزب .
وردا على سؤال حول موقف الحكومة اللبنانية من ذلك , لفت حطيط الى أن الحكومة اللبنانية ليست موحدة الموقف أو موحدة الرأي , فهي نوع من الإئتلاف الوطني الذي يحافظ كل فريق فيها على خصوصيته في هذا الموضوع, معتبرا أنه ومن أجل ذلك سيبحث رئيس الحكومة عن عباراتٍ حمّالةُ أوجه رمادية, لا تثير أحدا, ولا تدفع بالحكومة الى التعطيل, ولذلك لن يكون هناك موقف يسيئ لأحد وستحاول الحكومة أن تسترضي السعودية بكلمات لا تصرف في مجال فعلي وجدي.
وفيما إذا كان القرار السعودي سيؤثر على موضوع الإنتخابات الرئاسية, أشار حطيط إلى أن كل الأحداث والإتصالات والمواقف دائما مترابطة, وبدون أدنى شك كل صراع حول مسألة او حول قضية تنعكس في مفاعلها على القضايا الأخرى, معتبرا أن المسألة الرئاسية في لبنان كانت في الأصل غير قائمة في المدى المنظور , وهذا القرار أيضا جعلها تكون محجوبة أكثر .
وحول ماهو التوجه العام للسلك السياسي في لبنان حول الهبة العسكرية الإيرانية , قال حطيط : "اليوم باتت الحكومة خاصة الفريق السياسي الذي يتصرف بأوامر السعودية بات محرجا, لأن الجيش اللبناني بحاجة لمساعدات وهذه المساعدات معروضة مجانا ومن غير شروط في إيران ولا يوجد أي عائق لا قانوني ولا سياسي لرفضها" , "اللهم إلا إذا تمت ممارسة السياسة الكيدية عند ذلك سيكون هناك إرتدادات على العمل الحكومي" .
وردا عى سؤال حول تأثيرات القرار على الوضع الأمني والسياسي في لبنان , وما إذا كانت هناك خطة مدروسة لنقل المواجهة الى الداخل اللبناني , أكد حطيط أن السعودية صنّاعة فتن وإذا تمكنت فإنها تفجر فتنة في لبنان, لكن لا أعتقد أن الفرقاء اللبنانيين الذين اكتووا في نيران الفتن سابقا, والذين دمرت بيوتهم ومصانعم وأعمالهم نتيجة الحرب الأهلية , أنهم سيستجيبون للسعودية في الفتنة التي تنشرها كما نشرتها في سوريا والعراق واليمن أو البحرين, كما لا أعتقد أن هناك استجابة للدفع السعودي نحو الفتنة .
اجرى الحوار مكتب بيروت