تشكل موائد الرحمن التي تقام في رمضان واحدة من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي في العالم العربي. ولكنها، في مصر، تتخذ أبعادا أكبر. فهذه المواد تقدم مثالا للتلاحم الوطني أيضا، إذلا تقتصر إقامتها على المسلمين فحسب، ولكنها تشمل المسيحيين أيضا.
شارک :
وكالة انباء التقريب(تنا): وعلى عكس الاعتقاد الشائع، فليس الأغنياء هم وحدهم الذين يتكفلون باقامتها، إذ ان العديد من أسر الطبقة الوسطى تقيمها أيضا. ويشارك الفقراء، هم الآخرون بتقديم ما لديهم في بعضها. وفوق ذلك، فان أحزابا وجمعيات أهلية ومؤسسات وشركات لا تفوتها الفرصة في إقامة "موائد الرحمن"، وسواء أكنت صائما أم لا، فلا تعجز عن ان تجد طعاما وشرابا، لتصيبك منه رحمة. ولم تعد "موائد الرحمن" لتقتصر على تلك الطاولات الممدودة في عرض الطريق، ولكنها صار تصل الى الفقراء الى منازلهم أحيانا. وهناك من يأخذ نصيبه من المائدة بطريقة take away. وعلى الرغم من ان موائد الرحمن تنتشر في كل مكان من العالم العربي، إلا انها في مصر تبدو أكثر شيوعا وإقبالا. ليس لكثرة الفقراء فحسب، بل ولكثرة الساعين الى كسب الثواب أيضا. وتفيد دراسة لجامعة الأزهر إن موائد الرحمن في القاهرة وحدها تتكلف ما يزيد على مليار جنيه فيما ينفق أهالي المحافظات الأخرى على تلك الموائد مليار جنيه ، مشيرة إلى إن عدد المواطنين الذين يأكلون على موائد الرحمن يبلغ ثلاثة ملايين شخص يوميا مع العلم إن الجهات التي تنظم موائد الرحمن أو عدد الأشخاص يصل إلى عشرة ألاف جهة أو طرف. ويقول مراقبون محليون ان الجمعيات الخيرية الإسلامية والمساجد وموائد الرحمن تقدم آلاف الوجبات يوميا، والامر متروك للمستفيدين، فمنهم من يفطر عليها داخل الخيم المنصوبة لهذا لهذا الغرض، ومنهم من يوصلها الى البيت، بينما تجوب المئات من السيارات الشوارع لتوصيل الوجبات الى المنازل، او تقديمها الى رجال المرور والحراسة في الشوارع من موظفي الخدمة العامة. وعادة ما تشكل موائد الرحمن فرصة للتنافس السياسي ايضا، لاسيما بين الحزب الوطني الحاكم وجماعة الاخوان المسلمين. ولكن المناسبة لا تفوت الاحزاب والجمعيات الأخرى. من أشهر موائد الرحمن الشخصية مائدة الدكتور فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، التي يقيمها في دائرته الانتخابية بحي السيدة زينب. وأكثر الموائد سخاء وإثارة للجدل في نفس الوقت، هي الموائد التي تقيمها الفنانات والراقصات، والتي أفتى بعض الشيوخ بعدم جواز الإفطار عليها، بينما أباح شيوخ آخرون الإفطار على موائد الفنانات باعتباره من باب البر. كما يقيم البابا شنودة مأدبة إفطار يدعون لها رجال الدولة، والشخصيات العامة، وكبار رجال الدين المسلمين مرة كل عام. وهناك عشرات الموائد الشهيرة التي يقيمها أقباط أو مسلمون وتكون فرصة لاجتذاب المشاهير في عالم الكتابة أو الفن أو المال، ومنها مائدة الدكتور ميلاد حنا أحد أشهر السياسيين الأقباط وكذلك موائد رجال الأعمال المشهورين مثل محمد فريد خميس ومحمد أبو العينيين وأحمد عز. وتشكل موائد الرحمن فرصة نادرة للسواح أيضا. فهم يشاركون أيضا في تناول الوجبات في أي مكان يعثرون عليه ليشاركوا الصائمين إفطارهم. وتقام "موائد الرحمن" عادة داخل المساجد، أو بجوار الفنادق والعقارات، أو فى مناطق فضاء واسعة، حيث يتولى القائمون عليها إعداد وجبات غذائية جاهزة فى انتظار من يتناولها عند آذان المغرب موعد الافطار في شهر رمضان. ويقف على رأس كل مائدة أحد العاملين بها يدعو السائرين فى الشوارع اثناء اذان المغرب الى تناول الافطار لدرجة قد تصل فى بعض الاحيان الى حد الالحاح رغبة فى الحصول على الثواب الديني والثناء الاجتماعي. ويقدر مركز المعلومات الحكومي المصري عدد "موائد الرحمن" في حضر مصر بحوالي ۱۴ الف مائدة، وذلك طبقا للتصاريح التي اقيمت بموجبها هذه الموائد، يتردد عليها قرابة مليون و۹۰۰ الف شخص يوميا. وأوضح ان ۸۷ في المائة من "موائد الرحمن" يقيمها افراد مقابل ۱۳ في المائة تنظمها جمعيات خيرية وشرعية تعتمد غالبيتها على التبرعات في تمويل تكاليف الوجبات . ويقال إن الأمير احمد بن طالون مؤسس الدولة الطولونية في مصر هو أول من أقام مائدة الرحمن في مصر في السنة الرابعة لولايته حيث جمع القادة والتجار والأعيان على مائدة حافلة في أول أيام رمضان وخطب فيهم "أنني لم أجمعكم حول هذه الأسمطة ألا لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم في حاجة الى ما أعده لكم من طعام وشراب، ولكنني وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم في رمضان، ولذلك فانني أمركم إن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير المحروم، واخبرهم ابن طولون إن هذه المائدة ستستمر طوال أيام الشهر الكريم. وهناك من يشير إلى إن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي كان أول من وضع تقليدا للمآدب الخيرية في عهد الدولة الفاطمية، وهو أول من أقام مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص وكان يخرج من قصره ۱۱۰۰ قدر من جميع ألوان الطعام لتوزع على الفقراء . وكان الفاطميون يعدون الموائد تحت اسم دار الفطرة وكانت تقام بطول ۱۷۵ مترا أربعة أمتار. ومن أشهر أصحاب الموائد في تلك الفترة كان الأمير ابن الضرات المولود بحي شبرا بالقاهرة حيث كانت له أراض وأسعه تدر عليه مليوني دينار سنويا، وكان ينفقها في رمضان حيث يعد موائد بطول ۵۰۰ متر ويجلس على رأسها وإمامه ۳۰ ملعقة من البلور يأكل بكل ملعقة مرة واحدة ثم يلقى بها ويستخدم غيرها. وفي العصر الحديث منذ عام ۱۹۶۷ – تولي بنك ناصر الاجتماعي الإشراف على موائد الرحمن بشكلها على موائد الرحمن بشكلها الحالي من أموال الزكاة، وكان اشهرها المائدة التي تقام بجوار الجامع الأزهر والتي يفطر عليها أربعة ألاف صائم يوميا.