قراءة في كتاب "الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي"
وكالة أنباء التقريب (تنا)
الاحتجاجات لصيقة بمختلف النظم السياسية، فهي موجودة في النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية، لكنها في الأولى عادة ما تؤدي إلى تطوير النظام، أما في الثانية فإنها تكرس الأزمات، لأن النظام يعجز عادة عن الاستجابة لمطالب المحتجين، وكثيرا ما يعمل على التحايل عليها.
شارک :
يقترب الكتاب من خبرات ونماذج مختلفة من الصعب وجودها في مكان آخر خارج الوطن العربي، وقد بدا واضحا للمؤلف أن الحركات الاحتجاجية التي رصدها الكتاب ( مصر، المغرب، لبنان، البحرين ) تبين أنها حركات احتجاج اجتماعي لم تقترب في معظمها من المجال السياسي. - الكتاب: الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي (مصر، المغرب، لبنان، البحرين) - المؤلف: مجموعة باحثين - عدد الصفحات: ٣٠٤ - الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت - الطبعة: الأولى ٢٠١١ الحركات الاحتجاجية في مصر عاشت مصر منذ قيام ثورة يوليو/تموز ١٩٥٢ حالة من الخوف من انتفاضة سياسية يقودها تنظيم سري أو حزب سياسي، وظل هذا الخوف قائما في عهد عبد الناصر، وتزايد في عهد السادات، إلى أن اختفى تقريبا في عهد مبارك، بعد تراجع تأثير القوى والتنظيمات السياسية لصالح صور جديدة من الاحتجاجات الاجتماعية غير المنظمة. ورغم الحراك السياسي المعقول الذي تشهده البلاد، فإنه لم يؤدِّ إلى فرض أي إصلاحات سياسية، وباتت السياسة -بحسب مؤلفي الكتاب- مرادفا لأحزاب غائبة، وحركات احتجاجية متعثرة، وتيار إسلامي يعاني حظرا قانونيا وأمنيا جعله غير مؤهل لقيادة البلاد.
الحركات الاحتجاجية في البحرين تقوم معادلة الاحتجاجات الاجتماعية في البحرين على ثنائية الصراع بين أقلية مذهبية مسيطرة على مقاليد الحكم والسلطة، وأغلبية مستبعدة من الحكم والسلطة. صحيح أن المعادلة ليست صفرية، فكثير من الشيعة يمكن اعتبارهم جزء من المنظومة الحاكمة بالمعنى السياسي والاقتصادي، كما أن كثيرا من السنة بمكن اعتبارهم معارضين للنظام القائم. في عام ٢٠٠٢ تم إدخال تعديلات دستورية أرست سلطات مطلقة في يد الملك من الطائفة السنية التي ينتمي إليها ٣٠% من شعب البحرين، في حين ينتمي إلى الطائفة الشيعية ٧٠% من الشعب. تعاني البحرين مشكلتين أساسيتين، كلتاهما ناتجة من طبيعة النظام السياسي الذي يمثل أقلية، ويسعى إلى تعزيز قوته الاقتصادية، وتغيير التركيبة الديمغرافية، والمشكلتان هما: الدفان (الردم) والتجنيس. ليس الدفان مشكلة بيئية فقط، ولا هو مسألة تخص الصيادين الذين يمتد احتجاجهم لعقود فحسب، ولا هو مسألة سعي الأسرة الحاكمة إلى السيطرة على مزيد من الثروة والاستئثار ومراكمة رأس المال، بل هو يعكس اقتران عقلية الاستبداد بطبائع الاستملاك، فخلق مساحات واسعة للثروة العقارية وأرض للنخبة من خلال دفن مساحة واسعة من الشواطئ من دون مراعاة حق السكن والوصول إلى الشاطئ لسكان المناطق الساحلية، لا سيما قرى الشمال الفقيرة ذات الأغلبية الشيعية التي تعتمد على حرفة الصيد. لا يتعلق الأمر فقط بالأسماك التي هبطت من ٤٠٠ نوع إلى ٥٠ نوع فحسب، بل يتعلق الأمر بتحويل ملكيات أراضي الدفان بدون وثائق، وتخصيص الأراضي بدون تسجيل، وهذا يعني وفق الكتاب محاولة من السلطة البحرينية لتطويق أمكنة الفقراء الشيعة وتهميش لمساحاتهم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. " الردفان والتجنيس أديا إلى ظهور العديد من حركات الاحتجاج التي اتخذت أشكالا ووسائل مختلفة، لكنها عكست في ثناياها الثنائية المذهبية، وربطت بشكل واضح بين الاجتماعي والمذهبي والسياسي في تداخل فريد أما التجنيس، فهو السعي إلى إعطاء الجنسية لوافدين من دول أخرى روعي أن يكونوا سنة، وإعطاؤهم مزايا عديدة، مثل سهولة الحصول على السكن، وفرصة عمل، وتخصيص بعض من أراضي الدفان لهم. كل هذه الأمور أدت إلى ظهور العديد من حركات الاحتجاج التي اتخذت أشكالا ووسائل مختلفة، كتقديم عرائض وشكاوى إلى السلطة، أو القيام ببعض التظاهرات وأعمال الشغب، وتأسيس العديد من الحركات، كحركة حق التي انشقت عن جمعية الوفاق الوطني التي قبلت خوض الانتخابات التشريعية عام ٢٠٠٦، وحركة حقوق الإنسان، وحركة الصيادين، وحركة لقمة العيش، وهي حركات ذات مظهر اجتماعي، لكنها عكست في ثناياها تلك الثنائية المذهبية، وربطت بشكل واضح بين الاجتماعي والمذهبي والسياسي في تداخل فريد.
الحركات الاحتجاجية في لبنان هناك حدثان سياسيان كبيران مثلا مرحلة جديدة في تطور الحركات الاحتجاجية اللبنانية : انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني عام ٢٠٠٠ ، واغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية عام ٢٠٠٥ ، الذي أدى إلى تغيير موازيين القوى السياسية في البلاد، وانعكس على الحركات الاحتجاجية سواء السياسية أو المطلبية.
الحركات الاحتجاجية في المغرب شهدت المغرب في سبعينيات القرن المنصرم احتجاجات عنيفة سميت باحتجاجات الرصاص، لكن مع عقد التسعينيات بدأت حقبة جديدة من الاحتجاجات، وصفت بالسلمية. والسبب المحوري لهذا التحول بحسب الكتاب، هو التغيير الذي طرأ على بنية النظام السياسي في المغرب، وتحوله من نظام مغلق إلى نظام منفتح نسبيا، نتيجة مجموعة من الأسباب، بعضها خارجي كانهيار الاتحاد السوفيتي، وزيادة الانتقادات الغربية للمغرب حول حقوق الإنسان، والآخر داخلي، يتعلق بإدراك الأحزاب والنقابات أنها قادرة على الدعوة للاحتجاجات والإضرابات. وهناك عامل مهم في تزايد الحركات الاحتجاجية في المغرب، وهو تجربة حكومة التناوب ( ٩٨ ـ ٢٠٠٠ ) بانتقال الأحزاب التي ظلت تعارض لمدة ٤٠ عاما إلى رئاسة الحكومة. ويرى الكتاب أن الحالة المغربية أكثر تسييسا من الحالة المصرية، رغم اشتراكهما في بعض المظاهر، مثل أن الجيل الجديد من الحركات الاحتجاجية اتسم بالعفوية، وببعده عن التنظيمات الرسمية، وفي ذلك دلالة على غياب المؤسسات الوسيطة التي تعمل كحلقة وصل بين تلك الحركات والنظام السياسي. وهناك نماذج عدة للاحتجاجات في المغرب، منها: - الاحتجاج على البطالة ( حالة حركة حملة الشهادات العليا ). - الاحتجاج ضد الغلاء والأسعار ( لجان تنسيقية للأسعار ). - الاحتجاج على التقسيم الإداري المحلي والتمثيلية المحلية ( حالتا سيدي إيفني وعين الشعير ). - الاحتجاج على العصبية التكنوقراطية ( حالة احتجاج سائقي الشاحنات وسيارات الأجرة ).