على أثر الرسائل الكثيرة التي أرسلها أهل الكوفة إلى الإمام الحسين(ع)، اِرتأى(ع) أن يُرسل مبعوثاً عنه إلى الكوفة، فاختار ابن عمّه مسلم بن عقيل(رضي الله عنه) لصلاحه وأهلّيته لهذه المهمّة.
ومنذ وصول مسلم إلى الكوفة بدأ يجمع الأنصار، ويأخذ البيعة للإمام الحسين(ع)، ويوضِّح أهداف الحركة الحسينية، ويشرح أهداف الثورة لزعماء الكوفة ورجالاتها، فأعلنت ولاءها للإمام الحسين(ع)، عند ذلك كتب مسلم بن عقيل رسالة إلى الإمام الحسين يحثُّه بالتوجّه إلى الكوفة، وعندما تسلّم الإمام الحسين(ع) الرسالة قرّر التوجّه إلى العراق.
خطبة الإمام الحسين(ع) ليلة الخروج «الحَمدُ للهِ، ومَا شاءَ الله، ولا قُوّة إلّا بالله، وصلّى الله على رسوله، خُطّ المَوتُ على وِلدِ آدم مخطّ القِلادَة على جِيدِ الفَتاة، وما أولَهَني إلى أسلافي اشتياقَ يَعقُوبَ إلى يوسف، وخيّر لي مَصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطِّعُها عسلان الفلوات بين النّواوِيسِ وكَربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً.
لا مَحيصَ عن يومٍ خُطّ بالقلم، رِضا الله رِضَانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفِّينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لَحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرُّ بهم عَينه، وينجزُ بهمْ وَعدَه. من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله». فلمّا علم الحسين(عليه السلام) بمؤامرةيزيد، حلّ من إحرام الحجّ، وجعلها عمرة مفردة، وعزم على التوجّه إلى العراق؛ مخافة أن يقبض عليه، أو يُقتل غيلة.
جاءت الشخصيات المعروفة في مكّة إلى الإمام الحسين(ع) تنهيه عن الخروج إلى العراق، ولكنّ الإمام(ع) رفض ذلك. فمن الذين جاؤوا: أبو بكر عمر بن عبد الرحمن المخزومي، فقال له الحسين(ع): «جزاك الله خيراً يابن عمِّ، قد اجتهدت رأيك، ومهما يقض الله يكن». وجاءه عبد الله بن عباس، فقال له الحسين(ع): «استخير الله، وأنظر ما يكون».
وجاءه أخوه محمّد بن الحنفية قائلاً له: يا أخي، إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فإن رأيت أن تقيم، فإنّك أعزّ من بالحرم وأمنعه، فقال(عليه السلام): «يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت».
وجاءه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وغيرهما، والحسين(عليه السلام) يقول لهم: «وأيم الله لو كنت في جحر هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقتلوني، والله ليعتدن عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت، والله لا يدعونّي حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم، حتّى يكونوا أذلّ من فَرام المرأة». المصدر : مركز ال البيت العالمي للمعلومات