الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية حجة الاسلام و المسلمين الدكتور "حميد شهرياري" :
حديث التقريب .... ... التحديات والتقريب
تنا- خاص
المؤتمر الرابع والثلاثون للوحدة الإسلامية سيعقد هذا العام في الفضاء الافتراضي خلال أيام أسبوع الوحدة الإسلامية 12 – 17 ربيع الأول تحت عنوان: «التعاون الإسلامي في مواجهة المصائب والبلايا».
شارک :
بداية نقول إن التقريب يعني إزالة الحواجز النفسية التي تحول دون الحوار والتعاون بين المختلفين، هذه الحواجز النفسية ناشئة عن الأغلال والقيود التي تجعل الأنظار ضيقة والصدور حرجة. وفي الآية الكريمة " ونزعنا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا " إشارة هامة إلى أن الأخوّة تتحقق بعد نزع الأغلال من الصدور. الآية تتحدث طبعاً عن أهل الجنة لكنها تطرح حقيقة هامة نستطيع أن نتلمسها اليوم في واقعنا الراهن.
وإذا انكسرت هذه القيود الطائفية منها أو القومية أو المصلحية والفئوية فإن (الأخوّة) حينئذ تتحقق بين المختلفين، وإن بقي الاختلاف الذي هو من طبيعة البشر.
لا يمكن إزالة اختلاف الناس في أذواقهم ومشاربهم وطريقة تفكيرهم، هكذا شاء الله سبحانه: " وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ "لكن الأخوّة يمكن أن تتحقق إذا انكسرت تلك القيود.
من أكبر الفرص التي تتوفر في المجتمعات لانكسار تلك القيود هي مواجهة التحديات المشتركة.
فإذا واجه مجتمع هجوماً عدوانياً، أو كارثة طبيعية، أو بلاءً وبائياً عاماً، فإن روح التعاون تُستثار في النفوس، ويهبّ الجميع لمواجهة هذا التحدّي، والعالم الإسلامي بل العالم بأجمعه يواجه أفظع وباء أصاب الملايين وقضى على الآلاف، دون فرق بين هذا المجتمع وذاك المجتمع، من حيث التطور العلمي أو الثراء الاقتصادي أو الموقع الجغرافي.
ولولا تراكمات الحواجز النفسية والمصلحية الثقيلة الجاثمة على الفطرة الانسانية، لاتجهت البشرية بأجمعها نحو التعاون لمواجهة هذا التحدي، ولزالت أو ضعفت على الأقل القيود الطائفية التي تخلق النزاعات بين المذاهب وهكذا القيود القومية، وقيود المصالح التي تضرم نار الحروب وتحرق الأخضر واليابس.
من هنا فإن مسألة (مواجهة المصائب والبلايا) تشكل قاعدة هامة للتعاون لا بين المسلمين بمختلف مذاهبهم فحسب، بل بين شعوب العالم بمختلف انتماءاتهم القومية والاقليمية.
وإذا اقتصرنا في هذا الطموح على العالم الإسلامي فإن المسألة ستصبح أكثر ضرورة، لأنها إضافة إلى ضرورتها الحياتية فإنها فريضة إلهية على كل مسلم وعلى كل مؤمن أن يهبّ لمساعدة الآخرين تلبية لما قرره القرآن الكريم بقوله: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " وتلبية لتعاليم رسول الله(ص) حيث يقول: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (متفق عليه).
لقد شاهدنا في الجمهورية الإسلامية – وقد يكون لها نظير بدرجة وأخرى في بلدان العالم الإسلامي – حركة مدهشة وعجيبة في التعاون الشعبي لمواجهة هذه الجائحة، حركة في البيوت والمساجد والمدارس والمستشفيات شارك فيها جميع صنوف المجتمع من الجامعيين وطلبة الحوزة العلمية والاطباء والممرضين والممرضات ومختلف أصحاب المهن شبابًا وكهولا وشيوخًا ونساءً ورجالا، في مشهد عظيم من المشاهد التي يجب أن يخلّدها التاريخ الإسلامي، باعتبارها من مفاخر الإسلام في صنع المجتمع المتكافل المتعاضد المتعاون على البرّ والتقوى.
وفي هذه الهبّة الشعبية الايمانية شارك أهل السنة إلى جانب الشيعة، وشارك الأكراد والعرب والبلوش والتركمان إلى جانب الفرس.
وكلهم يرنو إلى هدف واحد هو الأخذ بيد المصابين من أجل رضا الله سبحانه وبدافع إنساني هو من فطرة الله التي فطر الناس عليها.
ألا يجدر بالعالم أجمع أن يعي أنه أمام تحديات مشتركة؟ ألا يفهم أن جائحةً لا تُرى بالعين المجردة تستطيع أن تزلزل الكرة الأرضية بمختلف قاراتها؟!
دعك عن العالم بأجمعه، وتعال إلى العالم الإسلامي، إلا يرى أن الدائرة الحضارية الإسلامية من طنجة إلى جاكارتا قادرة بفضل مخزونها الحضاري والإيماني أن تواجه أية تحديات وأية كوارث تحل بها؟!
إلى متى هذه الغفلة عن القدرات المخزونة لدى دائرتنا الحضارية التي نستطيع بها أن نتعاون لمواجهة كل التحديات الاقتصادية والعسكرية والامنية وأنواع الكوارث البيئية والطبيعية والصحية؟!
هذا هو الذي دفع اللجنة العلمية واللجنة التحضيرية لمؤتمر الوحدة الإسلامية القادم أن يختار للمؤتمر عنوان: «التعاون الإسلامي في مواجهة المصائب والبلايا».
فهل سيكون قادراً على أن يستثير الهمم والأفكار نحو تحقيق هذا الهدف التقريبي الوحدوي في التعاون والتآزر بين مجتمعاتنا؟ هذا ما نأمله بالتعاون مع النخبة المفكرة في أرجاء العالم الإسلامي.
وبالله التوفيق
د. حميد شهرياري
الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية