حديث التقريب .. موقف الإسلام من الآخر الزرادشية نموذجًا
تنا- خاص
تتصاعد هذه الأيام أصوات منكرة تردد مقولة "إن الإسلام يرفض الآخر، ويتعامل معه بالعنف"، ولنا في تاريخنا الإسلامي مئات الوثائق التي تفنّد هذه التهم.
شارک :
نقف في حديثنا عند موقف الإسلام من الزرادشتية باعتباره نموذجًا لموقف الإسلام من الآخر.
الديانة الزرادشتية كانت الديانة السائدة في إيران عند الفتح الإسلامي، ومع أن طبيعة هذا الدين لم تكن كالمسيحية واليهودية في وضوح ارتباطها بالنبوءات الحقة، لكن عاملهم المسلمون باعتبارهم أهل كتاب، ولم يجبروهم قط على ترك دينهم، لكنهم دخلوا في دين الله أفواجا، ويعود هذا الدخول الجماعي في الإسلام إلى عوامل كثيرة أهمها ارتباط الديانة الزرادشتية بالنظام الحاكم الساساني، ومع انهيار هذا النظام الحاكم انهار الجهاز الديني الزرادشتي أيضًا.
ولا شك أن هذا الدين ارتبط في أذهان الإيرانيين بما كان ينزل بهم من ظلم الحكام الساسانيين، ولذلك وجدوا في الإسلام المنقذ لهم من هذا الظلم كما سنبين ذلك، ولكن هذا لا يعني طبعًا دخول كلّ أتباع الديانة الزرادشتية في الإسلام فقد ظلت أسر كبيرة منهم البقاء على دينهم حتّى القرن الرابع الهجري، ولا تزال جماعة منهم باقية على دينهم حتّى يومنا هذا.
لقد كان الزرادشتيون في ظل الإسلام ينعمون بما لم ينعموا به في ظل الدولة الساسانية، من ذلك إعفاؤهم من الجندية، ومن ذلك أيضًا قيامهم بطقوسهم الدينية على الطريقة التي تحلو لهم وكانوا من قبل مجبرين على أن يؤدوها وفق تعاليم الدولة وقوانين المؤسسة الدينية الصارمة، ولم يكن عليهم من الواجبات تجاه الدولة الإسلاميّة سوى أداء ضريبة الجزية مقابل حصولهم على حماية الدولة الإسلاميّة، وكان مبلغ الجزية يزيد قليلا على ما يدفعه المسلم من ضرائب كما أنها ما كانت تزيد على مبلغ ضريبة الرأس التي كانوا يؤدونها للحاكم الساساني.
وتذكر الوثائق أن الزرادشتيين اسلموا بالتدريج خلال القرون الإسلاميّة، ويذكر أن سامان جد مؤسسي الدولة السامانية أسلم في القرن الثاني وقابوس جد سلالة حاكمة إيرانية أخرى أسلم في القرن الثالث، ومهيار الديلمي الشاعر الإيراني المعروف أسلم في أواخر القرن الرابع الهجري. أكثر أهالي كرمان ظلوا طوال العصر الأموي على الديانة الزرادشتية، ويتحدث المقدسي الذي طاف في فارس عن الزرادشتيين هناك ومكانتهم واحترام المسلمين إياهم وهكذا يذكر المسعودي عن أهالي اصطخر، ويتحدث عن كتاب جامع كان لدى الزرادشتيين عن تاريخ الدولة الساسانية استفاد منه في تدوين تاريخه، ويذكر اسم «الموبد» في هذه المدينة ومكانته بين أتباعه.
ويعقد المسعودي في مروج الذهب فصلا تحت عنوان : «في ذكر الأخبار عن بيوت النيران وغيرها» ويذكر اسم بيت النيران في «دارا بجرد» التي رآها سنة 332 هجرية ومدى احترام المجوس لها، ويقرر أنها تحظى بتقديس المجوس أكثر من غيرها من بيوت النيران.
وتذكر الوثائق التاريخية أن اتساع دخول الإيرانيين في الإسلام كان يقلّص من حرية حركة أتباع الديانة الزرادشتية، مما دفع بعض الزرادشتيين إلى الهجرة إلى الهند.
ويحسن هنا أن نشير إلى ما كتبه «المستر فراي» عن هذا الموضوع إذ يقول ما ملخصه:
«إن الزرادشتيين في إيران اتجهوا إلى الإسلام عن طريق دعاة الصوفية والشيعة، وخاصة الشيخ أبا إسحاق إبراهيم بن شهريار الكازروني المتوفى سنة 1034 ميلادية، واتجه زعماء الديالمة الزرادشتيون إلى الإسلام، وأسسوا فيما بعد دولة البويهيين في إيران والعراق واختاروا مذهب أهل البيت لهم عقيدة وسلوكًا، واللغة العربية كلاما وكتابة وأدبًا.
كلّ هذا ينفي من جهة، أقاويل "انتشار الإسلام بالسيف في إيران"، ويبين من جهة أخرى موقف الإسلام من الديانة الزرادشتية.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية